العنصرية في اسرائيل تخرج عن طوعها

العنصرية في إسرائيل …تخرج عن طوعها

عندما قرر رئيس الحاخامات باسرائيل سنة ١٩٧٣ بأنحدار الاثيوبيين من سلالة إسرائيل لليهود منهم والسماح ل ١٢٠ الف اثيوبي بالهجرة الى اسرائيل ، لم يكن بحسبانه ان الموجة القادمة من المهاجرين اليهود ستحمل الملايين من الروس الذين سيشكلون مع العرق الاشكنازي البياض الاغلب للدولة . ولم يكن على دراية بأن اسرائيل ستصبح المحطة الاقرب الجديدة لتسريب طالبي اللجوء من اصول افريقية مختلفة ، جراء الحروب والظلم الواقع على تلك الشعوب. أصبحت اسرائيل في سنوات سابقةتبدو وكأنها جنة اللاجئين الافريقيين من سودانيين ، اريتريين واثيوبيين ، فتم استغلالهم في سوق العمل بأدنى الاجور وابخسها حتى استفاقت إسرائيل في يوم ما على انتشار اللون الاسود وكثرة تواجده حولها.

كانت الجالية الاثيوبية تعتبر نفسها جالية مهمة في السبعينات، حتى وجدت نفسها تدريجيا في اطراف اسرائيل باماكن بعيدة واصبح حالهم اقرب لحال العرب والبدو . وكعادة المقهورين من السكان ، الذين يسعون لاثبات احقيتهم وانتمائهم بالرغم من سواد لونهم ، إلتحق الكثير من الاثيوبيين للجيش . فالخدمة بالجيش عادة توفر الكثير من الاحتياجات وتسهل على الاسرائيلي فيما بعد نهاية الخدمة الكثير من الامتيازات . فتسابق الاثيوبيين على الخدمة واثبات انفسهم وولائهم للدولة ، وكانوا اسوأ ما يواجهه الفلسطيني من تنكيل وعنصرية على ايدي جندي لا يتعدى العشرون عاما واثيوبي. فتراهم السباقون في اعمال الحراسة والامن لشراستهم وتهكمهم . وفي كل خسارة وسقوط لجنود ترى الاثيوبي احد الساقطين الملتفين بعلم اسرائيل من ضحايا الحروب دائما .

ولكن على ما يبدو ان إسرائيل الاشكنازية الطابع ، استاءت من ازدياد اعداد هؤلاء والذين باتوا يشكلون خطرا حقيقيا على الدولة منذ بدأت اعداد المهاجرون الغير شرعييون بالازدياد. وإسرائيل ترى بنفسها الولايات المتحدة الامريكية . فبينما تحارب الفلسطينيين وتتخلص منهم بكل الوسائل المتاحة والغير متاحة تدريجيا ومنهجيا . تقوم بالجبهة الداخلية بالتصرف وكأنها دولة طبيعية يمتد انتماؤها حضاريا لأمريكا . فعندما يدمر زلزال دولة كالنيبال مثلا ، تهرع طواقم الانقاذ للمساعدة . وتفتح مستشفياتها لمصابي النصرة والجيش الحر على حدودها مع سوريا . وتقوم بتقديم خبراتها الامنية لمحاربة الارهاب في دول كنيجيريا والعراق وغيرها الكثير ممن لا نعرف .

ومع ازدياد محاولات اللجوء الغير شرعي ، اصبح تدريجيا كل ما يمت لونه بالسواد من صلة يشكل خطرا على لقمة العيش الاسرائيلية . على الرغم من استمرار استغلالهم كأيدي عاملة بخسة. الا ان ازدياد اعدادهم وازدياد قمعهم وقهرهم زاد من استيائهم الذي بقي مكبوتا. فهم اقلية ، لا تشبه العرب تحديدا ، ولا البدو ولا الدروز ، لأن لونهم يفرق بينهم وبين الاخرون من جهة . الا انهم يعاملون بدرجة اقرب لتلك التي يعامل منها المواطنون من الدرجة الثالثة كالعرب.

ما جرى عند التقاط كاميرات المراقبة لعملية اعتداء غير مبررة من قبل افراد بالشرطة الاسرائيلية على شاب اثيوبي يرتدي الزي العسكري . لا يمكن مشاهدته من قبل اقرب المحبوين وابعد الكارهين لاسرائيل الا بنفس الطريقة . فكلمة عنصرية هي الوحيدة التي تستمر بالتساقط على المتفرج حتى انتهاء تلك الدقائق القليلة .

وقد تزامن الفيديو مع قضية تعدي اخرى من قبل افراد الوحدات الخاصة على شاب اثيوبي تم ” تشخيصه” على انه اريتري غير شرعي والانهيال عليه بالضرب ، والحبس على الرغم من محاولته فهم ما يجري. فالرجل لم يحظ ابدا بفرصة حتى شرح لما حل عليه من اعتداء.

ولربما الحس الامريكي للشعب الاسرائيلي جعله ينظر الى الامر على غرار ما يجري بأمريكا من ممارسات عنصرية ما بين الامريكيين من اصول افريقية والشرطة البيضاء، واخرها بالتيمور. فقرر الافارقة في اسرائيل مساء الخميس الماضي التظاهر وسط شوارع القدس رافعين شعارات بالتيمور. وادت تلك المظاهرات التي خرج اليها الالاف امام مبنى الشرطة ووصلت الى بيت رئيس الوزراء الاسرائيلي الى اغلاق وتعطيل تام للمرور والقطار . واسفرت عن عشرات الاصابات ما بين الشرطة والمتظاهرون.

ولكن هذا لم يكن كافيا ، لان الموضوع اكبر من بالتيمور . فهناك شعور عام من قبل هؤلاء لم يخرج الان فجأة بالعنصرية التي تمارسها عليهم الدولة خلال العقود الماضية ، ولكن وحدهم دائما حربهم ضد الفلسطينيين .

فخرجت الالوف من المهاجرين الافريقيين ( وصارت اسماؤهم اليوم مهاجرون من جديد) فاسرائيل تستعمل كلمة “عليا” للمهاجرين اليهود، الا انه مؤخزا يجري الحديث عن مهاجرين فقط ، ويميز بينهم بشرعيين وغير شرعيين. خرج اولئك لشوارع تل ابيب مغلقين الطريق السريع الواصل بين ارجاء اسرائيل شمالا وجنوبا . وما ميز تلك التظاهرات هو عدم استياء المارة . فعادة من يقوم بهكذا مظاهرات تعتبر مشاكسة هم اليهود المتدينون الذين يثيرون حفيظة بقية الشعب ولا يتردد احد بالتذمر منهم . الا ان هذه المظاهرات التي امتدت الى شوارع تل ابيب وتمكنت من الوصول الى ميدان رابين وحاولت الدخول الى مجمع البلدية تسارعت وتكاثرت وكان بمقابلها اعداد بدت وكأنها متساوية من الشرطة . فامتلأت الشوارع بالجهة المقابلة بالالاف وحدات شرطة الشغب التي كانت معدة بكامل عتادها ومستعدة للمواجهة . وسرعان ما تقاذفت الجماهير بكل ما وجدته ارضا وعلى حواف الطريق ، مما ادى الى كسر زجاج سيارات ،حرق اطارات مطاطية وتقاذف بالعلب المعدنية والزجاجية وغيرها . استمرت المظاهرات لعدة ساعات ، اصيب خلالها العشرات من افراد الشرطة وادت الى اعتقال العشرات من المتظاهرين الذين انضم اليهم الغير افريقيين.

بالرغم من الخوف والاستياء العام من اندلاع هكذا مواجهات ، تسارع الحكومة ممثلة برئيس وزرائها لشجب الاعمال العنصرية التي تم القيام بها ضد الاثيوبيين . الا ان ما جرى لا يشكا الا دق ناقوس على حقيقة هذه الدولة العنصرية .

فالاسرائيليون استيقظوا على حقيقة عنصريتهم تجاه بعضهم البعض ، وتأكدهم بأن عنصريتهم لم تكن ابدا محصورة على الفلسطينيين . فلقد استطاعت اسرائيل منذ اوسلو بتطويع وتطبيع الشارع الاسرائيلي نحو شرعية التنكيل بالفلسطيني ، لان الاخير سيقوم برميه الى البحر متى سمحت الفرصة له بذلك . فمشهد الضرب والتنكيل والسحل والقتل للفلسطينيين لا يشكل الا مشهدا عاديا وطبيعيا في عيون الاسرائيلي العادي ، يعرف بقرارة نفسه ان ذاك الفلسطيني يستحق اكثر من ذلك من تنكيل ، لأن الجيش والدولة يقومون بحمايتهم منه . فانشغل الاسرائيليون بصراعهم مع الفلسطينيين ، ولم يأبه الغير متضررون منهم من اصول غير افريقية بالعنصرية الممارسة ضد الاخرين . فبالنسبة لهم ، استياءهم من المد الديني المتزايد والتذمر منه هو الاهم ، وهو ما ابقته الحكومة رائجا وعاما . فالمشاهد الخارجي يرى شعب اسرائيل الديمقراطي العلماني بالاغلب المنحدر من اصول اوروبية بنخبته مستاءا من مطالبات المتدينون الذين لا يقدموا للدولة الا العبء والصورة الغير متمدنة امام الغرب الذي يصفق لهم على تحضرهم امام الشرق المتصارع المتمثل بالفلسطينيين.

وما حدث من مشهد لضرب افراد الشرطة لجندي اسرائيلي يشكل سابقة .

فالجندي باسرائيل مقدس …. الا اذا كان اسود البشرة ….

اترك رد