تخطى إلى المحتوى

داعش التي تتغذى بعقولنا

لا أريد آن ينتهي بي المطاف دفاعا عن داعش. ولن أدافع بالطبع ، لأن داعش بدءا ونهاية جماعات من المجرمين المرتزقة من المأجورين لمن يدفع أكثر . وفي حالتهم الدفع مقابل إبقاء نار الفتن في ما كان وطنا عربيا مشتعلة . إلا أن هناك بداعش ما يجعلني اتجنب الهجوم اللا منتهي تجاهها لعدة أسباب تتلخص ربما في نقطتين: أن عملية تجنيد الموالون لداعش هم من الناس أمثالنا نساءا ورجالا وشبابا وشابات . والنقطة الأخري ان داعش ليست دخيلة علينا ، فهي ذلك الذي نراه في مرآتنا عندما نمسح عن وجوهنا كل المساحيق ونعري اجسادنا لنراها كما هي .

فمن هنا تبدأ مشكلتي بالتعامل مع داعش . فالتعامل معها ليس كالتعامل مع العدو . فهي صحيح عدو ، الا ان عداءها ليس كعدائنا لإسرائيل باعتبارها دولة احتلال. فداعش تتفشى بيننا ليس من خلال مظاهر العنف والذبح والتطرف التي نشاهدها عبر الشاشات. ليست عدوا بعيدا عنا نستطيع ان نصفه ونعرفه بشخص. فداعش التي نخشاها ليست ابو بكر البغدادي وجماعته . فإن انتبهنا قليلا ، لعرفنا ان شخصية البغدادي تضحملت ولم نعد نسمع عنها . لم يعد هو وجماعته العدو . فداعش أصبحت في كل مكان وبكل شخص يقرر انه داعشي . كل ما تحتاجه داعش لتربي الذعر في النفوس هو إظهار ذاك العلم الاسود بكلماته الثلاث .

ومشكلتنا كالعادة ،بالبعد عن محاولة ايجاد الحلول المنطقية . فكعادتنا ننحاز من تطرف الى تطرف . نهوج ونعوم على نفس العوم . لا نفكر ابدا . ونترك نظريات المؤامرة تحيك حول فكرنا ما تريد وتصبح معششة على أمخاخنا كشباك العنكبوت . لا نرى ولا نفكر الا فيما نحلله من عوارض ونترك كمن عمى الله بصيرتهم نرى بأعيننا وقلوبنا غفلت وغشي عليها فعميت بصيرتنا . نترك التشخيص الحقيقي لحالنا ، وأسبابه وطرق علاجه ونتشبث فقط بعوارضه وآثاره .

ما يجري اليوم ومنذ عام وظهور داعش ، هو رد فعل غوغائي تفتقر الى اي عقلانية . نكيل عليهم السب والذم ونتضرع الى الله بتخليصنا منهم ، وكأن بالدعاء يتم طمسهم والتخلص منهم . ندعو بلا حياء وبكل فخر وتفاخر التخلص منهم وقتلهم . نشاهد الجثث الملقاة ولا نظهر رحمة ، طالما كانت تلك الجثث الملقاة ليست منا . ليست لمن ينتمي الينا . أصبحنا هم ونحن . لا نرثي لحال غير حالنا . نمر فوق الجثث والموت ولقد غالت عن قلوبنا الشفقة والرحمة ..الا فيمن يخصنا . ولا زلنا مثلهم نرفع ايدينا الى من ندعي انه نفس الاله . نصيح الله اكبر على الاعداء اولئك ، وهم يكبرون بالله اكبر عند ذبح ضحاياهم . نلجأ الى الله في حالنا وكربنا ، ويلجأوون هم لنفس الله في انتصاراتهم وفتوحاتهم المزعومة . يتضرعون الى الله بنصرهم مثلنا تماما ، ويطلبون منه ما نطلبه نحن ضدهم . فمن صاحب الحق ومن هو الباطل فيما بيننا وبينهم؟

نبكي ضحايانا ، ونشد عضدنا على التخلص منهم . نحن فقط من نملك الابناء والازواج والاباء ، وهم فقط قتلة خرجوا من أتربة الظلمات ليحاربونا. اولئك القتلة المجرمون ليس لديهم اباء ولا امهات . لا اخوة ولا احبة يبكونهم ويرثوهم ويحزنوا بفقدانهم . نحن فقط من نخسر احبائنا . هم فقط حفنات من الاجرام لا انتماء لها ولا جذور .

كل هذا كان سيكون هو الملاذ الحق لو كان ابو بكر البغدادي وجموعه هم اولئك الذين نحاربهم ويحاربونا . كل هذا الدم الملقى بالجثث بين اهلانات انتصاراتنا عليهم ، وبين عدوانهم علينا . نحن فقط من نخسر بفقداننا وفقدانهم . اولئك المنتمون والمنتسبون اليهم من ابناء شعوبنا هم ابناؤنا . قد يكونوا في مكان قريب بشقة مجاورة ، او شارع مقابل . او زميل من بعيد او قريب في عمل او دراسة . اولئك الذين يتم استقطابهم منا ونفرح بالتخلص منهم هم منا . ذويهم مثلنا يبكونهم . احبائهم مثلنا فقدوهم . في خضم عويلنا الذي افقدنا سمعنا بعد ان افقدنا بصيرتنا ، نسينا اننا لا نتخلص من شخص واحد فقط وينتهي امره . نحن نقصي به عائلة كاملة ، قد تكون مذنبة في رعيها لهكذا شاب او رجل ، ولكنها مثلنا ،قد تكون عائلة فقدت السيطرة على ما يجري داخل بيوتها . تدعي مثلنا ، كانت ، بأن حياتها طبيعية ،تقية ، تسعى لمرضات الله.

مشكلتنا كداعش ، في فكرنا . في فكرنا التكفيري الاقصائي . نبعد كل البعد عن الهون في حبنا او كرهنا . فليس صدفة ان يصبح حبيب الامس عدوه . ليست مصادفة ما يجري في مصر من شلال الدم المصري بلا رأفة . وذلك في سوريا والعراق وعلى حواف لبنان . وذلك السفك بدماء الشيعة بالخليج وسكوتنا المخجل شعوبا وحكومات عما يجري باليمن .

نسكت ونغض الطرف عن اي ظلم لا يطالنا نحن . فلم تكن آخر مصائبنا كوطن عربي نازف ،هتكت فيه إسرائيل دماء شبابنا وابنائنا في غزة على مدار شهرين بلا رمقة رأفة . مصيبتنا عند السكوت الواهن والمليء بالمقت الضغين ان نفس العدو اصابنا جميعا. في كل مرة نسكت او نفرح بصمت او علانية عن خسارة روح منا . وضعنا صخورا على قلوبنا وادعينا الانسانية فقط فيما يخصنا . وندعو بلا خجل للتخلص منهم … ولا نفكر للحظة ، ان كان هؤلاء منتكسون ، مغسولوا الدماغ مثلنا في فكر آخر ، قد يحتاجوا لمن ينقذهم من ذلك الظلام لا لمن يؤكد ان ظلامهم هو الدائم والحال الوحيد لهم.

مصيبتنا في إقصاء فكرنا واحتجابه وراء مفاهيم هي ظلامية بحد ذاتها . إقرارنا بالقتل هو جريمة كذلك . فهم ليسوا بآقل جرما منا . نحن المهللون على جثامينهم . نحن الذين لا نرى الانسانية الا بوجوهنا المقنعة ، بينما ذلك المتطرف المجرم هو نحن كذلك .

أعترف بأني أخشى على داعش تلك التي سنتخلص منها هنا في فلسطين قريبا إذا ما بدأت بشن لهيب شرها علينا . ولكن آخشى اكثر من التفكير الذي يرميني بلا شك الى شباك الحقيقة . فهؤلاء لن يوردوا الينا من الصحراء هناك . هؤلاء سيخرجوا علينا من جحورنا التي نسميها بيوتا . وقد يكون منهم من يكون ابنا واخا ونحن ندعي عدم انتماآتنا لهم بينما نربيهم في أحضاننا . أحضاننا التي تربي التفرقة والعنصرية والإقصاء والكراهية للآخر …مسلما كان ام مسيحيا . محجبا اوم مفرعا . يقيم الصلاة او لا يقوم عن طاولة الخمر . فتحاويا ام حمساويا . مخابرات ام امن وقائي . تنويريا او تكفيريا .

آخشى ان نصبح كمصر ، نتفرج من شبابيك بيوتنا على الاخواني او العسكري وهو يقتل ونفرح للتخلص منه. وأخشى اكثر من عدائنا الفصائلي المتفشي فينا منذ عقد زمن ، فستفرح لهزيمة الفصيل الآخر على يد عدوه وعدونا الخارج منا .

داعش لن يتم استئصالها ما دمنا نستمر بنفس الفكر الذي ينتمون هم له . لن نتخلص من داعش الا اذا ما قمنا باحتواء كافة أفراد المجتمع من أبنائنا وبناتنا .

يجب ان نتخلص من دعوات القتل للتخلص من القتلة . علينا ان نبدأ بالتفكير بتوجهات أخرى تحاكي مشاكل وقضايا شبابنا الذين ينزلقون أمامنا الى جحيم داعش.

يجب ان نبني دعامة لمحاربة داعش باحتواء ابنائنا ومحاولة إرجاعهم بدلا من إعلان وفاتهم والرقص مهللين على قبورهم .

1 أفكار بشأن “داعش التي تتغذى بعقولنا”

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading