على ما يبدو بأن هوسي بالغزالي ليس مصادفة ولا من قبيل النظرة النسوية التي حملته الكثير مما آلت اليه امور الدنيا .عندما قررت وضع جل اهتمامي بالغزالي ونقد صنيعه بحال وضع المرأة المزري . أوقفني استاذي قائلا : على هونك. قد يكون في كلامك بعض الصحة . ولكنه من الظلم ان تحملي ما الت اليه المرأة من ظروف بجل هاويتها الى رجل واحد.
وأستاذي كغيره من عالم الرجال ، كان هويسا بالغزالي المفكر الصوفي النزعة .
وكانت نصيحته في مكانها ، وبدأت أقرأ الغزالي بطريقة أقل حدية. آلا ان رحلتي مع الغزالي لم تبدأ هناك . فلقد كنت في السابق احد محبي الغزالي والمنتسبين الى مدرسته . فإحياء علوم الدين كان دليلي في ما تاه عني من أمور الدنيا . واكتشافي المدوى بما خلفه وراءه من إرث توارثه المسلمون في شأن المرأة لا يغتفر .
إلا ان أزمتي مع الغزالي اكبر من موضوع المرأه ، مع يقيني بنفس الوقت ، ان السبيل لمعرفة فكر الرجل يأتي من نظرته الى المرأه . والسبيل الى الارتقاء بالشعوب وانهيارها يأتي من طريقة التعامل مع المرأة.
ما استفزني وجعلني احمل اللواء في حربي ضد الغزالي كان فكر الغزالي الذي اختزل الاسلام عقيدة وشرعا وفكرا واحكاما في ما قاله الغزالي. فلقد نصب الغزالي نفسه “المنقذ من الضلال” من خلال احياء علوم الدين . ولا زلت لا اقلل من اعجابي بقدرته على التأثير على العقل الاسلامي الذي سلم له وعمل من خلاله مدارس لا تزال تدرس. آمن الغزالي بانه الرجل الذي نصبه الاسلام لاحياء علوم الدين لذلك الدهر ، ولم يكن ليتخيل ، بأن وجوده بقى الى ما يقرب الالف سنه وليس القرن .
قدرة الغزالي على التأثير كانت ولا تزال كبيره ، ولا يستطيع الانسان ان يقلل من اهميتها . الا انه اعتمد في هذا على سلطوية الخطاب بكلام العامة . فهو الامين على ما جاء بكتاب الله وسنته والاقدر على فهمه وتحليله وتوصيله الى العوام . إداراك الغزالي لمفهوم العوام هو ما جعله يبسط سطوة فكره على الناس. وليحكم قبضته كان لا بد له ان يحارب كل من يدعو الى احتكام العقل .
تربع الغزالي في اذهان “المعتدلون” واصبح الامام الاكبر ، فهو حجة الاسلام كذلك ، واصبح المس باسمه اشد او على غرار المس بالرسول والذات الالهية. مع العلم ان لقب حجة الاسلام اطلقه عليه الوزير السلجوقي نظام الملك ، وان الغزالي عرف عنه بالاقتداء الى الاحاديث الضعيفة والغير المسندة .. الا انه مع ذلك بقي الاقتراب منه كالاقتراب من المساس بمقومات الدين الاسلامي والعقيدة التي تتمثل شكلا من كتاب الله وسنة نبيه ، انما فحواها فيرجع الى ما افتاه لنا الغزالي وما اقره منذ ما يقرب من الالف عام.
يقول نصر ابو زيد في كتابه ” نقد الخطاب الديني ” ،الذي تم الحكم عليه بسبب هذا الكتاب بالردة ، وحكمت المحكمه القضائية بتفريقه عن زوجته في هذا الشأن: ” … ثم جاء الغزالي ووجه الضربة القاضية للعقل .وليس من الغريب ان يكون العصر الذي شهد خطاب الغزالي وانصت اليه هو عصر الانهيار السياسي والتفكك الاجتماعي وسيطرة “العسكرة” على شؤون الدولة،وهو العصر الذي انتهى بسقوط بغداد والقضاء على الشكل الرمزي الأخير للدولة الإسلامية. ”
فالغزالي نجح اولا بإقصاء المجتمع عن الفلسفة التي كانت تشكل عصر الازدهار في الدولة الاسلامية . فلقد ترعرع الغزالي في جو غلب فيه الازدهار الفكري الفلسفي كل المجالات ، فالفارابي والكندي وابن سينا ، وغيرهم شكلوا محركا مهما في الازدهار الفكري الذي استحضر الفلسفة اليونانيه وجرى في بضع قرون حراك عقلانيي فلسفي كان سببا فيما بعد ، مهم في اخراج اوروبا من عصر ظلماته بحمل ما اعاد المسلمون انتاجه من الفكر اليوناني وتعريبه واسلمته وترجمته للعالم الاوسع . فالفلسفة كانت مفتاح الانفتاح في تغليب العقل على الجهل الذي بدأ من خلاله الاسلام رسالته .
الا ان ابن سينا والفارابي والكندي وغيرهم فتحوا الباب على مصراعيه لحرية التفكر والوصول الى الله بالبحث لا بالاسقاط.
وكانت اول حروب الغزالي التي انتصر فيها بشنه حربه على الفلاسفة واعلانهم كزنادقة في احسن الاحوال وحكم عليهم بالكفر وبالردة في معظم الوقت .
لم تنته سطوة الغزالي هناك .في وقته وعهده … ولا يزال الاسلام يصدر محدثين يدافعون عن تغليب العقل الذي لا ينفي الاسلام واحقيته حتى ابن رشد الذي هاجمه المسلمون حتى هذا اليوم بسبب رده على الغزالي في تهافت التهافت .
فكما اليوم شكل الغزالي ما بدى معتدلا في ظل بروز ابن تيمية بعد تبنيه للمدرسة الحنبلية-(السلفية) التي حاربت الغزالي بسبب ميل مدرسته (الاشعرية) لبعض الاحتكام الى العقل . فالمدرسة الاشعرية تعطي العقل بعض القدرات ولكنها لا تطلقها .
بينما المدرسة الحنبلية والظاهرية “المحافظة” تعمل بكل ما ظهر من القرآن فقط والسلف الصالح كيفما جاء ووفق ما جاء ولا يحتمل التفسير او التأويل . ومنها انبثقت المدرسة الوهابية السلفية والقاعدة فيما بعد واليوم داعش التي تتربع على كل التيارات بين محافظ ومعتدل.
ما انتجته التيارات الاسلامية المعتدلة والمحافظة هو هيمنة داعش، التي يرى من خلالها متبعوها ردا على اضطهاد الحكومات للشعوب ويبرروا ما تفعله تحت اسم العودة الى الدولة الاسلامية .
يقول نصر ابو زيد ” وهكذا ينتهي الخطاب السلفي الى التعارض مع الاسلام حين يتعارض مع اهم اساسياته “العقل” ويتصدر انه بذلك يؤسس “النقل” و. والواقع انه ينفيه بنفي اساسه المعرفي . إن العودة الى الاسلام لا تتم الا بإعادة تأسيس العقل في الفكر والثقافة، وذلك على خلاف ما يدعو إليه الخطاب الديني المعاصر من تحكيم النصوص ،مرددا أصداء نداء أسلافه الامويين الذي ادى الى نتائجه المنطقية في الواقع الاسلامي .”
وها نحن اليوم وبعد الف سنة شهد الاسلام فيها بضع قرون من التربع على عرش المعرفة والحكمة والتقدم نشهد قعر الانحدار في ما كان يوما حضارة اسلامية.
نصغي لأولئك المنتظرون لدولة الخلافة الاسلامية حتى ولو كانت داعش من ترفع لواء الاسلام .
ندعو الى التخلف في غرس وجوهنا في التراب مدعين ان الدعوة الى الله قد تأتي بقطع الرؤوس وفرض الصلاة واقامة الحدود والسبي.
تركنا الله وتمسكنا بكتاب لا نقرأه ، واكتفينا باولئك الذين يملون علينا ما نقرأ وما نفقه
نسينا تعاليم هذا الدين العظيم وهرولنا مسرعين وراء فتوى تتيح نكاح من نوع او اخر.
نتسابق في الحصول على الشهادات والرتب العلمية ونصر ان نحيا بجهل تام في ايماننا.
حتى كدنا اكثر تيها في تيهنا
واكثر ضياعا في فهم شؤوننا
ونسينا ان عبادة الله تسعى الى الرقي في معرفة الله
وتمسكنا بعادات وشعارات ومناسك اكتفينا من خلالها بالوثوق اننا مؤهلون لجنة لم يعد الله هو عنوانها
One comment