لا حجاب ..لا شهادة

تناولت بعض المواقع خبر عدم قبول شهادة المرأة غير المحجبة في إحدى المحاكم في الاردن.

لا اعرف ما هو الشعور الذي اصابني ، فلا يوجد ما يثير الغرابة في ظل التدهور الانساني الحاصل . وسيكون من الصعب التعليق بالقول بان الانحدار الحاصل هو انحدار نحو انهيار اخلاقي. والصعوبة هنا بمعضلة ربط الانهيار والحجاب.

موقفي تجاه الحجاب موقف شخصي لا يعبر عن شيء غيري انا . احترم من تلبسه واحترم من لا تلبسه . وعلى قناعة بأن الكثيرات ممن يلبسنه يلبسنه لاسباب اجتماعية مرتبطة بالتقاليد لا الدين . وبالنهاية هو قرار شخصي لا يلزم الا اصحابه سواء بلبسه او عدمه.

ولكن لا يمكن عدم ملاحظة ان زيادة نسبة ارتداء الحجاب وتحويلها الى قاعدة اجتماعية اشبه بالمفروضة مرتبط بحالة الانهيار الاخلاقي والاجتماعي بالمقابل . فالحجاب بالمحصلة هو وسيلة للتحكم بالمرأة والمجتمع . سيطرة تحكمها السطوة الذكورية انتهت لتصبح المسائل التي يتم خوضها بهذا المجتمع الى تعريف المجتمع من خلال الحجاب.

كل هذه المنظومات التي تبدو تكاملية بالسيطرة على المرأة لا يمثل الحجاب فيها الا واجهة يتم تداولها . الموضوع ليس موضوع حجاب بقدر ما هو موضوع تقليص المساحة الموجودة للمرأة للحرية. وكأن قوة الرجل وهيمنته في سطوته على الحكم تأتي من قمعه الاكبر لمجالات المرأة .

وككل شيء في مجتمعاتنا الذكورية . المرأة العورة هي شرف الرجل . قمعها هو قوته . حجابها هو انكشافه .

والمرأة بهذا المجتمع لا تختلف عن الرجل . هي صاحبة هذا النهج. في كل مرة تقرر المرأة ان ترى الطريق الى الله من خلال وصايا الرجل وتعليماته هي تقر له وتوافقه على هذا النظام.

مشكلة الحجاب هي بكونه قرارا للرجل في ايامنا هذه . فالبنت والمرأة تلبسه من اجل ايجاد عريس او ارضاء لأب او خوف من اخ او عم او سترة من افواه الناس. فالمساحة التي تملكها المحجبة من افواه الناس في المجتمع اقل من تلك المساحة التي تأخذها تلك السافرة.

فليس من الغريب ان لا تأخذ المحكمة بشهادة المرأة غير المحجبة. فإذا ما كان الحجاب شرعا فلا بد ان تكون المرأة ضمن شروط الشهادة الشرعية في مواصفاتها الخارجية.

المشكلة الاكبر بكل هذه المهاترة هي بازدياد الجشع الذي يملأ عيون الرجال من شباب وفتية حتى بهذه الايام امام مرور امرأة . لابسة ام عارية لا يهم . محتجبة او سافرة . النظرات الملتهمة تنقض على المرأة كالفريسة الجائعة بكل الاحوال.

هناك حالة من الجشع الملفت المريب . لا يوقف نظرات الشباب الجائعة .

وعليه يجب ان نراعي السؤال الاهم . ما هي مشكلة رجالنا بالضبط؟ لما كل هذا الفجع والجشع تجاه جسد المرأة لا يحجبها حجاب او خمار من ان تكون عورة يتم انتهاكها الاف المرات من خلال عيون الرجال الجائعة؟

كبرنا وتعودنا على شعارات لاقناعنا عن الحجاب اهمها تلك التي تلقي بالمسؤولية علينا نحن النساء باننا بحجابنا نبعد اطماع العيون الجائعة عنا . ولكن هذا لم يحدث . فنحن نسمع عن الاغتصاب وكأنه تحصيل حاصل بين تحرش وتعدي وانتهاكات مختلفة. الجرائم الجنسية الابعاد في تصاعد . ترى الرجال الغاضون للابصار بالعلن يقضون ساعاتهم خلف الشاشات بمشاهدة العراة من النساء وما ترتب عنهن ، ويسترقون النظر في ما عليهم غض النظر عنه في كل فرصة يظنون ان احدا لا يراهم.

من المفارقة ان تنظر كذلك الى صفحات الفيس بوك فترى المحجبة تعرض صورا لنجمات سافرات متبرجات .

الصبابا المحجبات في ساحات الجامعات والشوارع والاسواق يكاد المكياج يرسم لوحات على وجوههن ، وتضيق ملابسهن للفت الانظار اكثر واكثر . وكأن حجاب الرأس لا يعني احتشام الجسد.

المحجبة تستطيع ان تقوم بكل ما تريد . تستطيع ان ترتدي ما تريد فهي محجبة. تستطيع ان تمشي كيفما تريد ومتى تريد واين تريد وتخرج مع من تريد . فهي محجبة. تستطيع ان تدلي بشهادتها ..فهي محجبة.

هي داخل المنظومة المرجوة في نظام السيطرة التي يحتكم فيها المجتمع للبقاء على حاله . فاي خطوة الى الامام هي خطوة تهدد هذه المنظومة التي ترتكز على تحكم الذكورية في كل نواحي حياتنا .

. ونحن معشر النساء نمشي وراء هذا طواعية ، راجيات رضا الله ومطيعات لامره .

لما لم يكن الحجاب من سمات المجتمع في القرن الماضي ، قبل عقدين او ثلاثة او اربع . لما لم تكن المرأة منا اكثر عرضة للاغتصاب والتحرش والتحقير ؟ في تصفح لصور العائلات منا القديمة نري امهاتنا وجداتنا في لباس مستحيل ان نفكر في لبسه اليوم . كان المجتمع محافظا اكثر من محافظته المعلنة اليوم . الا انه لا بد ان معايير الاخلاق كانت ذاتية ترتبط بالرجل والمرأة على حد السواء. لم يكن جسد المرأة ملاذا لصناعة الشرائع الذكورية تحت اسم الدين والاوامر الربانية . لم يكن المجتمع بالامس جاهلا وصار اليوم اكثر بصيرة . فالوضع معاكس تماما .

الحجاب في مجتمعنا يشبه حالنا كشعوب. نحجب شقا من جسد الفتاة او شقوقا ثم نجعل منها عورة. فتتحايل الفتاة مرة على هذا الاحتجاب ومرة تصنع منهه وسيلة حياة تتلاعب فيه على المجتمع . فالكل مباح ما دام متسترا وراد حجاب. لا نريد التعامل مع قضايانا الحقيقية . فاختزلنا المرأة بحجابها . والتهت المرأة والاسرة بالحجاب. به مفاتيح الجنة ومنه الوقار والصون والعفاف. وويل لمن يخرج عن هذه القاعدة.

والشعب في ملهاة لشكليات تبعده عن حقيقة المآسي في ضياع الاوطان بين فساد وانهيار للمؤسسات واحتلال واستعمار. المرأة وعورتها هو شرف المجتمعات . وحجابها هو تتويج هذا الشرف … فكل ما يتخلله هو خيالات وارتدادات سببه السفور والابتعاد عن الشريعة… تلك الشريعج التي وضعها رجال ليتحكموا بذكورتهم عن طريق حجاب امرأة.

اترك رد