قراءة في الانتخابات الإسرائيليه المرتقبة
منذ إقالة نتانياهو الأسبوع الماضي لعدد من وزراء حكومته وموافقة الكنيست على الذهاب الى انتخابات مبكرة ، بدأ الإعلام الإسرائيلي بيمينه ويساره بغزو تحليلي على كل السيناريوهات القادمة . حتى الإعلام الفلسطيني المنشغل بحكومة وفاق مؤقتة غير متوافقه ، ولا تزال الحكومة الفلسطينية المؤقتة تراوح مكانها بانتظار انتخابات تبدو غير حاضرة . فمنذ ٢٠٠٦ ، تم تشكيل ٨ حكومات فلسطينيه ما بين رام الله وغزه . واسرائيل تستعد اليوم للخوض في الانتخابات للمره الرابعة منذ ذلك التاريخ.
حل نتانياهو لحكومته تأتي في وقت يشتد الخناق السياسي على نتانياهو ، الذي يتصف بكونه رجل اللا مواقف . ولقد وصلت اسرائيل الآن الى منطقة انتهت فيها مرحلة المناورات والمراوحات . فنتانياهو اليميني المتعصب ، الذي دلا بكل دلوه هذه المرة نحو اليمين الكثر تعصبا وتطرفا ، وجد نفسه في فاه الأحزاب المتطرفة التي قد تسحقه هو كذلك اذا لم يزدد تطرفا. اللعب بالشأن الفلسطيني هو الطعم الذي يتسابق عليه الجميع عادة . لم يكترث ولم يتردد نتانياهو هذه المرة بشأن شنه حربا على الفلسطينيين من كل الاتجاهات ، إلا انه لم يستطع التحكم بالمخرجات . فالخسائر البشرية الاإسرائىلية ززدادت ، المراطن الاسرائيلي اليوم بات يعيش بمعزل وتهديد كذلك . شعار الأمن الذي يجلبه نتانياهو سقط تماما من حسابات المواطن العادي.
في خضم معارك الانتخابات الإسرائيليه عاده ما يكون الشأن الفلسطيني هو البطاقة التي يعبر فيها المرشح لكسب ثقة الموضوع الأمني لدى الناخب الإسرائيلي والذي يشكل عنصرا اساسيا في فهم العقل الإسرائيلي . وهذا ما يجعل نتانياهو يسقط عن عرشه متهاويا في هذه الانتخابات ، التي بدأت أصلا تحت شعار : ” أى شخص الا بيبي ” .
وكالعاده ومع إعلان الذهاب الى الانتخابات يفتح الباب على مصراعيه في الإعلام الإسرائيلي في التسابق على فرز الأسماء والشخصيات المرتقبه . الانتخابات الأخيرة شهدت ما كان أشبه بالتغيير في نهج الناخب الإسرائيلي الذي مال ولأول مرة ومنذ زمن ، الى الشخصية التي وعدت بالتغيير والإصلاح الاجتماعي عندما حصد الصحفي ومقدم البرامج الشهير يئير ليبيد مقاعد بالكنيست جعلته حصان ترواده في تلك الحكومة ، التي لم يتمكن اي رئيس حكومة بعمل تحالف بدونه . الا ان الناخب الاسرائيلي اليوم على يقين بأن الكاريزما المصاحبه لبيليد انتهت ، وامكانياته السياسيه بان محدوديتها ، وخصوصا بأن حقيبة المالية التي شغلها لم تتقدم بوجوده بل تراجعت وتدهورت.
تسيبي ليفني ، والتي صعدت على أعلى درجات السلم السياسي بانضمامها لحزب كاديما الذي اسسه شارون ، واعطاها فرصة البروز بعد انهيار شارون الصحي ، تعرف جيدا ، بأنها تحتاج ان تكون ضمن تحالفات قوية لكي تبقى في الحكومة . ولذا هرعت للتحالف مع شخصية تلمع هي وراءها مع زعيم المعارضة الحالي إسحاق هرتسوغ من حزب العمل ليحاولوا تشكيل حزب يساري وسطي . إلا انها رضيت بان تكون رقم اثنين في هذا التحالف ان تم. لكي يستطيع اي حزب حصد مقاعد اكثر من الليكود، يحتاج الي التاكد من حصد ما يزيد عن ٢٢ مقعد ، او على الاقل ٢٤ . لان الليكود من المرجح ان تصل الي ٢٢ مقعد على الرغم من ان استطلاع للرأي لليكود يتوقع ١٨ مقعد..
الا انه ومن بداية الحديث عن هكذا تحالف بين ليفني وهرتسوغ ، فالاختلاف والرؤى السياسيه مختلفه . وتصريحات هرتسوغ الاخيره تدل على عدم فهمه ومعرفته الجيده بما يدور في أحزاب دولته . فعندما يعلن انه سيشكل تحالفا من ” ليبرمان حتى ميريتس ” ، فانه اكد للمراقب بأنه بعيدا كثيرا عن فقه الاحزاب الاسرائيليه ، او انه مجرد يتمتم بكلام فارغ. فحزب اسرائيل بيتنا بقيادة ليبرمان اليميني المتشدد وحزب ميرتس قطبين من الاستحالة تجاذبهما .
ليفني من جهتها ، نجحت بتسويق نفسها على انها محبة للسلام وتسعى لتحقيقه ، الا ان الناخب انتبه الى ان تحالفاتها مع نتانياهو على سبيل المثال في الحكومات المتعاقبة ادى الى الحروب التي خاضتها اسرائيل تباعا . فأن تذهب اليوم ليفني الى بناء تحالف نقيض لنتانياهو يقلل من مصداقيتها .
صمت ليبرمان يبدو غريبا ، وبينيت المتطرف من حزب البيت اليهودي سيذهب في تحالفعلى الارجح مع نتانياهو ليعطيه حقيبة وزارية اكثر تأثيرا ، فعينه كما يروج على وزارة الدفاع .
ما تناولته الانباء ان وزير الداخلية السابق جدعون ساعر قرر عودته للساحه السياسيه ، وانه يعزم على ترشيح نفسه لقيادة حزب الليكود. اذا ما كان هذا، فان نتانياهو سيصبح في وضع اكثر حرجا على التفرد بقيادة الليكود .
وكعادة اسرائيل بكل انتخابات ، ان يخرج نجم جديد في الساحة السياسيه . وهذه المرة يبدو ان موشيه كحلون هو النجم الذي من المتوقع ان يسطع في هذه المعركه الانتخابيه . موشيه كحلون شغل منصب وزير الاتصالات في حكومة نتانياهو السابقة وترك الحياه السياسيه . الا انه يعتبر من المجزين . فاسمه مرتبط بالاعلا م الاسرائيلي بالرجل الذي تحدى الاغنياء المنفردين بالاقتصاد وكسر هيمنة شبكات الاتصال الثلاثة التي كانت مسيطره بالسوق الاسرائيلي حين فتح المجال للشركات الاخرى . ونجح.
في وقت يبحث فيه المواطن الاسرائيلي عن شخصية تخلصه من احباطات الوضع الحالي ، يبدو كحلون وكأنه ورقه رابحة بهذه الانتخابات . الا انه لم يعقد العزم على الحزب الذي سيشكله او يتحالف معه بعد وان كان باتجاه اليمين او اليسار . كل ما يهم المواطن الاسرائيلي ان بسبب هذا الرجل انخفضت تكاليف فواتير الهاتف الشهرية والى الابد بسببه. من المعروف ان كحلون بدأ حياته السياسيه بالعمل مع عوزي لنداو الليكودي المتشدد ، والذي ينتمي اليوم الى حزب اسرائيل بيتنا. بكل الاحوال ما سيعرضه كحلون اما مالناخب هو شعار مناهض للسيطرة من قبل اغنياء السوق ،مما يجعله قريبا من الطبقه العامله.
مواقف كحلون بالشآن الفلسطيني غير معروفه ، ولم تكن ضمن اهتماماته ، الا انه في تسجيل له بكلمه اما شباب من حزب الليكود قبل سنوات قال عندما سئل ما الذي سيفعله اذا ما أعلنت السلطة الفلسطينية دولتها من جانب واحد ، قال وبدون تردد : “يجب علينا ان نضم كل المناطق بنفس اليوم.” ويعتبر كحلون ان الاستيطان يجري في ضمن المعقول .
وتبقى الاحزاب العربيه في هذه الانتخابات التي أعلنت بحثها في نية التقدم للانتخابات بائتلاف واحد . مما سيزيد من نسبة المقاعد العربية التي قد تصل الى ١٤ مقعدا ،بدل ١١ مقعد الحالي. بكل الاحوال على الاحزاب العربيه ان تشكل تحالفا بهذه الانتخابات بسبب القانون الجديد الذي من المرجح تمريره بشأن الانتخابات والذي يقضي برفع نسبة الحسم في الانتخابات من ٢٪ الى٣.٢٥٪ مما يعني بأن الزحأاب الصغيره لن تستطيع دخول الكنيست بحصولها على مقعد او اثنين ، بل سيحتاج الحزب للحصول على اربعة مقاعد على الاقل. وهو قانون من شأنه بالاخص تقويد الأحزاب العربية واختفاؤها من الكنيست . في هذه المعادله يبقى حزب الجبهة الديمقراطية –حداش ، خارج المعادله لانه حزب اسرائيلي عربي.
من الجدير بالذكر ان الإنتخابات الاسرائيليه تجريكل أربع سنوات بطريقة الانتخابات النسبيه القطريه ، أي ان القوائم المنتخبة تمثل في الكنيست على حسب نسبة المصوتين لصالح كل قائمة بشرط ان تتجاوز نسبة الحسم، ويبلغ عدد المقاعد ١٢٠ .
حتي هذه اللحظات ، وبينما تتوافد التحليلات والتقارير ليوم الإنتخابات المرتقب ب١٨ آذار القادم .يبقى الناخب بعيدا عن المشهد الحالي ، لما تتزاحم عليه الامور من خلافات سياسية وحزبية ، وتحالفات بين رفاق جدد وانهيارات لتحالفات سابقه . يقوم الإعلام من جهته بتحضير نجم المرحله القادمه ، وبغض النظر اذا ما اصبح رئيسا للحكومه او لا … ما يهم هو إعطاء المواطن الإسرائيلي الاحساس بأن هناك تغيير قادم بدم جديد ويافع بعيدا عن هوس عائلة نتنياهو الذي كان مسرحا للدراما والسخرية والتراجيديا في السنوات السابقة.
2 comments