لو كان آذار كذبة نيسان

ترك آذار وراءه الكثير من الأحداث الغريبة العجيبة . السخيفة القيمة .وكأن استقبال نيسان بكذبة ابسط ما يمكن أن يبدأ به الشهر الجديد.

للحظات سألت نفسي ان كان آذار هو شهر التكريمات . أعرف أن هناك عيد الأم ويوم المرأة وعيد الفصح وحتي عيد المسخرة وبداية الربيع وتغيير الساعة الى التوقيت الصيفي. وكأن السماء تهزأ منا فتساقط امطارها مع استقبال الربيع وكأننا في وسط الشتاء.

ولكن يا ليت مفارقات حياتنا كمفارقات الطبيعة عندما تداعبنا بأمطار الشتاء باستقبال الربيع.

فجأة شعرت وكأننا شعب مبدع . تحول الشهر الى شهر تكريمات وابداع . وكأننا بموسم التكريمات والدروع .

مما لا شك فيه ان تكريم فلسطينية كأفضل معلمة بالعالم مستحق . ولكن هل غار الشعب منها وقرر تكريم نفسه كذلك ؟

المشكلة في وضعنا اننا نستبيح كل المضامين ونشوهها . ويختلط حابلنا بنابلنا وننتهي الى دروع تكتظ على رفوفنا فوقها شهادات ورقية تحدد قيمتنا العلمية وبالتالي الاجتماعية . فالدرع التكريمي اضافة في موضة التسابق نحو الفراغ الحالك في وجودنا الفلسطيني اليوم.

وبين استباحة وتسلق تكتمل الصورة . فالمستحق الحقيقي والمنجز الصحيح اما مهمش لا يعي قيمته احد ولا يقدره او يتم اكتشافه من قبل الغرب على الارجح فنتسلقه جميعا ويصبح استحقاقا وطنيا شعبيا وحكوميا.

ومن تكريم الي تكريم ..قد تكون هذه ابسط مشاكلنا . يبدو انه لا يوجد بعد ازمة حقيقية تلهي الشعب بتعديل وزاري جديد او حراك في تكريمات وتعيينات رئاسية . وكأن موجة التكريمات من مموليها او متلقيها كانت حملة ترويجية قادمة لاستحقاق في تعديل وزاري قادم او مكرمة رئاسية في تعيين فخري استشاري.

انا عن نفسي لست مستعجلة على تكريم او تنصيب ، لأني اكيدة بأن الشعب كله ينتظر الفرصة القادمة بأن يكون وزيرا قادما اوستأتيه هذه الفرصة.

طبعا لم يخل الشهر من حصاد القتل المجاني ، ولكن هذه الامور صارت عادية ويومية. نحن نفس الشعب الذي اعترض على دبكة طلاب الجامعة قبل اشهر في حمى القتل التي لم تخف وتيرتها ، ولكن خف انتماؤنا لشعورنا تجاه الخسارة. فالتكريم يجري بقاعة مغلقة تكلفته قد تطعم عوائل محتاجة ولكن الدبكة لا تكلف. تثير غريزة الجياع المستكينة. تدمر اسرائيل بيوت الشهداء وغيرهم وتصعد في عملية التهجير القصري وترجع جثث الشهداء المحتجزون منذ اشهر وسط صدمات عوائلهم الثكلى والشعب في سبات يصحو لحضور تكريم جديد.

كذلك العشريني الذي قرر “ذبح” طفلة في حضانة تديرها امه من بيتها لتطعم عائلة فيها عشريني على الارجح عاطل او مدمن بسبب شهادة علقها ولم يجد وظيفة .او بسبب انهيار في منظومة التعليم الذي فقد اهلية التربية من مضامينه . تردد بعض الوسائل الاعلامية ،ولا اعرف ان كانت كذبة نيسان ام صحيحة ان هذا الشاب اراد ذبح الطفلة وغيرها تنفيذا لعقيدة داعشية نادته لفعل ذلك. كل ما يمكن قوله عن هذا الرجل ان صح ما قيل انه بلا ادنى شك اما متعاطي لمخدر ما جعله يهلوس او فاقد للاهلية مجنون. يعيش في مجتمع لايعيبه اهلية الرجل …ولكن رجاءا .. لا تدخلوا داعش بيننا هكذا … وضعنا لا يحتمل .حتي داعش بريئة من مهاتراتنا .

فداعش لا تتحمل اجرام هذا الشاب ولا ذلك المغتصب للاطفال ولا قاتل امرأة ولا سارق ولا بائع ذمة ولا فاسد ولا متسلق ولا عاطل عن عمل. وداعش ليست هي من يصنع الدروع المقدمة بموسم التكريمات .

والحكومة لم تترك فيض انجازاتها طبعا ، وخرجت لنا بقانون مقترح جاهز للتنفيذ الفوري تحت عنوان الضمان الاجتماعي . لتؤكد لنا السلطة بأن لا ضمانات بضماناتها . شرخ جديد وكبير في الشرعية الفلسطينية يطرح الكثير من التساؤلات اهمها كيف يتم وضع القوانين؟ وكيف يتم تمريرها . ولن ابدأ بشرعية اللا شرعية الحاصلة.

ولأن آذار ونهايته مهمة مؤلمة في تاريخنا الفلسطيني ، الذي ان لم تحرك شعبه دماء الشهداء اليومية ، فالتاريخ حافل بالمآسي السابقة التي خلدها لنا لكي لا ننسى.

يوم الأرض الذي انشغل العالم بإحيائه ، وخرجت المسيرات من كافة المدن والدول من اجل التذكر بأن هناك ارض عليها شعب اسمه فلسطيني ذبح ولا يزال من اجل احياء هذه الارض بنبض فلسطيني . تأتي السلطة والقيادة الفلسطينية لتصفعنا صفعة على الخدين ضاربة بعرض الحائط الدم النازف الحالي وذلك الذي نزف قبل اربعين عاما ليكون يوما للارض.

خروج وفد فلسطيني الى “الارض” التي يتم احياء يومها في ذلك التوقيت الذي لم ينتبه اليه عزرائيل على ما يبدو عندما خطف حياة جنرال في الجيش الاسرائيلي كان يخفى علينا نحن الشعب صلته الوثيقة المجدية الخادمة للقضية الفلسطينية .

اي مهزلة هذه يا سادة؟

ليته مات بهذا اليوم ليكون كذبة نيسان ونراوح امامها لكي لا نصدقها ونهزأ منها .لكونها بعيدة كل البعد عن التصديق. فهناك حد للانهيار الجارف الذي بات مستبيحا لنا كشعب وكأفراد.

ما يجري من استهتار يصعب حتي على عدونا .

يعني لو خرج الوفد سرا ، واكتشفنا هذا عن طريق الصدفة اهون ، من التهليل لهذا الصنيع المخجل . افهم ان المرحوم الجنرال قد يكون صديقا للشعب افلسطيني . وقد يكون عميلا مزدوجا للسلطة لدرجة انهم فجعوا لموته وقرروا الخروج بفوج رسمي عالي من قبل الرئيس شخصيا .

ماذا اقول بعد ؟

الرئيس… قررت عدم مخاطبته بنداءاتي له ، لم يعد يعنيني ان كان يسمع او لا . لانه وبكلا الاحول لا يهمه ما يجري . سواءا وصل ام لم يصل . سواءا كان يعرف ما يجري ام لم يكن يعرف . ولكن …

استحلفك بالله ايها الرئيس ان تأخذ هذا الشعب المهمش بعين الاعتبار ولو لوهلة عندما تتعاطى مع الاسرائيليين بكافة اطيافهم.

وواكد انني لا اريد الاستخفاف ولا الاستهزاء بكلامي هذا . ليعتبرها الرئيس او من يقرأ مهاتراتي هذه بمثابة الاشارة العابرة . انا لا مشكلة لدي مع اسرائيل . ولا مع الاسرائيليين عند التعاطي مع الامور الانسانية . ولا اخبيء علاقاتي ان وجدت ولا انكرها . ولكن …. هناك خطاب فلسطين تعبوي ضد اسرائيل . حاولوا الالتزام به لحفظ ماء الوجه لا اكثر .

سيدي الرئيس واي وكل من يقرأ هذه الكلمات … الاعلام ينشر كل شيء ولكل مكان حتى الى الفلسطينيين الذين تظنون انهم يشاهدون تلفزيون فلسطين فقط.

ماذا عساي ان اقول لأبنائي ؟

قبل اسابيع ربما كنت وصديق لي من رام الله في شارع صلاح الدين بالقدس وسألني مستغربا عن الاغاني الاسرائيلية التي تعلو بصوتها من داخل سيارات بعض الشبان.

بدأت بمحاضرة حول الاسرلة والجهل المستفحل ومشكلة الشباب الذي يشعر بالضياع بين هوية وفرصة نجاة.

نفس الحوار الجاري مع ابنائي حول التشبث بالهوية وجدواها.

ولكن ماذا عساي ان اقول . وكيف ارد . وماذا نعلم الاجيال القادمة حول تهديد الاسرلة عندما يعلن الرئيس للملأ (الاسرائيلي) بأنه يستمع الى اغانيهم ويحبها .

رئيسنا قدوة لهؤلاء الشبان الذين تساءل عنهم صديقي اللاجيء من يافا الى رام الله.

سأكتفي بهذا القدر …

واتمنى لنا نيسانا ينسينا خيبات آذار ويكرمنا بتكريمات جديدة تنعش ربيع ايام هذا الشعب الذي لا ينتهي شتاءه العاصف .

اترك رد