تخطى إلى المحتوى

مقال ٧ أيام..بعد كل الجدل الديني والفكري الذي اثاره د.يوسف زيدان

يبدو انه لا يوجد أي أهمية لحقيقة المعلومة في يومنا هذا . في السابق كنا أسرى للإعلام المكتوب وما يقره من حقائق . . فكان يكفي أن تخرج العناوين بموضوع مثير ليثار جدلا واسعا لا ينتهي الا بشفاء غليلنا من ضحية ذلك الموسم في الإعلام.

واليوم الوضع لا يختلف. فالمشكلة ليست بالاعلام المضلل فقط . ولكن بمتلقي المعلومة الذي يصر على تعنته وجهله. يشبه الوضع كالنار المتشوقة للزيت الذي يزيد من لهيبها . بعد إعلان الحرب على د.يوسف زيدان واتهامه باتهامات كثيرة وصلت الى الدعوة الى تكفيره . ظننت انه يكفي لأي عاقل أن يشاهد الحلقة التلفزيونية التي احتوت على رده وتوضيح وجهة نظره وموقفه مما أشعل المواقع الإعلامية بعناوينها عليه. ولكن لا يوجد للعقل مكان في وضعنا العربي على ما يبدو. رغم كل الحرائق التي تلتهمنا جميعا بنيران التطرف والارهاب ، الا اننا لا نزال في نفس المكان .

ما أثار الحفيظة لدى المسلمين وبالأخص بموضوع القدس والمسجد الأقصى ، هو ادعاء د. زيدان بأن الأقصى المقصود بالآية الكريمة من سورة الإسراء ليس المسجد الأقصى الحالي في القدس. يرصد زيدان في هذا الأمر مراجعه التاريخية والتأويلات المتداولة بهذا الخصوص. وهناك من رد على د. زيدان من العلماء والمؤرخين . وقد يكون اجتهاده فيه من الخطأ الممكن ، والذي اوضح بالمقابلة ان ما تكلم فيه ليس الحقيقة المطلقة بالنسبة له ، ولن يضار به ان يغير رأيه اذا ما ثبت غيره.

والنقطة الثانية التي اثارت رجال الدين عليه كانت موضوع الاسراء والمعراج. ما انكره د. زيدان كان موضوع المعراج وليس الاسراء وناقش بأن المعراج لم يذكر بالقرآن . وطبعا هذا لم يكن ما تصدر العناوين ، بل الاسراء والمعراج معا .

لا اشك ان هناك رد ديني وعلمي على د. زيدان في ما قاله . وهذا طبيعي وصحيح. ما أثاره د. زيدان ليس جديدا في محيط التأويلات المختلفة لتفسيرات القرآن وربط احداثه بالتاريخ ومجرياته الى يومنا هذا. وفي مجتمع وفكر صحي ، فان هذا طبيعي ومحبذ. لان ميزة الدين الاسلامي والقرآن انه نزل لكل مكان وزمان . فالكلام الذي نزل به ليس طلاسما ، ومن جل حيويته أن الإنسان المعاصر يستطيع تدبره حسب معطيات مختلفة وجديدة.

ولكن الغير طبيعي ، أن تقوم قيامة كل إنسان اجتهد في أمر ما بصلب ما وجد بالقرآن وتكفيره . كأن القرآن والتفسير والفهم والإدراك هو عمل يخص جماعة تتفرد بكل ما يخرج من هذا النص إلى عقولنا. صحيح إن هذا هو الواقع ، ولكن ليس بهذا تكون الحقيقة.

هناك ثوابت تختلط علينا في عقيدتنا الدينية نرفض بكل جوارحنا الإقتراب منها … ولا نقر حتى هذه اللحظة أن الفكر التعصبي والمتطرف يتغذى على هذا التوجه .

الإشكالية الأخرى بما أثاره كلام الدكتور زيدان هو التوقيت الحالي. وقد أحمل مع نفسي محاولة تنويرية بالتفكير لأتساءل : ولكن هل كان هناك وقتا مناسبا؟ فنحن في صراع بقضية فلسطين منذ ما يقارب القرن .

وهنا لا أستطيع إلا أن انظرإلى الوضع بعين الحاضر الحالي . فالقضية الفلسطينية تمر بهبة ، كان المسجد الأقصى هو عنوانها . ولا يوجد من يختلف على ان إسرائيل بمحاولاتها الدائمة بفرض احتلالها وشرعنته ، لا تكف عن تزييف التاريخ وإرجاعنا به إلى ألفية تسبق الالفية الاسلامية ، وتروج لوجودها عبر الخلط بين اليهودية واسطورية ما كان وما لم يكن .

مما لا شك فيه، ان إسرائيل نجحت في جرنا إلى مربع الدين في موضوع القدس تحديدا . فنحن ندعي أحقيتنا بالمكان بسبب الإسراء والمعراج والمسجد الاقصى ، وهم يدعوا أحقيتهم بالمكان بسبب الهيكل المزعوم تواجده تحت الأقصى قبل الاف السنين.

وبين إدعاءهم وادعاءنا واقع المكان وما عليه . فالأقصى تمثل جوهر البلدة القديمة بالقدس وهي منارة المكان عبر العقود السابقة.

أعرف تماما ، ان ما أقوله لا يريد أحدا الترويج له . ولا أعرف إن كان هذا جهلا أم تأصيلا لنهج وعقيدة ممنوع الاإقتراب من ثوابتها .إلا انني أصر على أنه ليس من المهم أن يكون الأقصى هو الاقصى المقصود بالقرآن . فالأقصى الموجود حاليا هو ما كان قبل ما يقارب ال١٥ قرن

ولقد اقترن وجوده بالتقرب الوجداني والروحاني والتاريخي مع الهوية الإسلامية عبر العصور وعمره من عمر الإسلام نفسه. فعائلات القدس اليوم هي العائلات التي جاءت إلى القدس مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولا تزال هي نفسها التي تتولى أجمل قصص التآخي بين الديانتين المسيحية والإسلامية حتى هذه اللحظة في مفتاح كنيسة القيامة الذي يقوم بفتحها وإغلاقها كل يوم ومنذ عمر بن الخطاب مقدسي تتابعت عائلته على فتح الكنيسة وإغلاقها. .

سواء كان هناك دواعي سياسية أم لم يكن فإن هذا ليس هو صلب الموضوع . نحن نقرأ التاريخ الديني عبر عبق الروحانيات . وهذا طبيعي . الا انه من غير الطبيعي التمسك بالروحانيات الوجدانية وترك الأهداف والعوامل الأخرى المرافقة .

ما يهم هو ما هو موجود وما شهدته أعيننا على مدار العقود والقرون السابقة المتتالية . هذا يؤكد حقنا بالمكان وارتباطنا به وتوثيق تراثنا به.

ما يثير الرهبة في كلام د. زيدان وربطه مع الحاضر . فهم على أنه يعني أن المسلمين عليهم ألا تكون القدس وجهتهم في النضال .ولا أستطيع قول الكثير في ظل ما يجري على الساحة العربية اليوم . فهل ارتباطنا بالدفاع عن قضايانا مرتبط بالسمة الدينية فقط؟

فإذا ما كان النضال من أجل الاقصى سيتغير وجهته إذا ما تبين أن الأقصى ليس هو الأقصى المقصود بالآية القرآنية . هل سيتغير النضال في شأن كنيسة القيامة ، والمهد مثلا ؟

من المستحيل فصل تعلق الإنسان العربي المسلم والمسيحي بهذه الاماكن ووجدانيتها بداخله وبايمانه . ووجود هذه الأماكن قد يكون من أكثر الأماكن يقينا بالدين الإسلامي والمسيحي وارتباطهما بالقدس. فالأقصى هي جزء من القدس المترامية على أبعاد ١٥ قرن توثقها حجارتها بعنفوان وجدارة .

والقدس بحد ذاتها مدينة متداخلة بقلب الزمن . فما أشهدته العمارة الأموية على القدس لم تنف به الحضارات السابقة ولم تدثرها . فأعمدة الأقصى واروقتها فيها الروماني والبيزنطي.

وبناء الأقصى في هيئته التي نراها كان فيه من التحدي الواضح من قبل عبد الملك بن مروان للعمارة البيزنطية التي سبقته .

وقد يعي القارئ كذلك أن كنيسة القيامة بنيت في وقت(القرن الرابع) شهد تحولا دينيا في الحقبة الرومانية التي تميزت بالوثنية ،الى العقيدة المسيحية في الفترة البيزنطية. فقسطنطين عندما تنصر ، لم تكن السياسة غائبة عنه . وبناء القيامة كان فيه الكثير من الدهاء السياسي في اشغال اولي المآرب عنه في نزاعه في مركز الإمبراطورية الرومانية المنشقة .

تحدي عبد الملك بن مروان في بنائه للمسجد الأقصى برد معماري يفوق ما رأته الإمبراطورية البيزنطينية في زمن زهوها ، كان جزءا من الحراك الثقافي الحضاري . واختيار عبد الملك بن مروان لتكون القدس وباحات الأقصى هي مكان بيعته لم تكن تزهدا ولا إعلاء لكلمة الله ، ولكن كانت سياسية بحتة في وقت كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنه متصدرا للحكم في مكة.

ما يؤرق في كلام الدكتور زيدان في هذا التوقيت ، في ظل الوضع الراهن من اندثار لللحمة العربية والإسلامية تحديدا ، فلقد استوقفت كثيرا أمام عبارته “للقدس رايحين شهداء بالملايين” ، وكأنه في هذه العبارة يربط تفسيره التاريخي ويفكه عن الوجدان العربي اليوم.

وهنا أعترض مع كلام الدكتور زيدان . إلا أنه كان من الواضح في كلامه اللاحق لهذه العبارة ، أنه يشعر بالأسى للضحايا التي ترتقي تحت هذه العبارة. وما من شك أننا كلنا نبكي مع كل ضحية ومع كل نفس تخرج من هذه الدنيا بغير وجه حق وقبل أوانها ربما على ايدي الاحتلال .

قد يحتاج المستمع إلى حوار الدكتور زيدان إلى تأكيده على موقفه من اسرائيل . فلقد أكد واستمر في التأكيد أن اسرائيل اليوم هي دولة احتلال غير مبررة ولا مشرعة ، لانها قائمة بالاساس على باطل اختلقه الغرب. وبكلمات د. زيدان تحديدا قال: إسرائيل عدو . إسرائيل قائمة على وهم . إسرائيل تناضل بالباطل.

فلربما موقف الدكتور زيدان هو موقف أي عاقل وصاحب ضمير بالقضية الفلسطينية . لا يحتاج الى التاريخ ليثبته . بل احقية الشعب الفلسطيني في ارضه . وما تقوم به اسرائيل هو ما يقوم به الإحتلال المغتصب ، وليس صاحب الدين أو العقيدة الذي يريد أن يكون لدينه الكلمة العليا.

وقد تكون قد استوقفتني نفس العبارة ولأول مرة في سياق آخر . لما الذهاب إلى القدس شهداء بالملايين ؟ لما الإقرار بالهزيمة المسبقة؟ لما لا تكون العبارة عبارة انتصار للقدس وليس الموت فيها أو من آجلها.

قد يكون هذا ما أراده الدكتور زيدان في توضيح ما أسفرت عنه أبحاثه وتأويلاته. والتوضيح حق وواجب . وقد يكون أخطأ ، وقد يكون انحرف عن طريق ما بفهمه للأمور . فهذا لا يضعه في دائرة التخوين ولا دائرة التكفير .

فمن الهزلي أن نصطف في معظمنا اليوم كمسلمين ندعي الانفتاح الفكري مقابل التعصب الاعمى من التيارات الداعشية الانبثاق ، ولا نلبث ننقض على من يختلف في قراءته لأمر أو مكان يرتبط فيه الدين ارتباطا روحانيا او عقائديا .

مثلما نحتاج التنوير في فكرنا كمسلمين . نحتاج الوثوق بالحق في قضيتنا كفلسطينيين .

فنحن على هذه الارض ليس بسبب الآية القرآنية . وقد تكون سورة الإسراء وما يرتبط بأحاديث وتأريخ يربط الدين الإسلامي بجذوره الأولى بالقدس من أروع القصص التراثية التاريخية التي ارتبطت بنا كشعب والمكان.

وجودنا كمسلمين قد يكون مرتبطا بالحملات اإسلامية الاولى التي سبقت بناء الاقصى على يد عبد الملك بن مروان ، زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه . ولكن وجودنا كأبناء هذا المكان سبقت الإسلام . فالمسيحيين على هذه الارض من عمر المسيح كما هم اليهود. وهذه حقيقة ، ايضا لا تثبتها كنيسة او مقام. فالامتداد المسيحي في المدينة واضح ولا يشوبه ما يحاول الإحتلال تشويهه. مشكلة اليهود هي المشلكة الصهيونية وبناء الدولة بناء على فكر استعماري يمحي شعب ليضع مكانه شعب آخر.

الإمتداد الإنساني للفلسطيني على هذه الأرض يفوق الديانات أهمية . نحن اليوم في صراع على وجود الإنسان الفلسطيني الذي تغتاله إسرائيل يوميا . لا تفرق بين طفل أو شاب ،بين امرأة أو رجل.

نحن اليوم نعيش على هذه الأرض في معركة وجود لم يعد الإثبات التاريخي للأرض في دين هي المعركة ، ولكن الانسان نفسه هو الذي بات معرضا لاندثار في ظل الحملة المستمرة منذ سبعة عقود على التصفية العرقية للشعب الفلسطيني.

قد يكون الموروث الديني مهم . كما هو الموروث القومي . ليس من أجل اثبات حق ، ولكن من أجل لحمة نحن في أمس الحاجة اليها.

قد نكون في حاجة للوقوف من أجل فلسطين في نصرة يتغير شعارها من شهداء بالملايين لمنتصرين او لحجاج بالملايين .

ووسط كل هذا … نحتاج لفكر تنويري كفكر الدكتور يوسف زيدان . ونحتاج لفكر تنويري على غراره يرد عليه … ليس لإقناعه أو تكفيره … ولكن لنرقى بهذه الأمة . نحتاج إلى مراجعة لمفاهيمنا الثابتة بلا خوف من أن هذه المراجعة ستؤدي إلى انهيارنا . فالديانات وجدت لتغير الواقع المتصلب الجاهل للشعوب وإخراجه إلى النور . قراءتنا المختلفة لما هو عقيدة ثابتة لا يعني أن هذه العقيدة اهتزت . فالإيمان الراسخ لا تهزه قراءات مختلفة.

وختاما، حتى الإمام إبن تيمية الذي يتم الرجوع إلى فتاويه في التسلح بالعصبية والإرهاب الحالي ، عدل عن تكفيره للمسلم في سنواته الأخيرة قائلا: لا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله ولا بخطأ أخطأ فيه ، كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة، فإن الله تعالى قال: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله،لا نفرق بين أحد من رسله ،وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.

 

2 فكرتين بشأن “مقال ٧ أيام..بعد كل الجدل الديني والفكري الذي اثاره د.يوسف زيدان”

  1. Sigh…. The tower of Babel still exists in the world, does it not? I translated this piece, paragraph by paragraph, as that is all my software can handle at once. This also makes for a rather choppy translation, but, if I have read it right, you have once again made a masterful analysis of a complex issue, and, in the process, have called for rational thought, and tolerant compassion to be used in whatever ideas are discussed….

    Though unfamiliar with the exact philosophies to which you refer, I can only applaud your ability to see their best points, and how to correlate that with today’s world… which is, to be kind, rather chaotic.

    Kudos, again, milady. I see the light of your intelligence shining from across the world, and can only hope for more to see it, and think on it….

    gigoid, the dubious

    1. there is a serious problem in idealizing places and people from the past ,and it all seems like untouchable. there is a need to keep knocking on those monuments of ideas that are not necessary right. that may have been used then for some reasons ,and suited that time. this backwardness in thought is making us stay in this mess of a situation . Daesh at the end is a consequence of this way of thinking . if u read the comments of people in such issues u will be frightened))

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading