مهاترات وطن : ازمة قيادة ام ازمة رياضة؟ ام ازمة وطن

بالأمس أصابني ما أصاب المجتمع الفلسطيني من انهيار توقعات تلاها ذهول فغضب واستياء . وبينما أحاول قدر المستطاع عقل الامور في رأسي ، أجدني في حالة صدمة ربما توقفني عن التفكير السوي . فأول عبارة أصادفها عند الحديث عن الموضوع هي : “ما الذي كنت تتوقعيه” ،أذكر غضبي الجامح في فترة جولدستون ، واعترف باني لا استطيع لوم المجتمع على عدم ردة الفعل المناسبة في حينها . ففجأة حملتنا القيادة الفلسطينية على اجنحة المجتمع الدولي وصار كل صاحب سلطة سياسية تفتقر بكل المعايير الى الاختصاص بالامر الى اقحامنا جميعا في دورة تثقيفية عن الامم المتحدة وقراراتها وقياداتها وشغلونا فيما بعد بكعكة التصويت لفلسطين كدولة بالرغم من خطورة هكذا خطوة علينا ، لن نرى مآسيها الا بعد اعوام ، كنت . اظن ان ابنائي سيعيشوها ،الا ان تتالي النكسات بالقرارات السياسية يؤكد انني لا احتاج لان يمر الزمن وتكون هذه التبعات مقتصرة على الزمن الذي ينتظره الجيل القادم من مصائب
بداية كنت كسائر هذا الشعب بنفس السذاجة التي تمتهن من اعطاء الفرص طريقا . كان درس جولدستون من اقسى الدروس التي كان نجاة محمود عباس منه مهما ولكن لم يكن من المتوقع (او بالاحرى المتأمل) ان تقع السلطة بنفس المكائد مرة ثانية . الا انه كان من الجلي ان الحصول على نقاط شعبية في شأن قرار الدولة اصبح وكأنه الحجر الذي يرمى في كل مرة من اجل عمل حراك في مستنقع المجتمع الفلسطيني ليصدر بعض الامواج مما يبدي مياه صافية . الا اننا ننسى في كل مرة اننا نحيا بمستنقع لا ببحر او حتى بحيرة . فاستمرت التنازلات الفلسطينية التي اصبحت علنية منذ جولدستون في الشأن الدولي الذي يعتبر الشعرة الاخيرة في حشد الدعم للقضية الفلسطينية . الا انه بدا وكأن السلطة تسعى فقط وبتكتيك واضح الى جس نبض ردود الفعل لهذا المجتمع لتمضي في سلسلة التنازلات او الفشل المتراكم. مشروع الاعتراف بالدولة لدى مجلس الامن كان سيكون الضربة القاضية لما كان من فلسطين قضية لو تم تمريره . فالبنود المقترحة تبدو وكأنها وضعت من قبل محامي اسرائيلي لا علاقة للفلسطينون فيها . فكان مشروع تنازل يحتوي على اسم دولة تتقلص فيها الحقوق والحدود بالرغم من اخفاقات قرارات مجلس الامن والامم المتحدة السابقة . الا اننا وبسذاجة نستمر بكوننا كالحمار الذي يسير نحو الجزرة المربوطة بالعصا.
وجاءت لعبة المحكمة الجنائية الدولية التي ظلت القيادة تتأرجح في استعمال القوة السياسية فيها سعيا اليها حتى ضغطت اسرائيل على كل ازرار التبجح والاستبداد ولم يبق للقيادة مفر الا استعمالها .
فبعد ان تقلصت فلسطين من خارطة الى اجزاء لا يمكن رسمها على خريطة ، وبعد ان اصبحت السلطة اداة حقيقية بجانب الامن الاسرائيلي تحرص على حدود اسرائيل بما كان يسمى فلسطين وامال دولة مبتورة . وبعد ان اصبح المورد الوحيد لوجود السلطة هو المعونات الاجنبية وعوائد الضرائب من الاسرائيليين. بدا وكأن الافراد المعنيون من السلطة اصبحوا هم الوطن والقضية . فتبدو المفاوضات على بطاقات (في اي بي) وتسهيلات مرور لاهل السلطة وبعض المنتفعين .
لا يزال عنوان الخبر على سحب طلب عضوية اسرائيل من الفيفا يحوم في رأسي كالذبابة . كلمة سحب “الفلسطينون” للطلب ولم تكن سحب “الرجوب ” او ابو مازن” للطلب . لم تكن حتى السلطة التي سحبت الطلب .. فكان “الفلسطينون” هم من سحبوا الطلب. استخدام اسمنا كشعب في هكذا امر مشين لنا . ففعلا نحن من سحبنا هذا الطلب في اللحظة التي استمرينا في دعم هذه السلطة بالرغم من كل اخفاقاتها التي تحولت الى مصائب تحل علينا يوميا.
اعدت مشاهد المسرحية التي حدثت في الفيفا الامس ، بداية مما بدأ ككلمة تاريخية كانت ستتوج جبريل على المنافسة القائمة بخلافة السلطة . مع تحفظي كسائر العالم الذي يهتم بالتفاصيل ، عند اعطاء كلمته بالانجليزية بدل العربية . تساءلت حينها بما يدفع شخصية مثله طليقة اللسان بالعربية على تقديم كلمة بالانجليزية في مكان تتوفر فيه خدمات الترجمة بحرفية.. ومن بديهيات التقديم القيادي في هكذا امور استعمال لغة الام . فالملك عبد الله مثلا على الرغم من ان الانجليزية هي لغته الام ، احترف التكلم بالعربية على المنصات الدولية الرسمية . وكعادة تفكيري السخيف قررت تمرير هذه الملاحظة مع نفسي ، تاركة المجال لكل تلك التبعيات النفسية التي تصاحب هكذا امور ، وقلت …لا بأس. الاان الموضوع لم يتوقف هناك .. فكان خطاب الرجوب خطاب قد يصبح تاريخيا ، فبالنهاية كان يعرض قضية وطم في سرد قضية الرياضة في هكذا منبر . وتلويحه بالبطاقة الحمراء بدا احترافيا ولكن …… ما الذي جرى لانزال سقف المطالب الى سحب الطلب ؟ قد يكون محمود عباس في رام الله انتبه الى ان هذه ستكون ضربة في مصلحة الرجوب وعليه قرر اسقاطها فاعطى التعليمات بسحب الطلب؟ ربما .. وربما تلقى الرجوب التعليمات من بلاتر الذي بدا بأنه وباللحظات الاخيرة اعيدت الحياة له بعد الانهيار المدوي بفساده قبل يومين . .. قد تكون مصالح الرجوب الرياضية وطموحاته فيها اصبحت اكبر من تلك في السلطة . فبالنهاية بلاتر عراب الفساد الرياضي تربع ولا يزال يتربع على عرش الامبراطورية التي باتت تتفوق على كل امبراطوريات السياسة والمال . فمن يريد طموحا في سلطة مهترئة بالية مفلسة مقابل السلطة الحقيقية التي تختبيء وراء كرة القدم ؟
الا ان موقف الرجوب المتتالي والمتناقض على شفي قرار كان مثيرا للدهشة . فكيف تتعاقب التصريحات المتضاربة من نفس الشخص وعلى نفس الموضوع وبنفس المكان هكذا في جلسة واحدة؟ محلل مبتدىء كان سيقول ان ما جرى انتحار شعبوي بجدارة .
فجبريل الرجوب الذي بذل قصارى جهده على مدار اعوام في محو “قضية سوريف” بالامن الوقائي عند حصار المقاطعة من ذاكرة المجتمع الفلسطيني الذي لم ينس ولكنه حاول كعادته بفرض نظريات حسن النية ، أعاد بثواني معدودة لذهن الفلسطيني العادي مشهد تلك الحادثة ، وتساءل : قضية تسليم الاسرى لم تكن مفبركة ولا قسرية على ما يبدو ؟ ولنقل ان اللي فات مات … ما جري بالامس يسلط الى الذهن شخصية الرجوب التي يتساءل الناس في شأنها .. كيف تغير موقفه من لحظة اراد لها ان تكون تاريخية بالتاريخ الوطني ،الى لحظة جعل فيها موضوع التصافح مع الجانب الاسرائيلي وكأنه حق عرب ينتهي بفنجان قهوة ؟ وكيف خرج مباشرة و اعطى تصريح فيما بين تلك اللحظات التي كانت كواليسها تنشغل في الاهم وهو سباق رئاسة الفيفا بين بلاتر والامير علي. وكغيره ممن راهنوا على الانهيار المدوي لفضيحة بلاتر وفساده الاخيرة خرج ليقول بأن صوت فلسطين لن يكون الا للامير علي. ولأن الامير العربي راهن على العرب .. خذل المسكين خذلان مدوي ، قرر حفاظا على ما تبقى له من ماء وجه بالانسحاب . فسخرية الموقف كانت بأن الاوروبيون اعطوا اصواتهم للامير علي بينما تآمر العرب مرة اخرى في اغلبيتهم على الامير العربي واعطوا صوتهم للفاسد بلاتر. ولست بصدد التبلي على بلاتر الذي اصبح اسمه والفساد مترادفين . . فكانت صدمتي الاولى وانا اشاهد تلك المسرحية في ذلك المشهد المتكرر للساسة الفلسطينيون منذ حرب العراق على الكويت والمراهنة على الحصان الخاسر على الرغم من ان رهاننا لا يشبع ولا يسمن من جوع . الا ننا نصر على ان ندوي السماء بصوتنا الفارغ. فموضوع الانتخابات والاصوات كان حتى اللحظة الاخيرة محكوم عليه بالخيانة العربية التي لم يتردد العرب في البوح بها الا همسا وليس علانية . ولكن ظل الامر المثير هو انه وبلحظة انسحاب الامير علي وفوز بلاتر تتويج الرجوب اولا من قبل بلاتر عندما شكره تحديدا وبالاسم على مساندته الدائمة له كعراب تلك الحملة الانتخابية التي كان ضحيتها الامير علي والذي كان مشهودا له بنضاله في القضية الرياضية والذي طالما وقف بجانب الكرة الفلسطينية بشهامة. ولاطفاء الشهامة العربية امام الغرب وبلاتر لم يكتف الرجوب بهذا بل حمل فخر اهداء بلاتر السيف الذي كان قد حضره العرب المتآمرون على الامير علي هدية فوزه المتوج للمؤسسة الفاسدة. .. موقف لم يؤكد الا على النذالة …. النذالة الفلسطينية في هذه اللحظات .. فالرجوب ورجال السلطة مجتمعون مع الاسف الشديد يمثلوننا … فبتلك اللحظات صارت اذناي تصدعان من كثرة الطنين. فكانت اصوات المساندون لنا من المجتمع الدولي تدق في رأسي بشماتة واشمئزاز من جهة ، واصوات العرب الذين طالما قالوا بأننا مجتمع انتهازي طامع متخاذل لا يستحق الا الاحتلال تحفر في اعماقي بشدة قاهرة…
ليتأكد مرة اخرى باننا نحن الفلسطينيون بقيادتنا البالية المفتقرة للحنكة السياسية التي تجيد فقط الصراخ والاستحقاق لبطولات كتبتها دماء الشهداء ..لا نستحق الا البقاء تحت الاحتلال .. فتحت هكذا قيادة يبقى الاحتلال ارحم وابقى ..
وليؤكد مقولة احمد امين في مذكراته قبل اكثر من سبعة عقود بان مشكلة الفلسطينيون في قادتهم…

وتستمر المسرحية … في ردود افعال على شكل تصاريح لا حلول … ان دلت على شيء تدل فقط على الاستخفاف بنا كشعب وكأفراد. فيقف جبريل اليوم موقف الدفاع عن موقفه في التنازل عن سحب الطلب الذي جند له الشعب على مدار اشهر ولم يعبأ حتى في شرح وجهة نظره لان الشعب بالنسبة له مجرد اصوات تستخدم للهتاف بينما هو يصرخ . وامام موقفه العلني المتضارب المفاجيء في شأن التصويت لبلاتر ، ويقدم عذرا في بيانه للشعب الاردني مع الاسف اقبح من ذنب….

كم هو من المؤسف رؤية تتالي هذه الانهيارات ….

اترك رد