التطرف .. هل تكون المرأة حاملة شعلة حرقه؟

محاربة التطرّف ..،هل تكون المرأة حاملة شعلة حرقه ؟
المرأة ومحاربة التطرّف كان عنوان الرحلة التي دعيت إليها مع ٢٤ امرأة من ٢٤ دولة شملت مصر، المغرب، الكويت ، لبنان، كازخستان ، المالديف، السويد، النرويج، بريطانيا ،إيطاليا ، كوسوفو، البلقان ،كرواتيا ، باكستان، بلغاريا، بنغلاديش ، سويسرا وغيرها .
غنى التجربة حمل عدة جوانب لم تقتصر على العنوان او الأماكن التي زرناها . كان أهم ما فيه هذه المجموعة التي اختلفت عما تعودت عليه من التجمعات النسوية في السنوات السابقة . كنا كمرشحات سباق ملكة جمال العالم . كان منا من يتلاءم شكلا ومقاييس تلك المسابقات ، ولكن ما كان ملفتا رؤية الجمال المبهر من خلال عقول النساء . فكل واحدة تحمل بين كتفيها وداخل هندامها المنتقاة بعناية عقل فائق الذكاء . كم تكون المرأة أجمل وأكثر إغراءاً بجمال عقلها . فكل واحدة تبدو كالسهل الممتنع تتسابق بعناية على التأكد بأن مهمتها ورسالتها قد وصلت. فكانت المجموعة مزيج من النساء الفاعلات القائدات التي تم اختيارهن بعناية من قبل القنصليات الامريكية المختلفة في بلدانهن . لم يكن أي وجه متكرر لما دئبت عليه هكذا لقاءات من رائدات قرار ١٣٢٥ الذي أقرته الأمم المتحدة قبل ١٥ عام وكان كن أهم إنجازات الحركة النسوية لما يتضمنه من توسع في حقوق المرأة ومزايا واستحقاقات لم تكن موجودة من قبل . إلا أنه قرار يشبه حال القرارات العربية ، كثير من الكلام والتوقعات وقليل من النتائج والأفعال. خلف وراءه أسماء صنعت أمجادا لنفسها تحت اسم قضية المرأة .
بدأت الرحلة من واشنطن ، وتعرفنا على ما تقوم به أمريكا بحكومتها اليوم من وسائل مضادة للتطرف. مسألة باتت توحد العالم بشرقه وغربه . فداعش نجحت بأن تكون بطلة الاجتماعات كالوحش في أفلام الرعب . فلبنان وحدوده المكشوفة ورهبة المتطرفون من داعش ووسائل ترغيبهم للشباب . والمغرب واندفاع بناته نحو الجهاد الذي لا يفهمه أهله . والكويت التي لا يفهم موقفها ،أهم مجاهدون في إعلامها أم إرهابيون ، وباكستان وبنغلاديش وإرهاب الدولة برداء الإسلاميين من المتطرفين . ومصر وما يحدث فيها من محاربة للتطرف بالداخل وعلى حدودها ، والدنمارك والنرويج وإيطاليا ومشاكل اللاجئين إليهم وعمليات احتوائهم ، وبريطانيا وتجنيد النساء والشباب بداعش بطرق لا يفهم أسبابها وفلسطين بين فكي الاحتلال والانقسام وتجنيد بعض الشباب الى داعش ورفع راياتها بالمساجد .
وبينما يمكن رصد أسباب سرعة التجنيد وسهولته إلى عدة عوامل تتمثل في الإضطهاد والشعور بالظلم لدى الشباب المسلم في البلدان الإسلامية وراية الخلافة الموعودة التي يحلم بها المسلم العربي لإرجاع زمن معاوية وصلاح الدين في ظل قيادات تستمر في عدم الإرتقاء إلى أدنى مستوى من أحلام وطموحات شعوبها . يبدو أن الإثارة والمغامرة هي من تحمل أبناء وبنات الغرب . فالمراهنة تذهب من أجل وعد بأن نصبح زوج خليفة وأمير مرتقب ، وطهارة بزواج لا يقدمه لها الغرب الخالي من النخوة وعزة الرجال . فالمراهقة والمطلقة والأرملة ومن فاتها قطار الزواج صارت داعش لها السبيل الى الاستقرار والسعادة . والجهاد عنوان الشباب الذي يرتقي من تائه خال فاشل إلى مجاهد ومقاتل وأمير وإن فتح الله عليه قد يكون الخليفة .
قد تكون الإدارة الأمريكية حاولت عبثاً عدم الخوض في ما سببته وقادته من حروب أشعلت النيران في العالم الإسلامي منذ القاعدة ووقوفا اليوم بداعش وأخواتها من حركات متطرفة دموية . يبدو أنها تنشغل وبحق بإخراج أينائها وبناتها من فوهة بركان داعش الذي لا يزال يتفجر ويحرق في طريقه الأخضر من الناس واليابس .
بكل المشاهدات التي رأيناها هناك ابتداءاً من وزارة الدولة والجمعيات الحكومية والغير حكومية التي تعمل في محاربة التطرّف سواءاًعن طريق تقديم تحليل أو حلول أو مراقبة أو خدمات ، كان الهدف الدائم هو محاولة رصد ما يجري من تجنيد والسيطرة عليه . فالخطر المحيط بهم ليس له مقاس خاص ، كالسرطان المتفشي داخل الجسد ما أن تتمكن منه بمكان حتى يحاصرك من مكان آخر . والطريقة الجلية في المعالجة كانت منذ اللحظة الاولى واستمرت لمرات في كافة مؤسسات الدولة من مكتب المحافظ بنيو يورك والشرطة والمؤسسات الخدماتية والإعلام المكتوب وصولا بسان فرانسيسكو كرونيكلز هو ‘الإحتواء’ و ‘التوحد’ بالاتفاق على خطر واحد . لفت انتباهي مثلا استخدام متكرر بكلمة ‘إرهابي’ و’قتل’ من قبل البعض بالمجموعة عند التكلم عن خطر المتطرفون ووسائل التخلص منهم . في حين لم يستعمل الأمريكيون بكل مستوياتهم بالاجتماعات المختلفة كلمة ‘ارهابي’ او ‘ قتل’ للتخلص منهم . طبعا هم لا يحتاجوا الى ذلك فحالنا في البلدان العربية والإسلامية كالفخار الذي يكسِّر بعضه. إلا أنني لم أسمع اقتراح واحد من الجانب الامريكي أو الاوروبي بالاشارة الى قتلهم . فالجميع عندهم قي مهمة تسمى ‘احتواء و إرجاع’ يتناوب الجميع على القيام بها بمجاله .
تعدت الاقتراحات من قبل المجموعة فكان التركيز على التعليم ونشر حملات توعوية مضادة والعمل على أبحاث علمية في مجالات التطرّف ومحاربته وخلق برامج تساعد على عمل توازن اجتماعي وتحقيق العدالة من جملة المقترحات .
فقد يكون التركيز على إعطاء المرأة فرص حقيقية بالقيادة هو الأهم . ولن يكون هذا عن طريق الكوتة أو إجبار وضعها في مشاريع ، ولكن عن طريق الاستثمار الحقيقي في تعليمها . فالمرأة إذا ما أعطيت فرص التعليم التي يأخذها الرجل من الخروج من الدوائر التعليمية المحلية وإفساح المجال لها لتفتح آفاقها الخاصة ، سترجع إلى بلدها بمعايير لا تقل عم تلك التي تجعل الرجل في مقدمة الأعمال والمناصب المختلفة . والمرأة هذه هي الأم والأخت والزوجة والإبنة . إذا صلح تعليمها ، صلحت ثقافتها وقوي ايمانها فتعمر بيوتنا .
ريما يحتاج العالم اليوم الى أن يعكس اهتماماته فيما يسمى ‘تمكين ‘ للمرأة و’تعليم ‘ للرجل . فالمرأة منا تمكنت من خلال كل هذه البرامج حتى أصبحت تبني من تمكينها حيطان في غرف بيوتها عزلتها عن الواقع الغير ‘ ممكّن ‘ للمجتمع الذكوري حولها . فالرجل هو الذي يحتاج الى عملية تمكين في رؤية مختلفة لدوره ودور المرأة . فهو من يحتاج اليوم للتدريب والتمكين عن عدم مركزيته وكما وصفه نزار بأنه لا يقبل بدور غير أدوار البطولة . فتعليم الرجل أفاده هو وجعله يتمركز أكثر حول نفسه ومن أحل نفسه .خلق امرأة متعلمة بنفس القدر الذي يسمح للرجل بالتعلم فيه من فرص للخروج واختيار التخصصات التي تتمناها وتشعر انها ترتقي اليها سيخلق مجتمعا سليما وقويما . فالاستثمار يامرأة واحدة هو استثمار بأسرة ومجتمع كامل . فالمرأة اذا ما انفتح العالم أمامها بالعلم تستطيع بحبها لعائلتها ان تمنع التطرّف وتمحيه . فحب الأم والزوجة والإبنة والأخت للإبن والزوج والأخ والأب هو فقط ما يعطي معنى وجوديّ للحياة . فالأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق .
فبين حكومات متخبطة في الشرق والغرب من العالم . القوة والسيطرة هي عنوان أجنداتهم وحروبهم . تعيش الشعوب في تيه مليء بالتخبط بين مشاكل اجتماعية حقيقية وإعلام مكتوب وإلكتروني ، اصبح التالي يتحكم في رصد كل ما طلب من أخبار ومعلومات من الصعب فرز ما يصدق منها وما هو من صنع الأطراف المختلفة في أقطاب النزاعات . فقد الإعلام المكتوب الكثير من ثقة الشعوب لأنه أصبح تلقائيا يتكلم بصوت أو صدى الحكومات . فنعيش اليوم في الصحافة ما يسمى بالرقابة الذاتية مما قلل من قمع الحكومات ورقابتها . يبقى الإعلام الالكتروني بلا تحكم يدخل البيوت من كل الاتجاهات . وعليه تقف المرأة بوعيها محاربة له أو حاضنة له بانغلاقها وتبعيتها المطلوبة منها اجتماعيا وتقليديا . فالمرأة هي العنوان في اخماد فتيل نيران التطرّف وهي العنوان في إشعاله . لأن التطرّف ومضاده يتربى بين أكناف أسرة تنشئها إمرأة.

اترك رد