تخطى إلى المحتوى

يوميات سرقة كلب

 

يوميات سرقة كلب

في بلدي ارقب تحول الاحياء والشوارع والناس ، من احياء راقية الى تسلسل في طبقات احياء تصل من عالم راقي الى عالم سفلي في كل المقاييس. فبيت حنينا مثلا حتى قبل عشر سنوات كانت حي راقي بجدارة ، وحتى اليوم المفروض انها كذلك . ولكن كيف ان هكذا حي اصبح مغلفا بعدة احياء تنحدر في مستواها يوما بعد يوم هو ما يبدو نهجا واضحا للجميع باستثنائنا نحن اصحاب العلاقة . فلا زلت اذكر منظرا راودني دائماً في مدينة سان فرانسيسكو وتسلسل طبقاتها من شارع الى اخر ، من مستوى الى مستوى ، حتى تصل الاحياء الاكثر خطورة تلك التي تقع تغلف ما بين الشوارع العامة الكبيرة ( highways ) . واليوم نعيش ما بين طرق عامة تصل بالمستوطنات ، وسكة قطار خفيف توصل الحابل بالنابل ، ومستوطنة زرعت كبؤرة في عالم سفلي يبدو وكانه زرع بإتقان .
لقد عشت في هذه المنطقة منذ اكثر من ٢٥ سنة ، وكانت حينها المساحات والمباني واضحة ، ولم يزل مبدا الجار قبل الدار سيد الموقف ، حتى كافاتنا بلدية الاحتلال مبنى لمدرسة ومركز جماهيري ، وكانه كان استقطابا لكل ما هو بائس . فالمدرسة تبدو وكانها مركز تأهيل للعصابات ، وترى أولئك الاطفال بأحجام أطفال وتصرفات قطاع طرق. تسرب من المدرسة وأطفال يدخنون بعمر يبدو وكانه لم يتعد العاشرة . وفوق تلك المدرسة وذلك المركز الجماهيري تلة اصبحت مرسى مدمني المخدرات ، لا يمكن لإنسان عادي ان يعرج باتجاه ذلك الشارع بعد الساعة الخامسة حتى بزوغ صباح اليوم التالي .
في اخرً خمس سنوات بيت حنينا كغيرها من الكثير من الاحياء ، باتت متطابقة من حي فوق حي . او حي تحت حي . تحول الشارع الرئيس نفسه لشارع شبه رئيس اصبح نفسه موضوع بحث . ولكن ما هو واضح حصر المكان بطرق جديدة ، تبدو بالظاهر وكانها خدماتية ، وباطنها خفي لا يستطيع تبصره من يسعى لبقاء مهدد .
ولان أطفالي ، لا يزالوا يعتبروا انفسهم طلاب حياة رغيدة ديمقراطية ، الرفق بالحيوان احد سماتها ، أصروا على اقتناء كلب … واكثر .. ولا انكر رحلتي مع تقبل الكلاب ، فهناك حاجز ثقافي يتعدى حضره الى الديني . الا انني ومع رحلة التغيير الذاتي التي كنت ولا زلت امر بها ، كان موضوع تقبل الكلاب أشبه بكسر الحواجز القبلية التي بنيت بداخلنا منذ اول نفس أخذناه بهذه الدنيا . ومما لا شك فيه ان دخول الكلاب الى حياة عائلتي أعطاها دفئا غريبا . وبالرغم من أنني بقيت محتسبة نوعا ما من وجود كلب بين كل أروقة منزلي ، ومتطلباته التي لا تنتهي ، الا ان الاعتناء به حتى من قبل ام مهملة مثلي كان من اكثر الامور التي تعطيني شعورا بان هناك من يقدر ما افعله من اجله حتى ولو كان بشح ما قدمت له.
وفي حينا ، كان لأطفال الاحياء كافة نصيب من مشاهدة ما يبدو لهم وكانه مخلوق فضائي تارة او حيوان يجلب بحضوره اهتمام الاطفال وفضولهم تلقائيا. وبين كل هذا ، ذلك الفضول المصاحب بالشر الانسانية نحو استضعاف حيوان وممارسة العنف تجاهه.
في مكان طبيعي كان قلقي سيحوم حول ضياع كلب فقط، ولكني اشعر بظلم حياة كامل ، لم اعد اعرف من الحيوان فينا ؟ نحن ام الحيوانات ؟ وكان قانون الغاب قانون إنساني بامتياز .. كل يوم وبقليل من المبالغة أخشى ان ارى كلبا او قطا مقتولا دهسا في طريقي الى العمل .. واسأل نفسي ، من الذي يقتحم حياة من هنا ؟ ما الذي يدفع الحيوانات الى الشوارع هكذا من جهة؟ وان كانت هي مجرد حيوانات ، فكيف لا يرقى الانسان منا الى درجة انسان بعقل يخفف من سرعته في شوارع لا تستوعب السرعة أصلا ؟
ولازيد من دراماتيكية حكاياتي الحقيقية ، وبينما كنت ابكي حال كلبي المفقود صباحا ، فاجأني حصان مرمي على قارعة الطريق مدهوسا كذلك !!!!!!!
ولا زلت لا ادري ما حكمة الحياة من هكذا حادث ؟ الكي تواسيني مصابي بكلب مثلا ؟
وبين سخرية المقربون والبعيدون بالبكاء على كلب ، يبقى شعوري مصاحب لمشاعر متضاربة ، في اقتحام مساحة تخصني من قبل بضع قطاع طرق في مرأى شارع عام، بدون اي خوف او خشية او حياء . وكلب اشعر بفقدانه فقدان طفل من أطفالي .. ومسؤولي تي تجاهه تحيطني بقلق وعذاب ضمير لما يعتبر تقصير من جانبي … وكأني أصر باني أعيش في عالم طبيعي ، وفي كل مرة تأتي صفعة من مكان ما لتقول لي ، بأنني لست بمكان طبيعي ، وبالتالي فليس من حقي اصلا التفكير بما هو طبيعي ، فكيف لي ان أحيا بحياة طبيعية ؟؟
وبهذا تصبح قصص سرقة كلبي يوميات تسرد كل يوم لترددها يوميا ….

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading