تخطى إلى المحتوى

سلطة الانجازات وشعب الجبارين .. هللويا

نادية حرحش تكتب لـوطن: سلطة الانجازات وشعب الجبارين .. هللويا
لا أعرف كيف أتعامل مع الأخبار المتراكمة عن الوطن ، بينما أتابعه عن بعد، يبدو الوطن بخير وقد تركته لأسبوع، فجأة تحول الوطن الى مدينة يوتوبيا.

الرئيس يحول قصر التشريفات الى مكتبة وطنية، إغلاق محل للعصائر الطبيعية مخازنه عفنة تجول فيها الجرادين، القبض على مجرمين في عملية قتل بعد أقل من 24 ساعة، شبان قتلوا والدهم وشوهوا معالم الجريمة في جريمة اخرى.

من الممكن ان يكون الوطن بخير فكرت مع نفسي.. 

ولا بد من الثناء على الاخبار الثلاثة هذه، قصر تشريفات يتحول الى مكتبة وطنية، خبر مهم، ويُشكر عليه الرئيس، مع تحفظي بأن هذه المكتبة ستكون في اخر ما عمر الله، وسينظر اليها الانسان الفلسطيني عن بعد كما ينظر الى القصر المطل على قمة تلة من تلال قضاء رام الله البعيدة.

بدأت الافكار في رأسي تتراكم وتكبر ككرة الثلج ولكني سرعان ما فككتها، قلت في نفسي انني يجب ان اكون ايجابية، أُحسن الظن، ولكن بقي امام وجهي بضع اسئلة لم تذيبها كرة الثلج التي اخترعتها لوهلة، من سيذهب وكيف سيذهب الى المكتبة وماذا تعني كلمة “مكتبة وطنية” ، صارت بديهيات بعدما تبين لي ان مفهوم المكتبات الوطنية تم تحليله وتنقيحه من علماء الفيسبوك، بالنهاية المكتبة الوطنية ستخدم كمتحف للكتب!! نحن نحتاج الى العشرات ان لم يكن المئات من المكتبات، ولا نحتاج لمكتبة سيحولها القائم عليها الى متحف، اتخيل العراك الدائر على من سيحمل عرش قصر التشريفات ويثبت كرسيه الابدي فيه، كيف سيكون التنافس من ارباب الثقافة في هذا الوطن الذي يفتقر الى الثقافة كمفهوم، وددت لو قرأت تحليلات وتفسيرات عن معنى الثقافة، فما نشهده على الساحة الثقافية الفلسطينية لا يختلف عن مشاهداتنا في مجال التشريع والعدل والتعليم والدبلوماسية والمواصلات وغيرها، حكومة وسلطة واصحاب ارباب حولوا الوزارات وما يمكن ان ينتج عنها الى دكاكين خاصة.

نحتاج الى شعب تتحول القراءة عنده الى ثقافة، لا الى معلم يقف على رأسه وزير او نقيب او محسوب على رئيس او رئيس وزراء او عضو مركزية ليحل ازمات ارباب الثقافة المتصارعين بالخفاء والعلن.

اغلاق محل العصائر الذي بلا شك ادى الى حالات تسمم بلا ادراك او انتباه عن المصدر من قبل من شربوا عصائره المخلوطة بالعفن والفئران والاوساخ والقذورات عمل مهم، كيف وصلنا الى هنا ؟ تدحرجت كرة رأسي وشكلت اعصارا اقوى من ذلك الذي ضرب تكساس بالتزامن، كيف تصبح الامور البديهية انجازات في هذا الوطن، اليس من الطبيعي ان يغلق ويحاسب وقبل كل هذا ان يكون هناك زيارات وتعليمات وقيود ومراقبات دورية لكل المحلات والمطاعم في هذا الصدد؟

ان الصور المتناقلة عن مخازن هذا المحل تقشعر لها الابدان، تراكمات القذورات وحجم الجرادين يبدو وكأنه منذ دهر، كان علي ان اسأل نفسي، منذ متى وهذا المحل موجود؟ وخفت من البحث عن الجواب.

هل نهب فجأة لنتحول الى لجان مكافحة النظافة ومعايير الجودة في المطاعم؟ اين كانت واين تكون دائما كل هذه الدوائر؟ اين وزارة الصحة، واين دوائر الجودة، واين مكاتب التراخيص ؟ كيف يتم الترخيص وكيف تكون المتابعة ؟ ما رأينا لم تكن هناك متابعة قبل تلك اللحظة.

نسمع باستمرار عن هيئة الجودة والجمارك والضبط او لا اعرف ما هو الاسم لهذه الهيئات تضبط لحوما فاسدة و غيرها، ولكن اليس من الاجدر ان تكون كل تلك الحوادث ناقوسا لخطورة الامان العام في استهتار هؤلاء بصحة وحياة الاخرين ؟ بالنهاية كلنا مستهلكون وضحايا لاولئك في العالم الطبيعي، وذاك الذي يكون فيه دوائر مختصة وميزانيات ووزارات كسلطتنا العتيدة كذلك، يأمن المستهلك نفسه عندما يجلس في قهوة او مطعم او يشتري خضارا او لحوما او طعام، لأنه من البديهي ان تكون كل السلع مراقبة ومختبرة مسبقا وموافق عليها من قبل مسؤولي الجودة.

كيف لنا ان نأمن حياتنا في مطاعم رام الله وغيرها بعد هذه الجريمة ؟ شاءت الصدفة ان يصل حجم الرائحة النتنة في مخازن ذلك المحل لان يشتكي احدهم او يمر عبر بابه موظف رسمي، ولكن كيف نعرف ما يجري في باقي المحلات، اي نوع من الحشرات والزواحف والقوارض والقذورات تختلط في طعامنا ؟ في رام الله تحديدا، تتكاثر المطاعم والكافيهات اكثر من تكاثر البشر. كيف تفتح المحلات هذه وكيف تعطى التصاريح وكيف تتم المراقبة ؟

ونأتي الى الانجاز الاخير في الكشف عن الفاعلين في جريمة قتل الرجل في خلال 24 ساعة، هكذا هو الامن والشرطة وعملهم، كل الاحترام، ولكن هذه المرة كانت نيفين عواودة ترسل طلقات في رأسي، فجر دويها أرجائي، ولم يكن امامي الا ان اسأل: ما الذي جرى في تحقيقات مقتل نيفين ؟ ما الذي جرى مع المجرمين في تلك الجريمة التي لم تستدع الكثير من الجهود في التحقيقات لأن الضحية كانت تصرخ وتستنجد منذ سنوات مشيرة الى قتلتها، لم يأبه لاستنجادها احد، ولم تنصرها الحكومة ولا الشعب حتى، واصبحنا كلنا مجرمين متواطئين في مقتلها بسكوتنا عن جريمة اصحابها يجوبون الشوارع احرار.

لماذا لم نرَ حملة شعبية لمقتل نيفين عواودة ؟ كم من نيفين تقتل ويطلق قتلتها ليجوبوا المجتمع بحرية وثقة واستهتار ؟

وفي النهاية لا يسعني الا ان التوقف عند الاحباطات في ظل هذه الانجازات العظيمة، حادث طرق اودى بحياة البعض والعديد من الاصابات الدامية، “الله يرحمهم والله يلطف فيهم”، الى متى الاستهتار بحياة الناس على الطرقات ؟ ما الذي جرى منذ اخر حادث استدعى انتباهنا بعد ان اودى استهتار سائق ارعن بحياة امرأة وابنائها؟ ما هي العقوبات وما هي وسائل الامان واين الحلول ؟ اين وزارة المواصلات ؟ كيف يمنح اولئك رخص سياقة عمومية ؟ الموضوع اكبر من كاميرات ومخالفات، هناك مشكلة حقيقية في السائقين العموميين غير المؤهلين، الا يستدعي هذا من وزارة المواصلات والتعليم بأن تتدخل لضبط الشروط وتأهيل السائقين قبل منحهم تراخيص لقتل البشر ؟.

وفي النهاية خبر منقول عن الصحافة الاسرائيلية، اتمنى كالعادة ان يكون كاذباً، الرئيس الفلسطيني يوقف كافة الاجراءات ضد اسرائيل في مجلس الامن ومؤسسات الامم المتحدة! طبعا استجابة لمندوب السلام الامريكي الجديد كوشنير، وعلينا طبعا ان ننسى من هو كوشنير واين هي مصلحته وعقيدته، السلام هو الاهم، والشاب يريد فرصة، فنحن سلطة اعطاء الشباب الفرص، فهل هناك اكثر من تحويل قصر تشريفات الى مكتبة وطنية، ليحرك الشباب فيها عقولهم ويتحفوا هذه السلطة بمواهب تتعدى انجازات اراب ايدل؟.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading