مثلية شعب

تتناقل الشبكات الإجتماعية مؤخرآ حملات عدة ، آهم ما يبرز بالشبكة الفلسطينية هو شعار ألوان قوس قزح الذي يمثل المثليون جنسيا . ،كما حصل أبان حملة التعاطف مع ضحايا شارلي هيبلو امتلأت أغلفة الصفحات الشخصية بالشعار بعد ما أقرت محكمة العدل العليا الامريكيا بحق زواج المثليون في كافة ولاياتها . وقد يكون هذا انتصارا حقيقيا للمثليين بعد عدة عقود من محاولة إطفاء شرعية وجودية تحت القانون في العالم وفي أمريكا تحديدا . وقد يكون من الجميل إبداء التعاطف مع هكذا انتصارات لقضايا إنسانية . ولكن ، يبقى السؤال الأهم هو بماهية هذا التعاطف ؟ عندما نرى بأن شعار المثليون وصل لتغطية صورة لمروان البرغوثي على أحد رسومات الجدار الفاصل ، فهل هذا يعني اننا وصلنا الى حد من التعاطف الانساني لدرجة استيعاب المثليون حقيقة ؟
ق يكون رأيي الشخصي بالنسبة للمثليين متقدما وعصريا بالنسبة لما أعيشه وحقيقة انتماآتنا في هذا المجتمع ، وأعترف أنه بالرغم من انفتاحي الكبير ، بأني بالواقع لا أعرف ان كنت سأتقبل هذه الفكرة عندما تدخل إلى حيزي الخاص. فقد أدافع عنها بضمن وجهة نظر المدافعين عنها ، وأحاول بصدق تفهم اختلافات الانسان ومشاعره . إلا أنني أعجب من الاندفاع هذا نحو دعم المثليون في مجتمع لا يجرؤ المثلي على الخروج بالعلن مهما كان إطاره منفتحا . مجتمع يجعل من الزواج الغطاء الشرعي للإختباء وراء الميول الحقيقية للرجل او للمرأة . مجتمع يرفض البوح باختلاف ميول أبنائه وأقرانه ويتستر على الموضوع بكل ما أوتي به من مقدرة ، ومن ثم نجد أبناءه تتصدر صورهم شعار المثلية . ومما لا شك فيه ، انني إذا ما عملت مقارنة صغيرة لوجدت ان المثليون لم يغيروا صورهم ضمن هذه الحملة ، لأنهم لن يجرؤا على الاعتراف .
وان كان للمثليين حق ، أخذوه . ودعمهم لا بد مناصرة إنسانية في شأن قضية عانى اصحابها كثيرا من أجل الوصول الى ما وصلوا اليه من اعتراف . الا اننا وكفلسطينيين ، لم تشهد أغلفة صفحاتنا حشد لمناصرة قضية الأسرى المتضورون جوعا في سجون الاحتلال ،في وقت يقف الأسير خضر عدنان وحيدا بجسده الهزيل المريض أمام جبروت طغيان الاحتلال .
وإن كانت قضية الأسرى اصبحت مملة للفلسطيني الذي لم يعد الشأن الداخلي يعنيه كثيرا ، قد يكون إحباطا او يأسا ، فماذا نقول بالنسبة لقارب الحرية الذي قرصنته إسرائيل ومنعته من الوصول الى غزة ؟ وان كانت هذه ايضا ديباجة قديمة لا تعنينا كثيرا ، فالمجتمع الدولي يقوم بالواجب عنا . ما هو الخير الذي يريده المجتمع الفلسطيني من إعطاء الشرعية للمثليين ؟
هل يقوى المجتمع الفلسطيني حقيقة على هذا ؟ او قد يكون السؤال الأصح ؟ هل يريد المجتمع الفلسطيني أعطاء هذه الاحقية بالوجود الحر العلني للمثليين ؟
نحن مجتمع لا يزال يميز بين البنت والولد . بين المسيحي والمسلم . بين ابن العائلة وابن الفلاح . بين المدني والقروي . قررنا القفز فجأة لمناصرة المثلية ؟
ومرة أخرى ، رأيي الشخصي وايماني الحقيقي، بأن الناس ولدوا احرار. سواءا مالوا لجنسهم او للجنس الآخر . ولكن إن كانوا اولئك حقيقة ، فليخرجوا ويحاربوا من أجل قضيتهم . ما حصل بأمريكا هو نتيجة حروب قادها اولئك على مدار عقود لم يملوا ولم يتعبوا وآمنوا بعدالة قضيتهم ولم يعيشوا بالظلام ولم يأخذوا حقوقا منحها لهم شعوبا اخرين .
أما ملء الشوارع والصفحات شعارات سيتنكر من كان منهم مثليا بكل ما اوتي من قوة إذا ما ووجه بالعلن ، فهذا جبن ولا يقدم للمثليين بقضيتهم حق . وملء الجدران بشعارات تغطي ما يمثل المقاومة الاصيلة في القضية الفلسطينية فهو عار علينا كشعب قفز من الكترونية الصفحات ليملأ ظلمات الليل ألوانا لا تعني شعب يعيش تحت وطء ظلم لقضيته .
لو رأيت مثليا واحدا اعترف بميوله لقلت ان هذا حق . فإلى ان يتجرأ المثلي الى الخروج العلني في المجتمع ، أتمنى ان يبقى في ظلماته والا يخرجها المناصرون الكاذبون علينا . فالكل منا يريد ان يناصر مثليا يسميه صديق لطيف ، وكل منا يريده بعيدا كل البعد عن عائلته وحياته الخاصة . إلى ذلك الحين ، الذي نستطيع ان نقف بحق الى جانب أولئك ونحميهم ونقبلهم ، فلنكف عن الشعارات الكاذبة البالية .
فقضيتنا تحتاج الى عدالة اجتماعية تؤمننا من ذكوريتنا وقبليتنا أولا .
قضيتنا تحتاج الى وعي سياسي يضعنا في طريق الكفاح الذي تهنا عنه فتاه منا ،
قضيتنا تحتاج الى وعي إجتماعي يحض من العنف والزعرنة . فمشاهد القتال الدموي الذي تم تناقله بالامس واوائل أيام رمضان من شجار مخزي في باب العامود وآخر في الطور ، قد يكون نشر حملات للتوعية في هذا أهم وأجدى .قضيتنا تحتاج الى وعي بشأن قتل الشرف الذي لا يزال محفورا بعقولنا ولا زلنا نمر على قتل الفتاة وكأن قتلها يمسح به عار مجتمعنا من خطيئة الفتاة مهما كانت مظلومة .
قضيتنا تحتاج الى حملات تنصف المرأة وتعطيها حقوقها الشرعية والاجتماعية . في مجتمع لا تزال المرأة تحجب فيه من إرث أبيها ويتصدق عليها من أموالها .
قضيتنا تحتاج الى وقفة حقيقية امام المقاطعة التي نلوح بها كذبا ونناشد بها غياءا .
المثليون في العالم الحر قد وجدوا طريق عدالتهم … ربما يجب ان نقتضي بهم ….لا ان نقلدهم ونعتلي انجازاتهم ونختبىء وراء خيباتنا وندعي انتصارات لا تمت لنا بصلة .

اترك رد