تخطى إلى المحتوى

حرب من نافذة مكتبي

حرب ….من نافذة مكتبي
في العام الماضي ، ووسط ايام كهذه ، كانت الاقصى هي عنوان الوضع المتفجر ، والشهداء يرتقون وكآنهم في سباق نحو السماء في حراك نحو محاولات ذاتية لا تقنية تجمعها ولا آليه ،. الا ان عنوانها كان دائما محاولة ضحد ظلم واقع بعنجهية طال البشر والحجر فارتعشت الروح بأجساد وضعت حياتها للظلم الغاشم بالمرصاد.

واليوم تعيد المشاهد نفسها امام مكتبي بالجامعة . ومع اختلاف التاريخ واخذ المظاهرات عنوان اخر ، الا ان مجريات الاحداث ومشاعرها تتشابه .. فقط تختلف الاسماء
لم يتوقف المطر عن الهطول بغزارة منذ الأمس. وكأن السماء تشارك الغوغاء المتفجرة على الأرض. ما تلبث القدس تستعيد أنفاسها من فاجعة جديدة بمقتل شاب أو صبي . إصابة موجعة لطفل أو طفلة . خبر سجن فلان وضرب علان . تنفيذ قرار هدم بيت هذا ومخالفة باهظة على ذاك ،حتى نفجع من جديد على مأساة لعائلة جديدة.
مأساة الأمس كان ضحيتها يوسف ابن ال ٣٢ ربيعا ووالد لطفلين صغيرين، حين وجد معلقا من رقبته على قضبان حافلة النقل الإسرائيلية التي يعمل عليها كسائق..
وكالعادة في ما بتنا نمارسه من حياة تملؤها المصائب عند مواجهة عنجهية وجبروت الاحتلال ، تقترب المآسي والأوجاع أكثر إلى بيوتنا . في مرحلة ما نوهم أنفسنا بأننا محصنون من المصائب التي نشاهدها ونسمعها من خلال الشاشات والاذاعات .
ما شهدته القدس منذ مقتل الفتى محمد أبو خضير الذي حرقت بحرقه قلوبنا ، قرب المشهد أكثر ليكون واقعا . فالكارثة تنتظرك على باب منزلك . وقد يكون الضحية القادمة ابنك . قد تخرج من بيتك لكي لا تعود . فجأة أصبحت كوابيس النكبة حقيقة يعيشها جيلنا بعد أكثر من ستين عاما بروايتنا التي لم يبدأ التاريخ بكتابتها بعد.
وككل يوم في حياتنا ، أصبح المجهول جزء يرافق مسارنا اليومي ، الذي لم يعد هناك ما يفاجئه من هول المصائب.
قبل عام كنت أتذمر من رائحة الغاز المسيل للدموع التي تخترق الأنفاس وكأن حفنة من الفلفل الحار مسح بها وجهك وأشعلت لهيبا تشعر به برئتيك تشتعلان
عندما يقرر جنود الاحتلال استفزاز طلاب المدارس وطلاب الجامعة والتمركز أمام سور الجامعة وتوجيه بنادقهم نحونا كطلاب وموظفين. صار الحدث وكأنه جزءا من اليوم حتى أني صرت أستغرب اليوم الذي لا يبدأ بمشاهدة الدبابة الإسرائيلية على الشارع المقابل لمكتبي في الجامعة..
IMG_9055 IMG_9036 IMG_9049 IMG_9063 IMG_9043مشهد رفضت الاستسلام له ، كنت أظنه خرقا لا يمكن السماح به . فأين حرمة الحرم الجامعي ؟ أين حقوق الانسان ؟ أين حرية التعليم ؟ ولشهور متتابعة ، أصبح لدينا من أشكال وأحجام للقنابل والرصاصات التي أطلقت على حرم الجامعة ما عملنا منه معرضا نفضح فيه ممارسات الاحتلال في هجمته المتبجحة غير المبررة فعلا على الحرم الجامعي.
أعرف أن جامعة القدس تقف كالشوكة في حلقهم. فنحن هنا … نكبر ونستمر على الرغم منهم ومن عنجهيتهم وأسلحتهم واستبدادهم . أحاطوا الجامعة بجدار عنصري فصلها عن قلب القدس ليصبح الوصول إليها شاقا ، واستمرت الجامعة بالنمو والبناء إلا أنه بلحظة ما هناك ما يرفض بداخلنا الخضوع إلى واقع كهذا. فتخيل أن تأتي إلى جامعتك ويكون المشهد المحيط بك هو جدارا فاصلا تقابله البلدة القديمة وتشرب فنجان قهوتك على مشهد لدبابة الاحتلال تتمركز أمامك وتوجه أسلحتها نحوك ،أنت تستمر باحتساء القهوة وكأنه مشهد يومي طبيعي ، يساوي مشاهدتك لمنظر طبيعة خلاب وأزهار محيطة وطيور تزقزق فوقك.
اليوم تحول المشهد إلى ساحه حرب حقيقيه . فبلدة أبو ديس تنتفض منذ ساعات الفجر غضبا على شهيدها ورفضا لسياسات الاحتلال، فقتله كان بشعا ، وسرعان ما بدأ الاحتلال ببث الأكاذيب لتغطية الجريمة . القتلة أحرار في مكان ما ، يخططون لجريمة بشعة أخرى بينما تلفق حكومة الاحتلال اتهامات على الضحية نفسها. كم هو محزن وضعنا !!! ففي لحظة مقتل إسرائيلي أو جرحه تغلق المدينة بالكامل وبطريقة تشبه الأفلام البوليسية يتم قتل الفلسطيني المدافع عن قضيته العادله وإعدامه فورا . يقتل وتقتل معه الحقيقه للأبد. وتبقى فقط رواية الحكومه الإسرائيلية وشرطتها . وإذا ما تم قتل الفلسطيني ، فهو أيضا مجرم بروايتهم وتلفق حقيقة أخرى من قبل الاحتلال عليه ليصبح إما منتحرا أو هاربا أو قتل على خلفية شجار عائلي.
المشهد أمام المكتب يشبه ما نراه على شاشات التلفاز ، فجأه اشتعلت الإطارات ، وكتل هائلة من الدخان الأسود صعدت إلى السماء وامتزجت بغيومها ولم تستطع الأمطار إيقافها . وكأن السماء تحتاج إلى تلبد أكثر .
بدأ الشباب الملثم بالظهور من كل مكان … بعضهم بمطرقات لمحاولات يائسة بتحطيم الجدار العنصري الأسمنتي المصفح. مشهد مبكي مضحك . يملؤه الكثير من المشاعر المتضاربة . نترقب من مكاتبنا وفناجين قهوتنا التي تجمدت هي الأخرى بين أيدينا ونحن في هول المشهد . وكأننا نحرسهم إذا ما جاءت سيارات ودبابات جيش الاحتلال.
مع كل صرخه كنا نهرول مختبئين وراء أقرب حائط ومع كل صوت لإطلاق رصاصة أو قنبلة نختبىء .خلف الجدران والبعض يفترش الأرض لتلاشي غدر الرصاصات وعبثها في أجساد الفلسطينيين التي طالما اخترقت الأجساد عنوة وبلا استئذان.
تبدأ سيارات الاسعاف بالاقتراب من المكان . نصلي في صمت راجين الله أن لا يكون هناك إصابات .
صياح ، ركض، هرولة ، نداء وسكوت …للحظات ، لدقائق كثيرة ممكن..
هدوء ، انتهت المواجهة بدون كوارث …نظن .
أرجع إلى مكتبي ، أبدأ بعمل فنجان قهوة آخر بدل ذلك الذي تجمد في مكانه معي قبل قليل.
افكر فيما يحدث ، وفجأة ، ومرة أخرى … صراخ ، ركض ، نداء ، اطار آخر مشتعل ، شباب يتراكضون من جديد .. صراخ ب “الله أكبر” مع كل شاب يتسلق على الجدار .
أهرول إلي موقع المراقبة من جديد ، اختبىء وراء الحائط مع كل صرخة أو حتى صوت . تزداد طلقات الأعيرة الناريه والمطاطية . أهرب إلى غرفة أخرى فالقنبلة كانت قريبة والطلقات تضرب في أذني وكأنها تضرب على الأرض بجانبي.
تحول المكان إلى ثكنة عسكرية مغلقة بأمر من الاحتلال . أفرغ أمن الجامعة منذ الصباح ، وأصبحنا محاصرون في مكاتبنا . نستنشق الغاز الخانق والمسيل للدموع معا ، ولا نستطيع الخروج فالطلقات عشوائية ولا يوجد مكان آمن أكثر .
لا بد أنه صباح لن يكون فيه إلا رائحة لقهوة لن أستطيع تذوقها ..
أفكر بالعودة إلى البيت.
تخلى الجامعة تدريجيا .
أحاول الخروج .
استرق نظرة أخيرة للمكان .
لم يعد شارعا …
إنها ساحة حرب.
أبطالها شباب أصبح اختراق الجدار طموحهم لكسر بطش الظلم الذي يودي بحياتهم.
استعمال أبسط الأدوات لاختراق جدار الفصل العنصري وقد تكون النتيجة فقدان الحياة.
حياة لا تعني لهم الكثير في ظل فقدان عزير أو قريب أو صديق كل يوم.
محاولين بجدية هزلية كسر احتلال قبضته غاشمه.
عنصريته بدت تطال لقمة عيشهم …فيوسف كان شهيد لقمة العيش .

لتستيقظ عيون القدس من جديد على حادث آخر، شهداؤه هذه المرة قد يكونوا منفذي عملية داخل معهد ديني على أنقاض ما كان قرية دير ياسين.
وكأن الحرب العنصرية المقدسة ….هي عنوان المرحلة الجديدة.

من نافذة مكتبي ….. حرب.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading