تخطى إلى المحتوى

لا نار ولا غضب

 

 

 

في عملية تفريغ ، احتاجها عقلي بلا أدنى شك، ابتعدت عن وسائل الاعلام خلال الايام الاربعة الاخيرة. كنت قد توقفت عند اخبار، انتهت الى موافقة الكنيست الاسرائيلي وكذلك قرار حزب الليكود على ثلاثة قرارات، قد تكون الاهم في تاريخ الدولة الصهيونية ، او بالاحرى قد تكون قرارت تاريخية ، ستشكل امتلاء لحلقات الاحتلال التي لا تزال فارغة في سلسلة خطة الاستعمار المستمرة.

ضم مستعمرات الضفة الغربية ، والتأكيد على وحدة القدس الجغرافية كعاصمة لاسرائيل ، والموافقة على قرارات الاعدام بالنسبة للاسرى .

للوهلة الاولى يبدو الامر وكأن نتانياهو وحكومته في عملية تسابق مع الزمن. وبالوهلة الثانية انتبهت الى حقيقة ان اسرائيل في تسابق مع الزمن منذ نشأتها. فليس غريبا عن كيان شق طريق وجوده على حساب وجود شعب اخر. ولكن يبقى الغريب هو الشعب الاخر الذي يعيش في سبات، لا تؤرقه او يؤثر به حراك الزمن.

عدت الى الاعلام لأرى ان هناك كتابا “يحرق” الدنيا بعنوان النار والغضب ، لامريكي حلل ما يقوم به ترامب. ولم انظر اكثر ، ولم اكترث ، وانا الفضولية الباحثة عن كتاب في اي فرصة. استوقفني السباق والفضول في معرفة تحليل ما يخطط له ترامب وكأن معضلة تم حلها. الجمهور المتعطش لأي خبر سحري لحل غموض مصائبه . وهناك في المقابل ، واقع منسجم للغاية مع الحقيقة . لا يحتاج الى تحليل او تفكير او تمحيص . لا توجد الحلول في كتاب ولن يأتي محلل بجديد. فلقد تحللت هذه القضية وقضايا الشرق من كثر التحليل وتعفنت.

بينما تمضي اسرائيل في خطتها ، وتقتنص الفرص ، وتسابق الزمن من اجل شرعنة احتلال بكافة وكل الطرق، تجد اليوم فرصة ذهبية اخرى بترامب ، كرجل جريء ، اهوج، صهيوني التبعية ، تكمل في مخططاتها وتنفذها وتفندها .

ونحن بين شعب وحكومة ، نتسابق في التحليل والفهلوة الفارغة والاستعراض. نستنكر ، ونشجب، ونلوم الشعوب على خيانتنا وتركنا بالخلف، حتى صرنا خلف التاريخ.

كيف وصلنا الى ان تصبح هذه القضية التي هزت العالم بحجر طفل فلسطيني، لأن تكون اليوم صفقة المنتفعين من دول مجاورة وشقيقة ؟

ابتلعت اسرائيل الارض ولا نزال نخرج بتهافتات لا يسمعها احد ولا يريد ان يلتفت اليها احد .

يدخل العام الجديد وتقفل الستارة عن مرحلة بالرغم من مأساويتها كانت افضل مما سيأتي .

مشروع نتانياهو منذ اختراع اوسلو كان واضحا ولم يتوقف عنه حتى عندما لم يكن في رئاسة الوزراء. وهذا ليس بالغريب، لان مشروع نتانياهو هو نفسه مشروع الدولة الصهيونية ، قد يتغير الشخوص ولكن لا يتغير المشروع . قد تختلف اللغة من صهيوني متشدد الى صهيوني متطرف الى اخر اقل عدوانية بالكلام. ولكن الهدف لم يتغير ولم يتزحزح ، وفي كل مرة تأتي الفرص وينقضوا عليها بلا هوادة . ونحن كما كل مرة ننظر وننتظر ونسب ونلعن ونرفع ايدينا للسماء .

ولكن هذه المرة الدعوات لم تعد مجدية ، فاذا ما وجهنا الدعاء من قبلة السعودية ، فكيف لله ان يسمع لدعاء ظالم وقاتل وجاهل. واذا ما وجهنا الدعاء من قبلة الاقصى ، ما هي الدعوات التي نريد تحقيقها ؟

هل نريد سلطة ؟

هل نريد البقاء تحت الاحتلال؟

وفي الحالتين لم يعد الامر اقل سوء من الاخر ، فلو تم الاعلان غدا عن انهاء الاحتلال ، فستكون الدولة” المزعومة” كفلسطين لا تشكل اكثر من المقاطعة كعاصمة، ورام الله لن تكون اقل استباحة من باقي المدن والقرى على مرمى الاحتلال . ستكون دولة بحدود قليلة ومتقطعة وسيسودها الفساد اكثر وستبقى مهمتها الاساسية حفظ امن المستعمرات.

واذا ما انتهت السلطة غدا ، ستستبدل اسرائيل الوجوه الحالية من ابطال التنسيق في احسن الاحوال لوجوه اخرى لا تختلف عن الحاليين ، الا ان ذلك “المنسق” الذي يجول شبكات التواصل هو الذي سيشكل القائد الاعلى للجميع. فمستوى قيادتنا بالنسبة لاسرائيل لا تتعدى موظف صغير في جيش “الدفاع” .

بالنهاية، لم تتوقف النكبة منذ حدوثها ، ومع هذا استطعنا وبغباء غير مسبوق للشعوب المسحوقة ان نحولها الى يوم تضامني ، يحاول الاحتلال في “اسوأ” احواله منع حدوثه. ولم تتوقف خطوات اسرائيل نحو الاحتلال الكامل بأقل التكاليف على حكومتها، واكثر التضحيات بالشعب الفلسطيني سواء بالتهجير او القتل، فلم تتوقف التصفية العرقية لهذا الشعب ولا تزال مستمرة على قدم وساق.

ما نحتاجه الآن كما احتجناه في السابق ، انسان فلسطيني بقدر كافي من الوعي لإدراك خطر التصفية العرقية من قبل العدو القابع تحت اسم الاحتلال، والاستباحة من قبل العدو الذي يبيعه وهم التحرر والاستقلال.

فقط بالوعي نستطيع ان نبدأ عملية تغيير جذري نحتاجها لهذا الشعب .

حتى ذلك الحين، فسنسمع عن كتب سحرية تحلل المخططات وتسرد الفضائح التي نشهدها يوميا بقالب يشد انتباهنا . ولن يصيبنا الا عنوان لنار خمدت بأيدينا واحرقتنا ، وغضب ندشنه سنويا في مسيرة وخطابات.

1 أفكار بشأن “لا نار ولا غضب”

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading