تخطى إلى المحتوى

كل نكسة وفانوس الميدان يجمعنا

هناك سؤال ملح يضرب في رأسي . هل نحن في وضع انتفاضة / ميني انتفاضة/ هبة؟ يعني كل هذه المسميات التي انشغلنا في تسميتها قبل أشهر ليست ببعيدة.

قبل أيام كنت في غزة ، وأوقفني أحد الشباب في “خزاعة” . أراد أن يقول شيئا ما لم أعد أذكر، في ظل المآسي غير المنتهية هناك . لم يكن بإمكاني الا أن أرى ساقه المبتورة . سألته متى فقدها ،فقال :”انتفاضة القدس” . مع أن شكله لم يوح لي بأنه عاش الانتفاضة الثانية ، الا انني ظننت انني أخطأت في قراءة عمره . وبين حديث عابر عن الانتفاضات ، قال لي الشخص المصاحب له : ” هل تظني ان هناك افضل من الانتفاضة؟” كنت لوهلة قد نسيت اين انا ، في ظل كل تلك المشاعر المصاحبة للمآسي المختلفة . وكدت ابدأ نقاشا بيزنطيا عن جدوى الانتفاضات او عدم جدواها . ولا اذكر اللحظة تلك التي استوعبت فيها تماما ،بأن المقصود بانتفاضة القدس هو احداث الخريف الماضي. لا استغرب ان يكون الشبان قد ظنوا بأنني غريبة الديار ولست غريبة غزة فقط.

لا اعرف كذلك ان كان ما يجري بداخلي من تمحيصات ،حق ام غباوة . ولكنها لم تكن المرة الاولى التي اقف امام موقف اتذكر فيه اننا في “وضعية انتفاضة/هبة…” وقد انتهز هذه الفرصة بينما تشتعل ذاكرتي بالتساؤلات ونحن اليوم في ذكرى النكسة . هل انتهت الانتفاضة الاخيرة ،التي سماها الشاب الغزي انتفاضة القدس؟ واذا ما انتهت على ماذا ترتبت ؟ ما الذي جنيناه ؟ من الذي اوقفها او انهاها ؟ الشعب ام الحكومة ؟ لن اقول ان الاحتلال اوقف شيئا لانه في حالة تأهب دائم . فالتنكيل لا يتوقف على كل الاصعدة متى سنحت الفرصة ومتى لم تسنح.

وهنا ، نتذكر دورنا في “مقاومة” الاحتلال كل فترة ما ، لنبقي مشاعرنا الوطنية في يقظة ما ، ونبدأ بالصراخ من اجل “مقاطعة بضائع الاحتلال”. وتبدأ الحملات الغوغائية الفارغة . قبل اسبوع تفاخر الناشطون بحرق المنتجات الاسرائيلية . ولو كان عاقل بينهم ، لتذكر الجوعى في وطنه ، ووضع ملصقا ربما للتذكير ووزع تلك المنتجات على الفقراء الكثر في المجتمع. في غزة مثلا ، هناك اناس لم يعد الاحتلال هو عدوهم. هناك جيل لا يعرف اين مسقط رأس عائلته المنكوبة. هناك بشر يعيشون بلا مبالغة تحت مستوى الحيوانات . هؤلاء لا يرون من المنتجات الا ما يسد حاجاتهم ويشبع جوعهم. مع الاسف المساكين في هذا الوطن من فقراء ومحتاجين يزداد عددهم فلا صعوبة في ايجادهم . بالضفة ، بالقدس، او غزة. فالبؤس هو حالنا على مراحل مختلفة.

وها نحن نستقبل رمضان ، وكأننا في سلم وسلام .

لم أكن ابدا ولن أكون داعية او مروجة لسفك دم او تقديم دم مجاني من ابنائنا ، ولن اكون. ولكن ، هناك اقل ما يمكن لنا كشعب منكوب ان نقدمه لاولئك الذين فقدوا ابناءهم في الشهور الاخيرة مما تسابقنا على تسميته انتفاضة. قد تكون الانتفاضة تلك انتهت . وقد تكون الاسباب كثيرة ومتشعبة الوجوه . ولكن اولئك الذين فقدوا ولم يتوارى جميعهم التراب بعد ، لهم احبة واهل مثكولون برحيلهم. اقل ما نفعله كشعب ان نحترم انفسنا وان نخفف من احتفالاتنا باي شيء وكل شيء .

موسم التخرج من الجامعات والمدارس . وكأن الفرحة حق مكتسب علينا فقط. علينا نحن من لهم ولد او ابنة يريدون الفرحة فيهم . اولئك الذين فقدوا ابناءهم وبناتهم . اولئك الابناء والبنات بالسجون الذين فقدوا مستقبلهم . اهم خارج السرب الان من المجتمع الفلسطيني؟ هل على كل بيت ان يخسر ابنا او ابنة ليشعر بحرقة الفقدان ؟

الا يتوقف احد ويسأل ، ماهو شعور الاب ،الام، الاخ ، الاخت،الصديق،الحبيب، ….امام كل تلك الاحتفالات وكان له ابنا او ابنة كانت هذه الاحتفالات ستخصهم ؟

نحن شعب فقد الاحساس بالكل الا بما يخصه هو . نفقد في كل لحظة معاني الوحدة حتى بأبسط ما كان يميزنا كعرب . تلك النخوة والشعور بالاخر. اليوم في عالم الفيسبوك . لم يعد الجار هو الجار بالبيت . فاصدقاءنا على الفيسبوك اقرب لنا من اهلنا . والله اني لاشعر بالخزي في كل مرة ارى فيها هذه الغوغائية من الاحتفالات ، واعرف ان والد شهيد او شهيدة . سجين او سجينة يشاهدون منشوراتنا من الفرح الجماعي . ولست ادعو هنا لكسر الفرحة وتجميدها . ولكني ادعو لبعض الحياء في مشاعرنا . فنحن جميعا مستهدفون تحت احتلال قد يكون اولادنا الشهداء القادمون. مع الاسف الشديد لا يوجد من هو محمي تحت نيران جندي ينظر الينا بعين واحدة.

اولئك الذين زهقت ارواحهم من اجلنا .كل ما نحتاجه بعض الاحترام لحزن اهلهم واحبتهم.

في مناسبة عيد الميلاد ، نكست اعلام العيد ومنعت شجرة العيد من الاضاءة في خطوة لا زلت اراها من اسوأ التقديرات لمن اصدر هكذا قرار. ويأتي رمضان اليوم ، وزينة رمضان تملأ البيوت والشوارع اكثر من تلك التي تعودنا رؤيتها في اعياد الميلاد. المفروض بأن المسلمون (نحن) لا نتشبه باعيادنا بالاخرين . وفجأة ، تتزين رام الله بفانوس رمضان عملاق يتوسط احدى ساحاتها وتعلن الفرحة ، لا ليوم بل لشهر كامل .

والله لم اعد اعرف ما الذي يجري معنا وبنا . احاول القاء اللوم على اصحاب القرار ، ولكن ، هم ليسوا وحدهم الملامون . هم نتاج لنا .

لا اعرف كيف لم يفكر من قرر وضع الفانوس بهكذا عملقة بصراحة مضطربة تسؤ العين لا تفرحها ، ولم يفكر بانه هو نفسه من منع شجرة العيد قبل اشهر قليلة . والفرق بين الاثنين واضح .

كيف تصبح شجرة العيد التي افرحت المدن الفلسطينية على مرور التاريخ مسلمين ومسيحيين ولو للحظات عابرة ، دخيلة بنظر البعض ، لا تتفق مع ديننا ولا تقاليدنا . ويصبح الفانوس الرمضاني ممثلا لثقافتنا ومجتمعنا عنوة.

ثم نتساءل عن اصل العنصرية . ونستغرب لما هناك ضغينة مستفحلة في عروقنا .

لو كنت مسيحية بهذه اللحظات لشعرت بالقهر . بنفس ذلك القهر الذي سيشعره كل من فقد ابنا او ابنة . كل من يقبع ابنه او ابنته في سجون الاحتلال . كل من لا يجد لقمة يسد فيها جوع ابنائه وينتظر رمضان ليتستر بالصيام وليسكت جوع ابنائه….

كل عام ونحن مع كل نكسة وكل رمضان بخير .

للتنويه …. يطل علينا رمضان بمناسبة النكسة.

1 أفكار بشأن “كل نكسة وفانوس الميدان يجمعنا”

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading