بدء اليوم بخبرين بين كونهما عاجلين وبين كونهما استوقفاني ، لا استطيع الجزم بأهميتهما الحقيقية. فكلمة خبر عاجل لم تعد تحمل في طياتها اهمية الخبر وعاجليته . الخبر الاول كان هو البيان التهديدي الصادر من داعش لحماس . والخبر الثاني هو :”عباس يقيل أمين سر اللجنة التنفيذية ياسر عبد ربه .
ولأن الخبر الثاني هو ديباجة من ديباجات حياتنا في العقد الماضي ، بين إقالات وتعيينات . لا بد ان لهذا الخبر آهمية قصوى ليكون عاجلا . فهذه هي الاخبا رالوحيدة الموجدة في حياتنا من حيث الأهمية . وكأننا في دولاب ساقية يجرها ثور هرم مل الدوران منه ومل هو من نفسه ومن الساقية.
المهم ، يقول الخبر الذي خرج إلينا مع بروز الفجر بصيغة “خبر عاجل” بأن الرئيس قرر “إعفاء ” ياسر عبد ربه من مهامه كآمين سر اللجنة المركزية لمنظمة التحرير . والسبب على حسب الخبر هو خلاف عبد ربه مع عباس وعدم قيامه بواجبات اللجنة والمهمات الملقاة عليه. وإن كانت هذه الفقرة لا تعتبر كافية للتهكم واللطم ، فالفقرة التالية هي الأهم ، فمهام أمين السر سيتولاها الرئيس عباس ، رئيس دولة فلسطين ورئيس منظمة التحرير. لا أعرف إن كان موقف الرئيس الدائم بوضع نفسه لملء الشواغر مكرمة عظيمة من طرفه ام استبداد مطلق او فراغ حقيقي بالقيادة والقيادات ؟
فبالخبر نفسه يستكمل كالعادة الوضع الحالي الذي يبدو انه لا ينتهي . فمبدأ دوام الحال من المحال لا ينطبق على الشأن الفلسطيني الداخلي على ما يبدو. فالحديث الدائم والغائب الحاضر هو تشكيل حكومة مؤقتة انتقالية لحين الوفاق هو القائم . وكالعادة تبدأ توقعات هذه الحكومات من تغيير شامل وينتهي بتغيير طفيف لا يرقى الى توقعات حتى اصحابه . فحجر النرد الذي يتم رميه حاليا بين التخلص او تغيير الحقيبة لوزيرة التعليم هو الاغلب . بينما نسمع عن وزارة سيتم تغييرها ووزارة سيتم ملء شاغرها الذي يملأه احد حاملي الوزارات المتعددة . فهناك وزارة ثقافة بوزير او نائب ما ، ووزارة الداخلية على ما تسعفني ذاكرتي به لا تزال بيد على ما يبدو رئيس الوزراء ، وكذلك جامعة النجاح . فالحمدلله الحمدلله كالرئيس متعدد المهام والحقائب الوزارية وغيرها .
ولنخرج عن المألوف الممل للحال الفلسطيني الميل ، الذي لا يبدو ان هناك حتى طيف من أمل في تغييره ، يأتي الخبر العاجل الأهم ، وهو تهديد داعش لحماس.. لأول وهلة فكرت بأمريكا واسرائيل . من المؤكد ان اسرائيل ستقول فخار يطبش بعضه ، وهذا الافضل للتخلص من حماس، ومن المؤكد ان امريكا لن تقول غير ذلك الكثير ، ولكن يبقى تساؤلي الساذج بوضعية حماس رالتطرف . فكيف ستدافع امريكا عن موقفها . كيف تعادي داعش المتطرفة الارهابية حماس المتطرفة الارهابية كذلك ؟ كيف سيتم التفسير للعالم السوي المشاهد لما يحدث محاربة المتطرف الاسلامي للمتطرف الاسلامي الاخر؟ طبعا ليس هناك صعوبة في فهم المشهد للعاقل ، فداعش منذ ظهورها وهي تحارب المسلمين بحجج محاربة غير المسلمين . فبدأت بقتل المسيحيين وتفرغت فيما بعد لقتل المسلمين تحت اي حجة كانت . الفرق انه حين قتال المسيحيين يكون العدو لهم معرفا . فهو صاحب ديانة يمكن الادعاء عليهم بالكفر تلقائيا . وقتال الشيعة والكرد وغيرهم من الفئات الاسلامية قد يكون ايضا مبرر أمام حفنات الموالين لهم والداعمين . ولكن حماس تمثل الاسلام الذي من المفترض انه يشبههم . فحماس تحلم بحلم مشابه لاسلام تعلو راياته رايات خلافات آفلة . وتبريرهم بأن حماس لا تقاتل اليهود كما يجي وأنها متهاونة ، تبدو وكأنها حجة لا يشتريها الا هم . والمفارقة في بيانهم هو طبعا عدم استثنائهم لفتح وعلى ما يبدو من كلامهم انهم رموا طوبتها منذ زمن . ولكن المأساة في الكلام هو تهديد حماس بجعل غزة كما جعلوا الوضع الحالي في مخيم اليرموك. وهنا تأتي المفارقة التي تخص الرئيس ابو مازن بصفته رئيسا للسلطة ولمنظمة التحرير وامين سرها الآن ، بأن ما حصل من تهاون بشأن اليرموك والسماح بقتل اللاجئين من الشعب اللاجيء وترك المخيم ليكون وكرا لاولئك القتلة ، في وقت أثبت ابو مازن مقدرته على السيطرة عند لعب دور البطولة في اطلاق سراح المختطفون السويديون ، فهل هناك اتفاق ما بين الرئيس وداعش على التخلص من حماس عن طريقهم مثلا ؟
قد نصل الى ما يقوله الانسان العادي اليوم ،القول بمثل فخار يطبش بعضه . فقد نكون في مجملنا الغير شديد التدين والراهب من فكرة الاسلام المتطرف لا نأبه لانهيار حماس . وما يجري بحماس ولحماس بغزة اصبح وكأنه جزيرة لا تخصنا الا بالاسم وتبعد عنا ما يفصلها منا قطاعا متقطعا بالارض والوجدان . ولكن ألا يأهب منا صاحب عقل او ذرة فكر ، بأنه اذا ما تمكنت داعش من حماس ، فهذا سيعني بالتأكيد ان داعش ستتمكن منا . فإن لم يعجبنا إسلام حماس ، لنتخيل ما هو اسلام اولئك المرتزقة القتلة .
وقد يكون كذلك من المفارقة بينا داعش اليوم في غزة بعد بيانها بالقدس قبل أسبوع . ليس غريبا ان تحاول داعش حط بذور شرها في الاماكن الاضعف والاقل أمنا . فبين غزة والقدس الحال لا يختلف كثيرا …. فنحن بغبائنا نظن ان اسرائيل ستحمينا بأمنها ، ولا نفهم لغاية اللحظة ان اسرائيل لا تأبه بأمننا بل بأمن شعبها ونحن لسنا منها. ستغض اسرائيل الطرف عن جرائم داعش ان اتت الينا ، وتتدخل بعد ان تتأكد بأن فتيل الفتنة قد اشتعل بين اطياف المجتمع بين مسلمين ومسيحيين وتجلس لتدفيء نفسها بحطبنا بشتائها القادم .
مع الاسف ، ان ما يحدث فينا من تفكك وغياب حقيقي للقيادة الموحدة جعلنا بكل اطيافنا من اشخاص وجماعات طعما سهلا لهذا الوحش المسمى داعش. داعش ذلك الفيروس الذي تفشى ويتفشى ف كل بناء هش سقيم عليل . فلو كنا متماسكون متحابون ، قلقون فيما بيننا على شؤون هذا الوطن لما تمكنوا منا . ولكن هشاشتنا في بنائنا الوطني والاجتماعي جعلتهم يتمكنوا بالرغم من تمكن الاحتلال فينا .
فبين دوام حال لا يتغير ، وحال دوامه محال … تأتي داعش لتكون هي المحال …