تخطى إلى المحتوى

الحرية وحرية التعبير

 

في أوطاننا العربية الحرية هي المسعى. ولكن حرية التعبير تتعرقل في مساعي الشعوب والحكومات بين ما يسمى بالغاية والوسيلة. بين المصالح والولاءات والانتمائات.

نريد الحرية ولكن ليس بالضرورة حرية التعبير… وما يمكن أن نفهم من حرية التعبير عند تفهمنا للمصطلح يقع في ما يمكن الحرية في التعبير عنه مما يتوافق تماما معنا. أي شيئ آخر يقع في المحظور والممنوع والمحرم والازدراء والسب والقذف والذم.

أتابع كغيري ما يحصل في الشارع المصري، أو بالأحرى “جدران” الفيس بوك وشبكات التواصل الاجتماعية والاعلامية صبيحة ذكرى الثورة وما خرج كذلك من أصداء وردود وتحاليل إذا ما كانت ثورة أو مؤامرة.

ولا يمكن الانفصال في المتابعة عما يحدث في البلدان الاخرى، وتصوير الحال وتقريبه من حالنا في البلاد العربية الأخرى. إلا أن مصر وبسبب مكانتها وروح أهلها ونبض الحياة فيها تؤثر تأثيرا مباشرا فيما يجري فيها على سائر المحيط..

فبين الحكم على الكاتبة فاطمة ناعوت بالسجن ثلاث سنوات والغرامة بتهمة ازدراء الأديان لتعاطفها مع الخراف المنوي ذبحها في عيد الأضحى على صفحتها بالفيس بو. وبين الهجوم من كل الاتجاهات على الممثل الشاب أحمد مالك ورفيقه من برنامج أبله فاهيتا – شادي أبو زيد – وواقعة “الكوندومز المنفوخة” (الواقي الذكري) بفيديو ساخر حاول الاثنين توزيعه على الشرطة بمناسبة ٢٥ يناير.

سواء كان كلام فاطمة ناعوت مثيرا للغيورين على الدين، أو كانت مزحة الشابان ثقيلة وغير لائقة لمحبي الشرطة. ما جرى لم يخرج إلى الكفر ولا خدش الحياء أصلا .قد نختلف أو نتفق على حجم المزحة ووقع الكلام على المتلقي، ولكن هل يستحق ما جرى هذه الأحكام المرعبة من قبل القضاء ومن قبل الشعب؟

المؤرق والمرعب فيما يجري بيننا كشعوب هو هذه الحالة من “الاستعار”. لم تعد الحكومات بحاجة لتكميم أفواهنا. فنحن نقوم بهذا. وإن تفوه منا الواحد بما لا يروق للآخر فهناك جموع غافرة مستعدة للهجوم.

لم تعد الحكومات بحاجة لتبرير أفعالها وتصرفاتها. فنحن نقوم بهذا طوعا. وكلنا مصطفون نحو هذه الجهة أو تلك. وأي من هو منا في الوسط يحاول الالتفاف للوطن يداس فيما بين الطرفين المناهضين المتخاصمين.

وكأن دكتاتورية الحكومات المتراكمة على عقولنا استنفذت نفسها فينا عندما سقطت تلك الحكومات. فذهب رئيس وبقيت الدكتاتورية وكأنها جزء من ماهيتنا. منا نحن، من تركيبة ما نكون عليه. نطالب بحرية يبدو أننا لا نزال – كشعوب – لا نفهم معناها إلا بترديد حروف كلماتها. نحب وقعها على آذاننا. نتغنى بها. ولكن ادراكها بعيد عن ما نفهمه للحرية.

فنحن بداخلنا لا نزال محاصرون بفكر دكتاتوري تعودنا عليه فتذوب بداخلنا. فإن لم نجد من يقمعنا نقمع انفسنا، والويل كل الويل لمن يقترب من ذلك الذي قررنا أنه هو محررنا.

تستحضرني كلمات باولو فريري “لا يوجد تعليم محايد، فهو إما للقهر أو للتحرر.”

وما يحصل معنا هو تأكيد لتربية القهر. نتكلم عن تربية أخرى تملؤها الشعارات التي ندعي توقنا لها. ولكننا لا نفهم إلا ثقافة المقهورين. فلا نعرف إلا ممارسة القهر الممارس ضدنا على غيرنا وإن ضاقت بنا الأمور نمارسه على أنفسنا.

وهذا ما جرى بقصة الشابين. فهم من أبناء البلد. من أولئك الذين حلموا حلم الحرية كشبان ولدوا مع الربيع العربي ليصبحوا أزهار تلك المرحلة. وصفق لهم الشعب ورواهم ليزهوا أكثر. الحرية التي تعطشوا لها لم تكن كافية ومرضية لهم. هل هذا يعني أن يخرسوا. لم يكونوا أبدا “العدو” بصيغة الاخوان او ما يمكن ان يحتمل صفة العدو في هذا الصدد. هم شباب لا يعجبهم الحال الحالي. هل يخرسوا؟ هم شباب لا يعجبهم أداء الشرطة؟ فهل يخرسوا؟ ما هذا الشعب الذي يحول القاعدة العالمية بأن “الشرطة في خدمة الشعب” إلى الشعب في خدمة الشرطة”. فبينما لا نزال في فلسطين نعيش نفس القصة. فلقد هب الشعب (التابع للفصيل الحاكم، التابع لشق الجهاز الأمني؛ التابع لشق المخابرات) للدفاع عن تصريحات رئيس المخابرات التي يتنصل الشعب كله بهذا الفصيل وبتشققاته منها. ومع هذا هبوا للدفاع عنه دفاع المستميت، ولا أعرف إن كان الرجل قد طلب هذه المساعدة أو الدفاع. فهل تحتاج الشرطة في مصر كذلك كل هذا الدلال. أعني الدفاع المستميت عنها.

ما الذي يجري بنا كشعوب؟

أفهم أن هناك منا من يريد راحة البال ولقد أفزعه الحال الدامي من القتل والترهيب والتخريب. وأفهم كذلك احباطات الكثيرين منا فيما جرى من صعود أنظمة نحن اخترناها وهبوطها المدوي. ولكني – لا زلت – لا افهم المعضلة.. فإذا ما كان الآخر هو – لنقل استعمالا للحالة المصرية هو “الاخوان” – أي اسلامي متطرف، فكيف يكون القضاء “إخواني” الصفات بالقبول بالتهمة الواقعة على فاطمة ناعوت لتعاطفها مع الخراف؟

فاطمة ليست “إخوانية” والشابان “ليسا “اخوانيان”. ما هو الهيئة والملامح تدل .

هذا التناقض الحاصل اكثر رعبا من الرعب الذي يرهبنا من الارهاب. ما نقوم به هو الإرهاب بعينه. هذا الهجوم على الشابين ذكرني بهجوم المسلمين بالاعلام على الرسومات المسىئة للرسول. هل الاساءة للشرطة كالاساءة للرسول؟

طيب… عندما تخطيء هذه الشرطة او السلطة كيف سنحاسبها ان كنا سخرنا انفسنا جنودا لحمايتها الابدية السامية؟

اتخيل والد الشاب الذي تنصل لابنه. والشاب المسكين الذي خرج ليعتذر. فلقد انتهى من الوجود بعد هذه الطامة الكبرى. إذا نفخ واقي مطاطي طبيعي أن ينتج عنه بالونا فعل كل هذا الفعل من غضب جامح لا يمكن أن يتوقف. لم يبق أحد لم يخرج ليسب على هذا الشاب. انتهت حياته المهنية بالتمثيل إلى الأبد…

لم يكن اخوانيا قبل هذه اللحظة…. هل سنتفاجأ اذا ما رآيناه (رآيناهما) بعد شهور بوديان ما بين سوريا والعراق تحت ألوية داعش وبسيف وضحية قد تكون مثله لم يعجبها أداء الحاكم أو الشرطي أو النائب أو الحارس؟

اختم مقالي،بمقولة أخرى أكد عليها دوما “فريري”: “علينا أن نواصل التجاسر من أجل حقنا .حتى لو كان عدم التجاسر أكثر نفعا من الناحية المادية.”

تجاسرنا كشعوب.. قبل تجاسرنا مع حكومات نتجسر لها لكي لا يكسر شوكتها الآخر … ذلك الآخر الذي هو منا .. بل نحن …

الحرية مشوارها في قلب حياة الانسان العربي لا تزال تفتقد لما يمكنها من الحياة …

 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading