حكومة نتانياهو الجديدة : ضربة للسلطة الفلسطينية ام لشعب اسرائيل العلماني؟

حكومة نتانياهو الجديدة : ضربة للسلطة الفلسطينية ام لشعب إسرائيل العلماني؟

تمكن نتانياهو اخيرا من إعلان الانتهاء من تشكيل حكومته الجديدة ، والتي تم استخدام كل المدة المتاحة بالقانون الاسرائيلي لتشكيلها مع كل التمديدات المسموح بها . وكانت عملية تشكيل الحكومة كالمخاض المستعصي . وبانتظار المولود على مدار الاسابيع الماضية ، تراودت الشكوك الكثيرة

في امكانية خروج حكومة يستطيع نتانياهو تشكيلها ضمن الحد الادنى من الممكن . من السهل فهم رفض الاحزاب التي لم تكن لتقبل بالدخول في الحكومة. فلا نتانياهو يريدها ولا هي تريده. فالحزب الصهيوني بقيادة ليفني وهرتسوغ كان الند الاساسي لنتانياهو في الانتخابات . وحزب هناك مستقبل بقيادة لبيد كذلك كان من المعارضة المحالفة لحزب ليفني-هيرتسوع اساسا.والائتلاف العربي وهو القوة الثالثة في عدد الاعضاء في هذه الانتخابات غير مطروح اصلا من كلا الطرفين . فكان المرشح الاكبر لحصد اكبر عدد ممكن من الوزارات هو حزب كلنا بقيادة كحلون . الذي انشق عن الليكود وشكل حزبه في هذه الانتخابات . وكحلون بمقاعده التي تجاوزت العشرة ، كان اهم محاور امكانية تشكيل او عدم تشكيل هذه الحكومة ، والذي كثف نتانياهو من اغراءاته وعروضاته عليه ، فكان الرابح الاكبر في كل الاحوال . وفي المقابل كان نتانياهو بحاجة لمعظم الاحزاب المتطرفة الدينية المتبقية . وكان قد ترك ليبرمان للنهاية ، في تكتيك كان من الجلي فيه الكثير من دفع الحساب بين الرجلين . فبعد ان ضمن نتانياهو كل من حزبي كلنا والبيت اليهودي في اللحظة الاخيرة ، ضمن الحد الادني من التشكيل الذي كان سيجعله يقدم وزارات وامتيازات سهلة للاحزاب الدينية التي عادة ما تكون سقف طلباتها مقدور عليه . ليس كليبرمان الذي شكل دائما صخرة تهدد اكثر مما تقدمه من مصالح . وخصوصا بعد فضائح فساده المتكررة .

ولكن في مقابل عدم الرضوخ لابتزازات ليبرمان والذي اصر على حقيبة الخارجية كأدنى مطالبه ، تنازل نتانياهو عن اكثر الحقائب حيوية مع احتفاظه باغلبية حكومية لحزبه الذي كان الاكثر قوة في نتائج الانتخابات ب ٣٠ مقعدا. فالاتفاق الاخير مع البيت اليهودي المتطرف في اللحظة الاخيرة بعد اعلان ليبرمان الانسحاب من الحكومة المقترحة ، ادى لرضوخ نتانياهو للبيت اليهودي بتعيين اييليت شاكيد المتطرفة كوزيرة عدل. شكيد اشتهرت بتصريحاتها العنصرية واتلي حثت على ذبح الفلسطينيين ابان الاعتداء الاخير على غزة. وبالرغم من صغر سنها وجمالها ، الا انها شخصية متطرفة لا تلقى بشعبية لدى الشارع الاسرائيلي . الامر الذي اثار الكثير من التحفظات منذ لحظة االاعلان عن توليها المنصب. وليس اقل اثارة للسخرية ان يتولى بينيت وزارة التعليم .وكذلك اخذ الحزب وزارة الزراعة ، بالاضافة الى اعطاء البيت اليهودي ملف الاستيطان ودستور الكنيست وسيعين احد اعضاء الحزب كنائب لوزير الدفاع . في المفاوضات السابقة كان بينيت مصر على ان يتولى اما حقيبة الخارجية او الدفاع . ومن الملفات المهمة والقريبة الى قلب بينيت المتطرف هو خطة براور والتي بشأن البدو في النقب والتي تم تجميدها بسبب التظاهرات المنددة المستمرة . فكانت قطعة الحلوى لبينيت من قبل نتانياهو هو التزام نتانياهو يتطبيق مخطط براور.

من الجدير ذكره ان البيت اليهودي حصد على ٨ مقاعد بالكنيست الحالي. شاس والتي حصلت على ٧ مقاعد وائتلاف التوراة اليهودي الحائز على ٦ مقاعد ،حصل على اكثر من توقعاته لاتمام ال ٦١ مقعد لتشكيل الحكومة . ليبقي نتانياهو حقيبة الخارجية شاغرة يمليها هو لحين البت فيها .

ما حدث داخل الليكود من ردود فعل كان ايضا خارج حسابات نتانياهو . فندد الكثيرون من اعضاء الحزب المخضرمون الذين كانوا بانتظار طابور التوزير الجديد . أيوب فرا، كان احد المعترضين الذي خرج ليعلن انه لن يأتي لتنصيب الحكومة اذا لم يتم تعيينه وزيرا وانه سيفجر مفاجأة. ولقد كانت شهيته مفتوحة طوال الاسابيع الماضية بين ترددات كثيرة لاعطائه حقيبة وزارية، مما أثار حفيظة العرب والدروز بالداخل. ايوب الفرا من الدروز القلائل المنتمون لحزب الليكود منذ التسعينات والذي شغل مقعدا بالكنيست بأربع دورات. ولقد خدم وجوده الليكود كثيرا في كسب الاصوات الدرزية والعربية احيانا . ناهيك عن التواجد الدرزي المكثف في خدمة الجيش الاسرائيلي.

كان اعلان تشكيل الحكومة هو الانتصار الوحيد الذي حققه نتانياهو . اما الحكومة نفسها فتبدو كالمولود المشوه ، والذي ان قدر له العيش فسيكون وحشا كاسرا . ووجوده سيبقى مريب وخطر . توالت ردود الافعال فكان تصريح هرتسوغ : ” لا مسؤولية، لا حكم ولا استقرار … هذه حكومة فشل وطني.. مرة اخرى سقط القناع عن القيادة من قبل رئيس الوزراء ،ليكشف غروره ورضاه الذاتي في مهزلة تشكيل اضعف والحكومة الاكثر انتزاعا واالاضيق في تاريخ اسرائيل” . وشاركه بيليد بتصريحات مماثلة مضيفا باستهزاء : ” لقد تم الاعلان عن حكومة التصفيات هذه الليلة. حكومة مكونة من احزاب قطاعات تقوم على ابتزاز الاموال العامةورئيس وزراء مستعد بيع دولته من اجل مقعده.” فلقد كانت التمنيات من “آلعقلاء” ربما في اسرائيل ، وعلى رأسهم الرئيس ريفلن بذهاب نتانياهو لتشكيل حكومة وفاق يتشارك فيها الحزبين الكبيرين . الامر الذي كان لا بد ،سيظهر اسرائيل بصورة افضل.

فتشكيل حكومة من هذا النوع لم يضع نتانياهو نفسه فقط في الرضوخ للتيار الاكثر تطرفا وتشددا في اسرائيل . بل وضع صورة اسرائيل التي لا تحتاج للمزيد من التشويه بعد اتهاماتها بالعنصرية والاجرام ابان اعتداء غزة الاخير وما تعاقبه من استبداد ضد الفلسطينيين. فاسرائيل التي تتغني بديمقراطيتها العلمانية الطابع ، والتي نجحت دائما بايصال فكرة ان المجتمع اليهودي المتزمت ما هو الا اقلية تعيش على اطراف اسرائيل ولا تشكل الطابع الحياتي لاسرائيل ، وجدت نفسها اليوم بين فكي الحكومة الاكثر تشددا وتعصبا وتدينا في تاريخ الدولة. حتى اصبح الاسرائيلي العادي فريسة هذا الخيار.

ولاضفاء النزعة العنصرية على التشكيل الجديد سارعت الحكومة الاسرائيليه بالاعلان عن توسيع في مستوطنة رمات اشكول في القدس الشرقية ببناء ٧٠٠ وخدة سكنية جديدة فيها.

ولربما يكون تشكيل هذه الحكومة تأكيدا للقيادة الفلسطينية المتمسكة بالمفاوضات التي لا يمكن وصفها الا بالعبثية، بأن هذه الحكومة هي الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني ، والذي لن يتوارى عن توفير اي امكانية للتخلص من الفلسطينيين. فلربما تعي القيادة الفلسطينية ان مرحلة العبث الفلسطيني ربما في التهاون في كل ما حل بالشعب بالفلسطيني منذ اوسلو قد انتهت . فالمرحلة القادمة ستطال الشعب والقيادة على السواء… .

اترك رد