تخطى إلى المحتوى

المخرج الوحيد الممكن: انتخابات

أقلب فيما يجري من أحداث في الايام الاخيرة ، واغلق الكمبيوتر واهرب لسلسلة روايات المؤرخ الاديب جرجي زيدان في التاريخ الاسلامي ، لأجد نفسي في قعر حفرة لواقع يخترق الممكن والمستحيل ولا ينطبق علينا من الأمثال الا عكس مبدأ “دوام الحال من المحال”. “فتغيير الحال هو المحال”.

بين تاريخ العرب والمسلمين الذي نعيش ارتداداته كشعوب انبثقنا من سلالتة العرقية والقبلية ، وبين واقعنا اليوم ، يبدو ان ما نحياه ما هو الا جزء من ماهيتنا وهويتنا . فنحن نتاج لهذا الامتداد. والحديث في ماضي كان التاريخ فيه من وجهة نظرنا عريق ، او مليء بمؤامرات لم تنته حتى بانتهاء الامبراطورية الاسلامية . او الحديث في الحاضر الهزيل الذي لا تزال المؤامرات عنوان محاكاته ، لا يعدو اللغو . ولا اعرف اذا ما كانت حالتنا هذه هي انعكاس لواقع واضح تنعدم فيه الرؤيا من قبل القيادة فيكون واقع الحديث الشعبي مطابقا في فراغه للخطاب السياسي.

منذ تفجر الأوضاع بالشهرين الماضيين ، عاش المجتمع الفلسطيني حالة ترقب جديدة ، تختلف هذه المرة في التوقعات منها . فبعد تسلسل الاخفاقات التاريخية مع كل هبة وانتفاضة . يقف كل من عاصر اي من الانتفاضات أمام مواجهة لا يستطيع الهروب منها : ما الذي سيحصل بعد هذا ؟ من الذي سيجني ثمن الدم وكيف ؟ وما الذي سنحقق؟ والجواب صار حتمي ولا يحتاج منا الى تحليلات . فهذا اليأس من التغيير في الواقع السياسي الفلسطيني خصوصا وما يجري من حالة السبات العربي بشأن القضية الفلسطينية عموما ، طوق فرص الامل اكثر بحل عادل.

ولكن ، حتى ولو سمحنا لأنفسنا بالتمني ، وتخيلنا مشهدا تحريريا اصيلا . فان احلامنا لم تعد تتعد الواقع . بين نضوج ربما ، او يأس. يعرف الانسان الفلسطيني اليوم ان الحلول الحالمة لم تعد موجودة . والأرض التي نتفاوض عليها هي ليست الارض التي تم اغتصابها .فنحن نساوم على الفتات من اجل البقاء . من اجل البقاء فقط.

فمن كان يتخيل ، انه سيأتي يوم ، يأتي الوسيط الامريكي وفي وسط الدم وفي عصر الانترنت وتصوير الفظائع ليدافع علنا وجهارا بداخل المقاطعة الفلسطينية عن جرائم الاحتلال ويطالبنا بدرء ارهابنا عنهم ؟ في الماضي كنا تعترض على نفاقهم ، وكيف كانوا يدعوا وقوفهم ودعمهم وتفهمهم الهش معنا في دارنا ، ويعلنوا دعمهم لهم في دارهم .

من كان يتخيل ، انه وبينما تتصاعد ارواح الشهداء بالاعداد يوميا ، تعلن الامارات افتتاح سفارة اسرائيل في ابو ظبي .  تلك الايام التي كان العربيهدد باغلاق سفاراتهم ويلوحوا بقطع العلاقات اصبحت وكأنها ماضي في تاريخ الامة العتيدة ،

ومع هذا كله

تتحرك القيادة الفلسطينية باتجاه داخلي  غريب ، نسمع عن مصالحة بين الاطراف المتصارعة على عرش قيادة دولة رام الله ، ومحاولات للمصالحة بين قطبي الصراع الفتحاوي (دحلان -عباس) . وينجح  اقطاب الحزب نوعا ما بإرجاع الشارع او إشغاله بالسؤال الطاغي على المرحلة الحالية ،  والذي يشغل احاديث المقاهي وتحليلات الصحافة ومداولات الفيس بوك : من سيخلف الرئيس؟ تتعدد اشكال السؤال بين “من هو الرجل الممكن القادم” وبين اشاعات باخبار تصدر من مكتب الرئيس قبل شهرين (او اي مصدر آخر) عن استقالته او تعيين نائبا له . وفيما بين البينين تزداد الفضائح من تسريبات لحروب شوارع . ويبقى السؤال الشاغل : من هو الرجل القادم؟

والجواب على هذا السؤال مستحيل ، ولن تستطيع عرافة التنبؤ به ولن تتمكن قوة المخابرات الامريكية والاسرائيلية اعطاء القرار فيه ، ولن يقوى شيخ الفتوى بأمره.

فأبو مازن باق حتى يخرج الرجل القادم. متى وكيف واين لا يهم . واذا كنا نظن ان هناك قدرة الهية سيكون امرها مفعولا ، فهذا حتى لن يكون . وكعادتنا تركنا الوطن والقضية وصار شغلنا الشاغل شخص الرئيس. فبمجتمعات تبنى على” عاش الرئيس” ، ليس من الغريب ان يكون الوطن، بقيامه وانهياره بشخص الرئيس.

والرئيس ليس المذنب هنا .ولا اتهكم بالقول ان وجوده مهم ومصيري للشعب في انعدام الافق امامنا . فوجوده هو صمام الامان من الاقتتال الداخلي والانفلات الامني. وفي حمى التلهث على المناصب سيقتل الاب ابنه اذا ما لا قدر الله حصل مكروه للرئيس.

بينما الحل واضح وموجود اذا ما اريد مخرجا من هذه الهوة السحيقة ، وهو اجراء انتخابات . ليكن الشعب هو من يقرر رئيسه ، وعليه يتحمل نتائج اختياراته . الا انني أشارك الرئيس وحزبه مخاوفهم من انعدام فرصهم بالفوز في ظل هذا الاهتراء الذي طال المؤسسات والمواطن نفسه. وكغيري ، اخاف من هيمنة الحزب الاخر لانه تجربته ليست بأفضل، على الاقل من ناحية الترهيب والحقوق العامة وغيره مما نسمع عنه في اختلاط الحقيقة والخيال من أفعال على “الجزيرة” الاخرى من الوطن.

ولكن بين خوفي وخوف الرئيس نقع كلانا في عمق هذه الهوة التي تتهاوى علينا. فالرئيس لابد يعي تماما انه لا يستطيع ان يبقى مدى الحياة ، ادام الله عمره. ولكنه شريك في هذا الشرك ، سواءا كان ذاك عن قصد ام لا. فهو في نفس الحال من التساؤل وعدم المعرفة عما يخبئه اليوم التالي للرئيس الجديد اذا ما جاء ، لانه ادرى بحال الاقوياء المرشحون لخلافته. وان كنت افهم الخوف من الانتخابات العامة وترجيح النتيجة للحزب العدو (مش اسرائيل طبعا) . ولكني لا افهم التخوف من اجراء انتخابات في حزبه . فما يبدو للعين الساذجة مثلي ، بأنه يخشى التغيير حتى من عنده. وليس الوصول الى هنا بجديد. فمنذ مدة وتصر “فتح” على ان تثبت لنا بأن الخلل فيها . فالهيمنة المطلقة التي وصلت الى البلطجة ويغرقها الفساد بكافة اشكاله والوانه ، اصابت من في فتح ومن ليسوا فيها .

من القديم القول الآن ان فتح لم تتعلم من هزيمة الانتخابات السابقة . فالدرس الوحيد الذي تعلمته هو عدم الخوض في انتخابات اخرى . وهزيمة انتخابات مجلس الطلبة في بيرزيت  كان هو المنبه الاخير بان الحال الفتحاوي وصل الى حال يرثى له فيه في عقر داره . وهذا على ما يبدو لم يدق اي ناقوس لخطر او لتحذير. فيستمر الحال الفتحاوي في فرض سلطة تبدو مسعورة في الاجتياح نحوها . فالتسابق على الهيمنة في المناصب الحكومية والتربع على الوزارات والمؤسسات وكأن الاستحقاق الفتحاوي هو ما يعرف الوطن والمواطن ، وما حدث  في نابلس من الانقلاب على البلدية الغير فتحاوية الرجال كاملة . يؤكد على امر واحد. ان فتح في حالة تفجير ذاتي . سرعان ما ستقضي على كل من فيها ومن يحيطها.

واليوم في سباق الشهداء ، يتسابق مشهد رفع العلم الاصفر على الجنازات في احسن الاحوال

في السابق، (عندما كنت صغيرة ، وكان حلم الوطن كبيرا) لم اكن اميز بين فتح ومنظمة التحرير وفلسطين . كنت اظن ان كلمة فتح هي اختصار ما لفلسطين . كنت اعتقد ان الشعب الفلسطيني فتحاوي الدم . ولم ازل اقل هذا حتى استفحل الخراب في فتح ، فصرت اشعر بالحسرة على حالنا ، اذا ما كان هذا هو دمنا . المشكلة اليوم ، ان فتح لم تعد مشاكلها تخصها كحزب . فما يجري في فتح يجري على الوطن والمواطن . كيف تحولت فتح من حزب التحرير الى حزب الخلافة لا افهم .

لازلت لا افهم كيف يكون هناك شعب لا تزال امهاته تقدم ابناءها قرابين فداءا لوطن شغفه التحرر . شعب ابناؤه يكبروا ويكهلوا ويموتوا في سجون الاحتلال الغاشم . شعب لا يزال نصفه اسمه لاجيء . شعب لا يزال الاحتلال ينخر فيه فلم يعد منه الا الانسان وما تبقى من جذع زيتون يؤكد صموده. شعب قدم دمه ليروي تراب الوطن . شعب يحمل نعشه على كتفه في كل لحظة من اجل كرامة وطن يصبو الى حرية ينزعها الاحتلال عنوة على حاجز وفوق مستعمرة وعلى دبابة تهدم بيتا وآلية من جنود ووحوش تنهب وتحرق الارض والشجر والبشر.

كيف يكون هذا شعب يحكمه الصراع على الكراسي والتسابق على المناصب ويستفحل فيه الفساد ؟

الا يوجد حكيم في هذه القيادة يرى ما نراه نحن الشعب ؟ الا يوجد في هذه القيادة من عاقل ينزل الشارع فيرى ويسمع ويشعر بالخطر الذي نشعره ؟

كيف نعيش والقيادة في وطن رحمه بالكاد يتسع لنا ، ومع هذا نكون في فقاعتين منفصلتين لا تتأثر احدهما بالاخرى ؟ هل نحن المنفصمون ام القيادة ؟ هل الخلل فينا ام بهم ؟ هل التغيير سيأتي منا ام منهم؟

اين الحل ؟ عندنا ؟ ام عندهم؟ اننتظر حلهم ؟

وفي مكان ما ، وسط يأس محتم ، يخرج مني بصيص تأمل حالم … لا يزال الرئيس يملك مفتاح حل … إجراء انتخابات فورية. يترك للشعب حرية القرار في مصيره . قبل عقود كان نداؤنا لحق تقرير المصير من اسرائيل .. اليوم نحتاج حق تقرير مصيرنا من القيادة الفلسطينية.

فلو كان هناك حكيم في مجلس أبو مازن، لقال له : لنقلب الطاولة على الجميع : اسرائيل، حماس، ،قوى فتح المتصارعة، الشعب المتذمر ، العالم المتخاذل، ولنجري انتخابات . الجسم الوحيد الذي لا يزال فاعلا في هذا الكيان هو لجنة الانتخابات التي تنتظر منذ سنوات اجراء انتخابات . فالحمد لله ،قلة الرجوع اليها ابقاها في مصداقيتها ونزاهتها .

الانتخابات كفيلة ان تعيد ضخ دم جديد في القيادة ، مهما كانت النتائج . واليوم وفي ظل الحراك الشعبي على الارض، لا بد من خروج قيادات جديدة لن ترضى بما كان ، وستحاول مهما كانت انتماآتها بتغيير بعض الواقع

اعرف ان دعوتي لن تسمع ، والانتخابات لن تجري … واعرف ان املي بالشعب اقوى من املي بالقيادة … فهؤلاء الشباب اعادوا لقلوبنا المتحسرة بعض الحياة ، ولكن من يدري. فرحمة الله قد تصل الى القيادة الغراء … وقد يلبي الله الدعاء …

 

 

1 أفكار بشأن “المخرج الوحيد الممكن: انتخابات”

اترك رداً على oldpoet56إلغاء الرد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading