تخطى إلى المحتوى

بين ازدراء وتشهير : قصة حكومة وشعب

تنبهت في مرحلة ما خلال اليوم أن مقالي السابق عن حوار رئيس الوزراء مع محطة دويتشه فيلا قد حذف من قائمة المقالات على موقع وطن . ظننته خطأ بالبداية ، ثم فكرت في نفسي ، ان المقال لا بد ان يكون ضرب في مكان خاطيء وأثار حفيظة رئيس الوزراء.

في كل مرة اكتب فيها مقالا مؤخرا اخاف ان يصيب في المكان المزعج للشخصيات العامة المقصودة . اتجنب الشعور بالخوف واقول في نفسي : انت تعبري عن حالة واقعة. هناك خلل ما لا يمكن الاستمرار في السكوت عنه اذا ما كنا فعلا مخلصين لهذا الكيان المسمى وطن. وهؤلاء شخصيات عامة وظيفتهم ان يكونوا في خدمتنا كشعب من اجل تلبية مطالبنا في العيش الكريم .

وقد استمر في حالة المحاكاة هذه لشد ازر نفسي في دفعي نحو الجرأة في الكتابة. هناك حاجة للدفع نحو خطاب يسمي الامور بمسمياتها ومواجهتا . ولقد رسمت لنفسي خطا لا اريد ان اتخطاه . فاحترام النفس هو انعكاس لاحترام الاخر . ومواجهة الاخطاء والمشاكل والتعبير عنها هو واجب من اجل التصويب لا من اجل التخريب او التشويه . فالسكوت عن درء الخطأ لا يقل تجريما عن ارتكابه. واحاول بكل ما اوتيت من معلومات ان اتوخى الدقة فيما اتناوله من موضوعات . ولا اتردد في الرجوع عن خطأي او الاعتراف به اذا ما وقع .

عند كتابتي لمقالي الاخير ، شعرت انني تناولت مكانا قد يكون من المجحف ان اتناوله . ذلك المتعلق تهجئة رئيس الوزراء لاحرف اللغة الانجليزية .الا انني قدرت بالاخير انه بالنهاية نحن نتكلم عن رئيس الوزراء . فانتقاده واجب ، حتى ولو كان متعلقا بطريقته الخاصة سواءا بالتكلم او الالقاء .فهو قدوة. فاسرائيل على سبيل المثال استخدمت هذا الموضوع الخاص بلفظ الحروف ضدنا من قبل احد وزرائها . ومن واجب مستشاري رئيس الوزراء ان يلفتوا انتباهه الى هكذا امور. واعترف انني استأت من ذلك الحوار لدرجة الغيرة . فكان الحوار عبارة عن تحقيق وليس محاورة مما زاد من استيائي . ولكني بالنهاية من يعنيني هو رئيس الوزراء وليس المحاور غيراللائق .

الا انني وعند حذف المقال ، جاء الى ذهني فورا هذا الامر وشعرت بالانزعاج من نفسي اولا ، على الرغم من امكانيتي للدفاع عن اسبابي وحججي . الا نني فكرت ان الهدف المرجو بالنهاية لم يكن الاساءة الى رئيس الوزراء. فأنا عندما اتكلم عنه او عن اي مسؤول ، اتكلم عن الصفة العامة الاعتبارية لهذا الشخص وليس الصفة الخاصة.

وكل من يجلس على كرسي المناصب العامة يفقد صفته الخاصة ويصبح اداءه على مرمى مراقبة المجتمع . واعيد واصر هنا ، ان بين الانتقاد والتشهير او الازدراء خط فاصل وواضح لا يجب تعديه . وارفض على الصعيد لشخصي والمهني والانساني الانخراط به . وعليه ، اتمنى ان يصل مقالي هذا ،في هذا الشق باعتباره اعتذار اذا ما مس بشخص رئيس الوزراء.

نحن نعيش في وضع قد نكون فيه في امس الحاجة الي الحراك نحو بناء ما يمكن بنائه من وطن ، او محاولة لملمة ما يمكن لملمته من انهيارات . والسكوت عن اداء الحكومة غير المرضي وغياب المرجعية والقانون والفلتان والمحسوبية وسوء الوضع الاقتصادي والاجتماعي وجرائم الاحتلال اليومية من قتل وتهويد واسرلة ومستعمرات لا يفيدنا حكومة او شعبا.

نحن كلنا على مركب واحد ايل للغرق . فانهيار السلطة هو انهيار للشعب ، وليس من مصلحة الشعب انهيار هذه السلطة . ونجاتها هي نجاتنا . وتصويبها هو تصويب لامرنا . وعليه فانه من الواجب ان يصلح كل منا ما يستطيع اصلاحه ولو بكلمة.

قد تكون الكلمات موجعة . الا ان المقصود منها التصحيح والصحوة واصلاح الحال والاهم من كل هذا ، المراجعة الذاتية لنا جميعا . علينا ان نتجرأ على التعامل مع ازماتنا .فنواقيس الخطر تدق من كل اتجاه.

وفي خضم مناقشتي لهذا الموضوع اليوم، تم تحذيري مرارا ، وهذه لم تكن المرة الاولى من توخي الحذر . فمرة اسمع عن ملاحقات وشيكة للامن وشبكاته المتعددة ، ومرة اسمع عن احتملات لحملات تشهير قادمة. مما جعلني اتساءل ، اذا ما كان يحق للشخصية العامة الدفاع عن نفسها بالذهاب للقضاء بما تراه ازدراءا لشخصهم الخاص في شخصهم العام . كيف لي كمواطن ان احمي نفسي من تشويه الشخصية العامة لي عندما تشغل اجهزتها الخفية لتشويهي ؟ فالشخصية هذه تأتي ضربتها الازدرائية من المواطن المعرف .اما المواطن فتأتي ضربته عشوائية غير معرفة .

والامثلة في هذا الصدد كثيرة ، ونراها كثيرا . وفي مجتمع اسهل ما يمكن عمله هو تشويه صورة امرأة وجعلها عاهرة وبغية وزانية في ابسط الحالات ،بمجرد اطلاق اسم او نشر صورة بلا حجاب او كتف عاري او لا قدر الله لركبة مكشوفة .في خضم الاستعار الجاري اسهل ما يمكن عمله خلق اعداء من كل اتجاه.

او اذا ما كان المتهم رجل فتهمته الاسهل هي العمالة والاموال المشبوهة .

فعمليات الاسقاطات هذه سهلة الحدوث ولا رقيب عليها . فيضيع حق المواطن عند عدو غير معرف عشوائي يتم ارسال الاوامر له لاسقاط او تشويه. امور تدور في فلك الالهاء عن القضايا الاساسية و تضعنا في دوائر الازدراء والتشويه بدلا من العمل على الاصلاح والتقويم .

نحن شعب لا نزال نحلم ببناء وطن . تنعدم السبل يوميا اليه .

حرية التعبير ليست حقا تمنحه الحكومة او ينتزعه الشعب . حرية التعبير هي جزء من بنائنا كأمة لا يجب المساومة على الحد منها او تطويعها . فلو سنح الفكر الدكتاتوري بتطبيقها لن يترك الاحتلال فرصة للاستمتاع بها كثيرا .

وواجب كل انسان حر ان يدافع عن هذا الحق والعيش به . فلن نرقى بأنفسنا كشعب يقاوم الاحتلال ونحن لا نزال نخاف من التعبير عن انفسنا .

سعينا نحو بناء الوطن يتطلب منا ان نكون الرقيب والمراجع حتى تكون الامور في نصابها … ولطالما لا نزال نحيا في وضع يغيب عنه اي افق للانتخابات فستستمر المنظومة الحالية بالانهيار . ولن يجدي نفعا ان نعيش طويلا تحت سيايت التطويع وشعارات التطقيع . فنحن شعب لا يزال تحت الاحتلال …يقف بالمرصاد مع كل هبة حياة .

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading