فوز الكتلة الاسلامية بانتخابات مجلس الطلبة في بيرزيت للسنة الثانية على التوالي ،والذي لا يزال يشكل صفعة مدوية لحركة فتح في عقر دارها ، يعتبر مؤشرا مهما لتوجه الشارع الفلسطيني الحقيقي.
جامعة بيرزيت ، ذلك الصرح الذي يشكل النبض الأهم للحراك الوطني الفلسطيني المتمثل بانعكاس الشارع الفلسطيني بحاله الأفضل .
ما يحدث يؤكد على أمرين يجب عدم التغاضي عنهما والتفكر بهما لصانعي السياسة الفلسطينية بقطبيها المتحاربين . أولا، إن فوز الكتلة الإسلامية لا يعني لا من قريب ولا من بعيد فوز الحراك الاسلامي الديني الطابع ، فمن انتخب الكتلة الإسلامية هم طلاب لا ينتموا بالضرورة لحماس ولا للدين الإسلامي. وثانيا، إن الانهيار الفتحاوي التنظيمي لا يمكن التغاضي عنه . ما يجري من انتصارات فتحاوية ممكنة ، يحدث فقط في اماكن لا يوجد فيها تنافس حقيقي بين اقطاب اخرى غير فتح.
ما جرى يؤكد انه وبحال إجراء إنتخابات نزيهة تعبر فعلا عن رغبة الشعب ، سيكون الاختيار لحماس ، مرة اخرى لا للتوجه الديني نحو حماس، ولكن لانهيار الثقة في توجهات فتح من جهة ، وانهيار منظومة فتح الداخلية من جهة أخرى، وطبعا أداء الحكومة (الفتحاوية الغلبة والسيطرة) غير المرضي.
هناك درس على الفصيلين التعلم منه ، ان نجاح حماس يكمن فقط في انفتاح حماس نحو المجتمع الفلسطيني كافة بتوجه علماني وطني . فلن يتردد الشعب بإقصائهم مرة اخرى اذا ما لمسوا توجها متطرف الابعاد . وان انهيار فتح مرتبط ارتباطا وثيقا بفقدان فتح لبوصلتها الوطنية وانشغالها بالفصيل والاستحقاقات الشخصية وابتعادها عن الوطن .
ففتح التي انطلقت حملاتها الوحدوية الوطنية من لجان الطلاب المختلفة بجامعة بيرزيت ،لم تعد هي نفسها ، ذلك الفصيل المشكل للوطن بكافة أفراده . ذلك الساهر على القضية والتحرير .
أكتب هذا ، وأشعر بارتياح لعدم انتمائي الحزبي لأي فصيل . ولكني بنفس الوقت أشعر بأسى داخلي الى ما آلت إليه فتح . إن فتح بالأساس كانت هي الحركة الوطنية الفلسطينية التي تمثلني كالأغلبية غيري في السابق . في ذلك العهد الذي كان الإنتماء فيه للوطن . لذلك الحلم بالتحرر وكسر قيد الإحتلال والإستبداد.
ما جرى يؤكد كذلك على حقيقة أخرى ، وهي غياب أي قوة أخرى فصائلية . فالغلبة بنهاية المطاف لأحد الفصيلين .
ما رأيناه في الأسابيع القليلة الماضية من انتخابات في مجالس طلاب الجامعات واهتمام كبير بالأمر ، يؤكد كذلك على اهتمام الشعب بموضوع الإنتخابات . مما لا شك فيه ان انتخابات الجامعات مؤشر مهم لما يجري في الساحة العامة الواسعة للوطن. وقد يقول قائل ، إن فوز الكتلة الإسلامية ببيرزيت قد تكون مدلولاته فقط على قوة الكتلة التنظيمية تحديدا في مناطق الشمال الفلسطيني ، حيث كانت الغلبة في انتخابات الجامعات الأخرى في الجنوب ، كالخليل وبيت لحم وكذلك بالوسط في جامعة القدس لكتلة فتح. ومهما حاولنا تبرير الأمر ، فما من مشكك يستطيع ان يلتف حول أهمية بيرزيت كمؤشر محوري لنبض الشارع الفلسطيني السياسي .
هذا لا يقلل من نتائج انتصار فتح في الجامعات الفلسطينية كذلك ، ولكن ليس من الصعب رصد الأسباب والعوامل وهيمنة الجامعات في أطر مختلفة على مجرى الأمور وترجيحها . إلا أن بيرزيت كجسم مخضرم في الحراك الديمقراطي الوطني لا يمكن التحكم في ترصيد حراكها لأي اتجاه بنفس السهولة .
يبقى السؤال المحير ، والمعطل للإنتخابات لمدة تعدت العقد من الزمن . هل ستفوز حماس بالإنتخابات اذا ما جرى انتخابات ؟ وعليه فلن يكون هناك انتخابات ؟
من الصعب كذلك التأكد مما تخفيه الإنتخابات القادمة في غزة. فهل سيقصي اهل غزة حماس عند الإنتخابات ؟
أجوبة لا يريد أي من الفصيلين التعامل معها ،ويكتفي كل منهما الإدعاء بأنه المنتصر الوحيد ،وأن كل هزيمة هي إما مؤامرة أو سوء حظ به بعض سوء التخطيط (لأن الفصيل لا يخطيء) سيحالفه الحظ في المرة القادمة.
وبينما نشهد مرة أخرى قرع مدوي لناقوس خطر على الفصيل المنهار والفصيل القابع بين أنفاق المقاومة تارة والمتاجرة تارة أخرى ، تبقى الإنتخابات القادمة هي المطلب الشرعي الذي سيخرجنا من الأنفاق وينجينا من الإنهيارات المتتابعة.
على صناع القرار من الفصيلين ان يلتفتوا الى الشعب لا إلى مصالحهم السيادية التي لا تتعدى مصالح بعض الأشخاص من الفصيل هذا أو ذاك ، يجر كل بوزره شعبا كاملا متفقا مع توجهات هذا الفصيل او مختلفا ، لم يكن ليهم ، طالما الوطن هو العنوان .
إنتخابات اليوم ، بفوز الكتلة الإسلامية تقول أمرا واحدا ، مرة أخرى : إن هذا الشعب ليس بالشعب الغبي الساذج. عند لحظة الحقيقة لا يتردد أن يقول كلمته … كلمته تلك التي لا يزال الوطن كما عهدنا الحلم فيه هو الهدف المنشود.