تخطى إلى المحتوى

مهاترات وطن:الفرق بيننا وبينهم

الفرق بيننا وبينهم….

تناقلت الصحافة الإسرائيلية منذ أيام ،موضوع فتح تحقيقات في مصروفات رئيس الحكومة الإسرائيلية نتانياهو ، بين أمور قد تكون عادية إذا ما نظرنا الى امورنا في الجهة المقابلة . يعني بأن تكون زوجة نتانياهو اقتصادية وجشعة في نفس الوقت في تجميعها للقناني الزجاجية وأخذ اثمانها ، او شراء عفش للسكن الرسمي ووضعه بالسكن العادي . وغيرها من مصاريف نتانياهو وعائلته التي تبدو مبالغ فيها في مقاييس الدولة الاسرائيلية . وهذا التحقيق ليس بجديد او غريب . فإسرائيل ومدعيها العام وما يمكن تسميته بمنظومتنا هيئة الفساد لديهم فاعلة ولا تكل عن كشف اي فساد مهما صغر او كبر . فباللحظة التي يفتح فيها تحقيقي بفساد ما ، ترى الدولة بكل ارجائها تهرع للتحقق والمتابعة من جهة ، والشخص موضوع التهمة يهرول للدفاع بكل ما اوتى من امكانيات للدفاع . في كل الحالات ترى الشفافية سيدة الموقف . تقف الصحافة بالمرصاد للطرفين ، وتجدها لا تعرف ابوها في هكذا تحقيقات . لا تميز بين رئيس ولا بواب. الكل امام الساحة المكشوفة هذه أسوياء . والكل يقع تحت طائلة القانون والمحاسبة . ولا ترى في إسرائيل قضية فساد او تحقيق في امر جنائي ما فتح امام الصحافة وعلى مرآى الجمهور الا ولقد أغلق أو فسر بما يتفق مع احترام عقول الجماهير .

أما عندنا ، فهناك هيئة فساد ومؤسسات تعني بالشفافية وأخرى لحقوق الإنسان . عندنا مدعي عام ومستشارون لا تعرف متى وماذا ولماذا عينوا في شؤون كهذه . لجان تحقيقات ، تفتح لها المكاتب وترصد لها الميزانيات مثل غولدستون ومقتل عرفات وينتهي التحقيق او لا ينتهي تستمر اللجان بالعمل ولا يعرف الجمهور منا اي تفصيلة مهما كبرت او صغرت . لا نعرف الا ما يتم رميه على الصحافة من معلومات خاوية لا تحتوي على اكثر من عنوان واسماء ولجان ويستمر التحقيق او يغلق ..لا يهم ، فهذه كلها اسرار سيادية في صندوق اسود.

هو للحقيقة وجود صندوق اسود لاسرار تخص الامن العام والدولة والسيادة قد يكون مقبولا على مواطنين في دول ، او بالاحرى تحت سلطات لا تزال نامية . ولكن الاستقرار في هذا المجال مطلوب . والاستقرار هنا ، مطلوب للمواطن الذي لا يفهم ولا يفقه ويعيش في تغييب ويتم التعامل معه كأنه لوحة مفاتيح يتحكم فيها بعض اشخاص عن بعد . إطفي ،إضوي. لا أعرف لما علينا ان نعرف عن موضوع فتح قضية فساد او الاشتباه بجريمة او انحراف ما من شخص عام ، يعتبر مهما واعتباريا او غير عام ولا اعتباري على مانشتات المواقع والجرائد بكلمات كبيرة وايحاءات بجرائم تنهي حياته وعمله الى الابد ناهيك عن سمعة انسان لا يأبه فيها ولها أحد ، وتذهب الأيام والشهور والسنين وتعود ولا نعرف عن هذه الملفات شيء . تفتح في العلن وتغلق في السر . اكان الشخص المعني بريئا او مذنبا لا يعرف احد . المعلومات يتم تداولها بين تحليلات وتوقعات على المقاهي وفي المكاتب ولا يجرؤ احد على الكلام بصوت عال او البوح . الكل يعرف اسرارا مؤكدة والكل يعيش في حالة يقين مضروبة ، موثوقة ، وصلته من شخصية كبيرة مرموقة ما.

تاريخنا الفلسطيني الملىء بقضايا الفساد المفتوحة التي لا يزال اصحابها طلقاء ومتهمون . وقضايا الاغتيالات التي لا نزال نبحث فيها عن قاتل او متهم . وفي حالنا المزري . في الفساد لا نستطيع لوم الاحتلال . فالفساد يجسد نفسه كحالة لا يمكن لوم الاحتلال فيها . فهدر الاموال العامة والغنى المفاجيء والسيارات والعقارات والسفر والمتاجرة بكل ما يزيد من أكوام الاموال ،الاحتلال يقف بريئا امامه متعريا بالمطلق. المصيبة الكبرى في قضايا الاغتيالات التي رافقتنا كشعب وقبل وجود السلطة . الاغتيالات التي طالما ألبسنا جرائمها للاحتلال ولا نزال . والحق هنا ان الاحتلال لا يزال المتهم الاساسي بكل جريمة بهذا المستوى . ولكن تبين اليوم لنا بأن الاحتلال وان نفذ وضلع واستفاد من هكذا اغتيالات ، فإن اليد التي نفذت كانت ولا تزال يدا فلسطينية . وليست اي يد . ليست يد الجمهور الذي ينتظر أجوبة وانتصار حق . يد كانت ولا تزال قريبة من صنع القرار الفلسطيني بالمنفى واليوم هنا على الارض.

اليوم يصادف ذكرى اغتيال ناجي العلي ، الذي لا يزال القاتل فيها طليقا والجريمة معلقة على حبال الاحتلال . الحقيقة المفجعة للنضال الفلسطيني الذي كان في المنفى يصفي بعضه الاخر وسط نزاعات لا نزال نحن العامة لا نفهم عنها ولا ندرك منها شيئا .

ولا أعرف ان كان من قبيل المصادفة ام انه صار من طبيعة الحال ، ان هذه الايام أيضا يتصادف فيها إعلان إغلاق التحقيق في قضية اغتيال ياسر عرفات .

وكسكوتنا المخجل عن الصغائر ، يأتي سكوتنا الفاضح عن الكبائر . إغتيالات راح ضحيتها رموز وشخوص ، بكل الاحوال فقدوا لاهل ولاحبة ولعائلات . كانت قضاياهم تخص الاقربون منهم وكان بحثهم عن الحقيقة والفاعل خاصا بهم مهما تحولت القضية الى قضية رأي عام . إلا ان قضية ياسر عرفات واغتياله المؤكد اليوم لا يمكن ان تكون قضية شخصية لعائلة او لقريب للضحية مهما توسعت لتصبح قضية رأي عام . هي قضية خاصة جدا . قضية اغتيال وطن في رجل عاش ليكون رمزا للقضية. قضية يبدو وانها اغتيلت باغتياله.

من ناحية ، قد يكون ما يجري طبيعيا . فنحن نعيش في ظل انتكاسة انسانية مجتمعية تكاد تطالنا جميعا . فالفساد المستفحل والانحلال الاخلاقي والتسيب وانعكاس الحق باطل والعكس ، يجعل إغلاق قضية اغتيال عرفات عاديا . فالشعب نفسه تم اغتياله على يد أصحابه . ولكن مع بقاء ذلك النفس فينا بين كوننا اليوم اشباه ناس او اشباه مواطنون . يبقى ذلك الامل في العمل على ايجاد مخرج ما من هذه الهوة الساحقة التي بدأت بناهياره علينا ولم يتبق الكثير مما تبقى فينا من أنفاس.

يبقى ما تبقى بيننا وبينهم في ديمومة الإحتلال ونتفرق فيما بيننا وبينهم في تحررهم  المستمر

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading