الذكورية : تحكم أم تحكيم للرجل ؟
لا يمكن الهروب للمشاهد الرمضاني من سطوة وهيمنة الفكر الذكوري على العقلية العربية . فالمرور بين المسلسلات من سورية والتي تتوجها (باب الحارة) ولبنانية (من تشيللو (العام الماضي) لنص يوم) ومصرية (لا حصر لها) على سبيل المثال والعرض ، لا توقفنا إلا عند هذه الهيمنة .
فسنوات من باب الحارة وسطوة الذكورية فيها، في استعراض جعل دور المرأة فيها مقتصر على التفنن في الطبيخ والعروض التجميلية البهلوانية لمراضاة الرجل (ابن عمي). قد يكون أنتج ما أنتجه من العرض التافه بعد كل هذه السنوات للمسلسل ، وحصر جمهوره بالمراهقين الذين كانوا أطفالا زمن صعود “عصام” وأبوه.
أدوار للمرأة مهما اختلفت من ثقافة لغيرها بالفكر العربي ، تبقي وبحرص فيما بين المصري والسوري واللبناني تحديدا وليس على سبيل الحصر (لأن الوقت لا يسمح لمشاهدة الخليجي) . ففي كل عام نرى النسوة من الممثلات الصاعدات والنجمات الآفلات في أدوار ترتكز فيه أولا على اشكالهن التي بقدرة قادر صارت ممشوقة ومشفوطة وبارزة وناهيك عن الفيلينغ والبوتوكس وعمليات التجميل التي غيرت ملامح الوجه ولم نعد نعرف من تلك الممثلات إلا أصواتهن وأسماءهن التي تعبر قبل بدء المسلسل . فالكل يخرج بديباجة تشبه هيفاء ونانسي واليسا وكأن المجتمع النسائي صار عائلة واحدة متشابهة .
شكل الممثلات ليس هو المحور هنا ، فلقد بتنا نعيش وهذه الظاهرة الجديدة منذ سنوات واعتدنا عليها . فنتعجب بدءا ونندمج فيما بعد ما بين صدمة لحقيقة الوجوه الجديدة وما بين التقبل للواقع الجديد. قد تكون أحلام هي أهم نجمات مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات على شكلها المتجدد. تذكرني بأيام مايكل جاكسون وهوسه بالتجميل والعمليات وتبييضه لنفسه .
المحور هو الأدوار التي تقوم بها النساء في الدراما العربية التي تصدر لنا برمضان كالبندورة في غير موسمها . تتذفق على السوق بكل الأسعار والأحجام والنوعية. كل ما يبقيها بندورة هو لونها الأحمر وبعض من طعم بندورة. فدور المرأة يتمحور بدءا في شكلها ، باستثناء طبعا البطلات الاساسيات اللاتي يقمن بأداء رائع ،فلا أستطيع الا ان اشيد بإعجابي المتزايد نحو ندين نجيم ، ونيللي كريم وغادة عبد الرازق . فهن على سبيل المثال وصلن الى مستوى بالاحتراف بالأداء لا يمكن إلا الانحناء احتراما وتقديرا له
لكن ما بين باب الحارة وما يتم تصديره لنا خارجها ، يبدو ان التأثر الأكيد الذي استمر هو التأكيد على دور معين تقوم به النساء وبالرغم من أنه بصورة أقل عرضية واحتفائية من تلك بباب الحارة ، الا آن دور المرأة مهما تغير يبقي الرجل في مكان التحكم . فالذكورية بالصبغة الدرامية المقدمة تؤكد على تحكم الرجل وتنصيبه حكما من قبل المرأة طوعا . فمثلا هناك نوع من التناغم بما تستطيع المرأة ان تقدمه , فهي صارخة الجمال والهندام . ندين نجيم الفقيرة في الحلقة الاولى من المسلسل الذي للسنة الثانية يصر تيم حسن على دور الشاب فاحش الثراْ التي تسحره بجمالها , تبدأ ظهورها بلباس جلدي يتحدث عن نفسه انه “ديزاينر” عالمي ما . ثم هناك دائما الحقيبة التي لا يقل سعرها عن بضعة الاف الدولارات ،ثم نرى الجميلة المكافحة الطموحة بالمطبخ و المرأة لعوبا و معدلة ومشكلجية. ودائما هناك الرجل الغني الذي تلهث وراءه كل النساء. بالنسبة لندين نجيم تحديدا وبعد ان عبرت مؤخرا وبوضوح “مؤسف” عن ايمانها بأن الرجل يتفوق طبيعيا على المرأة فيحق له ما لا يحق لها , لا ريب ان اندماجها بهذه الادوار يأتي طبيعيا. ..
طبعا النساء في كل هذا هي من تكيد المصائب والمؤامرات ، مهما كانت انسانية ، فهناك امرأة دائما وراء المصائب والمؤامرات، وعند الجدية يكون العقل المدبر هو الرجل وتكون المرأة المحرك المباشر او غير المباشر .
تأتينا هذا العام غادة عبد الرازق بعشرين او ثلاثين سنة اصغر من عمرها الحقيقي هيئة ولربما دورا . مجندرة تماما هذا العام بدورها و لكن كلالعادة هناك هوة بين دورها وكل الادوار الاخرينما تجلس البنت في البيت لتساعد الام في كل ما يكون من امور حتى الهموم. وتبدأ تربية “الطبطبة” على اخطاء الذكر التي دائما تكون في طور “الهفوات” مهما اشتدت وتأزمت وتحولت الى مصائب . بينما هفوة الأنثى خطيئة مهما كانت بسيطة .
في كل ذلك الزحام المسلسلاتي الرمضاني ، لا مفر من أخذ العبر من تسويق المسلسلات ، كما لا بد لتلك المسلسلات ان تهدف مباشرة او غير ذلك بترويج فكر ما وغيره. الا ان ما نراه في كل مسلسل هو تجسيد لما يشبه حياتنا العامة كعرب . الذكورية فيه هي المحور الاساسي والرئيس ، مهما اختلفت الافكار وتغيرت الصور والهيئات . يبقى التساؤل المستمر في معرفة من يروج لهذا المجتمع الذكوري في تمكين الرجل بمكانة دائما هي الاقوى والاكثر سيطرة ؟ آهو جبروت الرجل وطبيعته ؟ ام هي المرأة؟ بداية من الأم ومرورا بكل انثى تقف في حياته . تبقيه هو المركز ، وتكون هي مهما كان دورها داعما لتقوية وجوديته ومركزيته، او تكون معتمدة عليه طمعا او حاجة. تبقيه هو في مركز القوة مهما كان ضعيفا ، وتقف هي وراءه كتابع مهما كانت قوية . سيطرتها وجبروتها فقط في نهج يؤكد سيطرة الذكورية على المجتمع.