تخطى إلى المحتوى

الامل في جيل يصبو الى الحرية بالحياة لا الموت

دخلت مع بناتي ما يشبه النقاش البيزنطي عندما بدأنا الحديث عن ما يجري من سقوط يومي للشباب والشابات . لا اذكر المنطقة المسدودة من الحديث عندما صار كل منا لا يسمع الاخر متهما اياه بالتهاون او التعصب.

في لحظة ما، استعملت سطوتي كأم وارغمتهن على سماعي. لا انكر ان ارغامي لهن كان يخرج منه الكثير من القلق .مجرد دخول هذه الافكار الى عقولهن يرعبني . وككل مرة استعملت حيلة الام المعهودة باسترحامهن او خوفهن علي ، شعرت هذه المرة بإحباط اكبر.

كان الكلام يتمحور حول جدوى القتل الجاري. وكانت محاولاتي في تفسير ما افكر به من محاولات لمنطقة الامور بائسة تماما . كان ربما ذلك الصوت الواهن الصادر مني ضعيفا مقابل حماس الشباب والدم المتدفق فيهم نحو الحياة.

هذا ما حاولت ان اقنعهن به .. الحياة . بان الحياة هي ما يجب علينا ان نسعى اليه لا الموت .

وكان صوت البنات يعاندني متسائلا : ” هل انت ضد رمي الحجارة من اجل تحرير الوطن ؟ ” وعبثا كنت اردد : ” الحجارة امام الرصاص الحي لا تجلب اوطانا بل خسارة لارواح يجب ان تعيش”.

انا ابنة الانتفاضة الاولى . ابنة ذاك الجيل الذي رفع الحجر في وجه الاحتلال . ابنة ذاك الجيل الذي استشعر ولاول مرة وبحق بقرب الحرية خطوة.بتذوق معناها .باستشعارها .

ولكن في ذلك الزمن لم يكن الرصاص الحي هو المقابل للحجر. كان ذلك الجيل جيلا جريئا لا يهاب المجنزرة ولا الثكنات العسكرية ولا العصيان المدني ولا يعيقه منع التجول . كانت بسالة الاطفال تضرب الحجر بوجه جبروت الاحتلال وتعوره امام العالم . ما فعلته حجارة الانتفاضة الاولى كان وابلا من الحجارة لايقاظ العالم نحو شعب فلسطيني سئم الاضطهاد وطاق للتحرر. لم ترعب الشباب سياسة تكسير العظام ولم تفزعهم الزنازين .كانت اسرائيل في تلك الايام تتعامل معنا معاملة المحتل المسؤول امام العالم عن احتلاله. كانت القوانين والمساءلة لا تزال تؤخذ بعين الاعتبار.

اليوم تتعامل اسرائيل معنا وكأننا كيان مستقل . جندي مقابل جندي. وكأننا في حالة حرب. الا ان امننا لا يشكل جنودا على الرغم من تكريس ميزانية السلطة الضخمة للامن .

حاولت ان اقنع بناتي ان واجب الدفاع عن الوطن يقع ضمن مسؤولية السلطة لا مسؤولية الافراد. انه وبكل فلسطيني يقتل نخسر حياة تكسبها اسرائيل في التخلص الممنهج منا .

.وكانت في كل مرة تقاطعني ابنتي قائلة : ” انت لا تؤمني بالمقاومة . بسببك نحن نعيش بهذا الذل. بسبب خوف الامهات امثالك . تخيلي لو كانت الامهات تمنع ابناءهن من الخروج مثلك ؟ ”

تذكرت في تلك اللحظة عبارات كثيرة اسمعها وارفضها : “ام تشجع ابنها على الخروج من اجل الموت .”

كان علي ان اوضح نفسي وبقوة.

نعم امنع كما تمنع اي ام وكل ام ابنها للخروج . لا يوجد ام في الدنيا تضحي بابنها . نكون اضاحي للوطن حينما ينادي الدفاع عن الوطن الينا ، وليس الموت المجاني الحاصل. من اجل من تظن ابنتي انني سأزهد بها ؟ من اجل ان تصبح رقما في سلسلة الشهادة التي يغنى عليها المتنفذون من مصاصي السلطة على حساب هذه الدماء؟

ذاك الترويج الخاطيء الفادح بأن الامهات يرسلن ابناءهن للموت ،الشهادة ظالم . صحيح اننا نرى الام تزغرد ووطأة الناس من حولها محاولين لهوها ومقنعين اياها ان فلذة قلبها لن يرجع وانه في مكان افضل بتلك اللحظات العصيبة. ولكننا ابدا لم نر اما ترسل ابناءها للموت . ولن نرى .

هذا التجسيد الخاطيء للام الفلسطينية او الاب الفلسطيني مجحف . مجحف بحق الامومة والابوة . ومجحف بحق الابناء الذين يظنون ان هناك اغلى منهم في هذا الوجود.

تحرر الاوطان عندما تبنى قيادات تشكل جبهات حماية فيها دفاع وهجوم . لا بخروج الشباب والاطفال بينما الكبار في البيوت واصحاب السلطة في مكاتبهم العاجية .

تحرير الوطن ليس مسؤولية الابناء ، بل مسؤوليتنا نحن الكبار.

كيف لي ان اصرخ بهذه الكلمات لابنائي ؟

كيف نقف كأهل امام تلك الالة المضللة من الاعلام التي تأخذ بأبنائنا نحو هاوية الموت . نصنع من ابنائنا ابطالا لخذلاننا .

كيف لي ان اقنع ابنائي ان ما يحتاجه الوطن هو جيل من المتعلمين الاكفاء القادرين على ان يصبحوا هم القيادة القادمة؟ لان جيلي وجيل الاهل الحاليين سلم زمام التحرير لمن اتوا لنا باوسلو واكتفينا بحلم الوطن والعلم المرفرف كوسام حرية.

واعترف انه ولسنوات عديده وكثيرة كانت رؤية العلم امامي تعبر عن اكتفاء لي بحلم الوطن.

اليوم ولقد اصبح الموت العلامة القادمة لكل بيت فلسطيني . مشهد الدم المسال على الارض بدم بارد يرعش القلوب المستكينة فينا ويفجر الدماء في عروق ابنائنا الرافضين للظلم الواقع عليهم وعلينا .

لا بد من خلق وعي اكبر لدى هؤلاء الشباب من الجيل الصاعد بأن حياتهم لها معنى اهم واجدى من موتهم.

نحن بحاجة الى بناء جيل من الاحياء لا جيل اموات . يكفي ذلك الجيل الذي لا ينتهي بالسجون والاعاقات الجسدية التي يترتب عليها انهزامات وانهيارات نفسية لا تعد ولا تحصى.

بينما افكر بالوطن وارثيه ، لا يزال هذا الوطن يعيش بداخلي بعنفوان الفتى الفتي. اشعر بالفخر ،بل اكثر بالحياة عندما ارى الوطن حيا بوجدان ابنائي. ولكني لن اساوم ابدا لهم ولا لغيرهم بأن الحياة هي ما أريد لهم .

ما يجري مع ابنائنا في هذه الهجمة الشرسة امام الموت القاسي والمجحف بحق الحياة هو اشبه بالانتحار . وكأن اولئك الشباب مع كل وقفة احتجاج يساومون فيها على حياتهم. فذلك الاحتلال يريد هذا الدم الفتي ليروي عطش بطشه . واولئك الشباب في بحثهم عن وطن يصنع لهم كرامة يرتطمون بيأس الحال وسوئه . فلا امل ولا حياة . اصبح الموت ملاذا لهؤلاء .

يشتري الشباب وهم التحرر امام خذلان الاستعباد المكبل بين احتلال غاشم وسلطة مغشي عليها.

وهم اخرة فيها الملاذ هروبا من واقع جهنمي يساوم فيه الشباب الدنيا بالاخرة.

واستمر بالسؤال لنفسي ، واطرحه على ابنائي ، وعلى الاهل مثلي ، هل تبنى الاوطان بدماء ابنائها بلا قيادة ؟

بين ضمدنا لجروحنا وتقبلنا للواقع المرير وبين السعي للجراح والمرارة تكمن معضلة وجودنا .

علينا ان نحب الحياة ونسعى اليها رغم عنجهية الاحتلال وهوان السلطة . لان هؤلاء الذين لاذوا بحياتهم من اجل وطن تراه بناتي ، منهم كان سيخرج قائد يبني للحرية حجر.

الوطن يحتاج ابناءا يبنوه بحجارته ، فلقد ارتوت الارض بما يكفي من دماء ابنائه الزاهدة .

بهذا الجيل امل يجب ان تشجعه الحياة لا الموت .

وبينما يعتصر قلبي على كل ابن وابنة صعدت ارواحهم الطاهرة الى الاعالي، مفتقدة املا لحياة كانت قد تكون حاملة لتغيير مرجو .

ابتهل ليوم يخرج من هؤلاء الشباب والشابات جيل ثائر يرى من الحياة طريق للحرية لا الموت .

5 أفكار بشأن “الامل في جيل يصبو الى الحرية بالحياة لا الموت”

  1. This is a very, very good post. I don’t agree with you on everything you had to say but that is okay. Our children are being sent to the slaughter everyday because of hate and ignorance on all sides. These issues are issues the Devil uses to separate us, and kill us all.

    1. I don’t often agree with what I think as well. We need to allow our thoughts to flow. With whatever comes out . There is a real need for a discourse that should help us get out of this blood shed that only us are paying.. The lives of our children

  2. There are very few ideas/principles worth dying for; those involving nations, or religions, are certainly NOT worth it, since they are both based on the assumption that humans cannot govern themselves, either in reality, or illusion. Both are wrong, and, are not a reason for which it is honorable to die… It is only futile….

    As long as humanity refuses to grow up, and put the myth of religion and government behind us, we will suffer conflict. and war, right up until the environmental changes we have made, in our avaricious ignorance, end up killing us all…

    gigoid

اترك رداً على oldpoet56إلغاء الرد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading