رمضان بفساد حياتنا ابهى !!ء

يزورنا رمضان من جديد ، ويزاحم واقعنا المسلسلات . بين تنافس عبر الشاشات بين الجيد والسيء ، بين الملفت والممل ، بين المفيد والمسيء من مسلسلات . يبقى واقعنا مهيمن على ما يمكن للمسلسلات تصديره لنا من استهلاك. فرمضان اصبح سوقا استهلاكيا ، يتسابق فيه التجار في عرض بضائعهم ورفع أسعارها ، ونصطف نحن معشر الشعب الجياع تحت شعار صيام بالدور متزاحمين نحو لحظة الاكل المفجع طيلة الليل حتى بزوغ الصباح.

يتصل ليلنا بنهارنا بين جوع نروضه بالنوم ،وبين فجع نمضي به طيلة الليل . كالبوليميين (مرض نفسي يمتتنع به الشخص عن الاكل ويأكل بشراهة ثم يخرج ما في معدته لكي لا يزيد وزنه)

واقعنا كمسلسلاتنا منفصم، استهلاكي، فاسد.

رمضان شهر الشعور بالله والفقراء . علمونا في الصغر بأننا نصوم لنشعر بالفقراء الجائعين المساكين . كما علمونا ،اننا في رمضان نتقرب الى الله بالعبادة والدعاء. وبينما لا تزال هذه التعاليم نفسها ، لم تتغير ولم تتحرك من مكانها ،نتوارثها جيل بعد جيل . الا اننا تغيرنا في اخلاقنا . فلم يعد رمضان الا شهرا لزيادة الكسل ، والشراهة ، وتضييع الوقت . آخر همنا الفقراء والمحتاجون . لا تستيطع ان تكلم شخصا في رمضان لكي لا تتحول الكلمة الى مشاحنة. الكل يمشي ويحمل البشرية وزر صيامه . “اللهم اني صائم ” لا تردع غاضب ولا تفطر قلبا غليظا . لا تسد جوع مسكين ولا تزيد من اخلاقنا المعدومة شيئا .

وكأحاديث المسلسلات نقع في احاديث المدينة. بدأ رمضان بفانوس توسط “العاصمة” السلطوية رام الله ، في مشهد لا يمكن تجاهله من سوء تقدير للحال العام والحال الخاص ، بين وطن لا يزال يلملم جثث ابنائه المحتجزة في ثلاجات الاحتلال ، وبين مواطن غير مسلم منع من الفرحة في اضاءة شجرة العيد الممثلة لتقاليد الديانة المسيحية . كبرما على ان الشجرة هي تقليد ليس اسلاميا لان الاسلام لا يحب التبرج والتزين ، واذ بنا ننافس تبرج الشجرة بفانوس قررنا انه صار انارة الاسلام ومبشرا بهلال رمضان . وفي القدس وبعض الاحياء غبطنا للزينة التي علقتها سلطات الاحتلال. وتغاضينا وكأن كل الامور عادية….

وككل مرة يخرج علينا ،اولئك المقموعون، البائسون ،اليائسون من مخرج لهذه الحياة التي انعدمت منها الكرامة ليذكرونا ، بأننا لا نعيش بحياة عادية. بأننا لا نزال هناك في “انتفاضة” لم تحسم بعد. نصمت ، او نعبر. نفرح او نحزن . لم يعد هذا مهما ، فكلنا تحت تأثير مصالحنا وخوفنا . ولا نخجل امام تضحياتهم من خساسة احاسيسنا . ولا يخجل المنفعون الدائمون من التذمر …كيف لا وقد تعطلت التصاريح … كيف لا ولقد انتهى الوطن معهم ومنذ زمن بهم. ولقد صدق رئيسنا المسالم عندما انعم علينا بتصريح قائلا : ” هم الخاسرون في وقف التصاريح!!” ونحن الشعب المتفرج….

لا يوقفنا شيء ، فنحن في موسم التخرج ….

كان الخبر سيكون خبرا عابرا ، مشاركة صديق او قريب اصدقاءه بنجاح ابنتهم . لم يكن ليعلم او يلاحظ بأن هذه البلد مليئة بالاسى والقرف من الحال البائس الذي لم يعد يعنونه بعد الاحتلال والبؤس الا الفساد.

كان سوء تقدير ام استهتار ، ليس الامر بمهم . موضوع تعيين فتاة تخرجت للتو من الجامعة كقنصل عام في سفارتنا العتيدة بفنزويلا . لن اتهكم على موضوع كله تهكم . فحالنا كالبلاء العظيم . نعيش كمن اصابه الطاعون . يتفشى الفساد فينا مثله .

لا اعرف ان كان استغرابنا عبثيا ، ولا اعرف ان كان هناك منا من فعلا تفاجأ . فما جرى من تعيين للفتاة يجري كل يوم . قد نفرح بأنه على الاقل ،لربما تكون الفتاة اهلا لمنصب رفيع اذا ما كانت قد تخرجت من جامعة محترمة. ولكني لا استطيع الا ان افكر، كيف ستكون اهلا ولقد قبلت على نفسها ان تخدم لسنوات في منصب بنفس السفارة ولسنوات وتدفع لها الحكومة الابية بينما هي في قارة(او دولة) ومكان العمل في قارة (او دولة) والوطن في قارة أخرى . ولا اعرف ما الذي نرجوه من مستقبل بجيل افضل ،يبدو ان الدم الفاسد فيه بالجينات . فما يقبله الاهل على انفسهم ، يبدوا انه طبيعي بابنائهم . اتخيل ابنتي بهذه اللحظات وهي تستعد للتخرج . لو كانت مكان تلك الفتاة ماذا كانت ستفعل . لم اعد اعرف للامانة ، اذا ما كانت امانتنا هي نتاج لاخلاقنا ، ام انها فقط لاننا لم نصاب بداء السلطة؟ بينما اعي جيدا ان ابنتي لن تقبل ابدا ان تكون في منصب لم تسع اليه وتجتهد . اعي جيدا بأن السلطة مفسدة.

حالنا لا يبشر بخير ،لا بظهور هلال ولا بأفوله. لا تكفينا سماء ليلة قدر لتفرج كروبنا ولا بزوغ كواكب الحظ ولا الخير.

الفساد المستفشي في السلطة وابنائها لن ينتهي بقضية سفيرة انجبت قنصلا . ولا بثوري انجب وزيرا . في العادة قد تكون هذه امورا عادية ، فالطبيب يؤهل ابنه للطب ، والرياضي يحث ابنه على الرياضة ، والسياسي قد يصبح ابنه سياسيا . ولكن بجدارة . اليوم موضوع المحسوبية لم يعد فقط موضوعا مؤرقا ، بل مقرفا . لأنه يشدنا نحن كشعب للوراء اكثر . قد تكون البلد والوطن به من الكفاءات التي من الجدير الاستثمار بها . قد يكونوا اولئك اصحاب السلطة قد انجبوا ابناءا مؤهلين ، لما لا وابناؤهم تقدم لهم التسهيلات بالحياة والجامعات مفتوحة لهم بلا مشاكل مال ولا معيشة . وقد نكون نحن الشعب الحاقد الجاحد ظالما للأبناء ، فليس من الصحيح ان نعتبرهم وزر اهاليهم. ولكن مع الاسف ، يبدو ان الفساد كذلك وراثة . كنا نقول بأن هذه المرحلة لا بد ستنتهي بيوم ما ، لا بد ان ينتهي تاريخ صلاحية اولئك ، قد يتذكرهم عزرائيل في ابعد الاحوال . الا انه يبدو انهم لا ينتهون . ففي حالة الصبية القنصل الجديد ، كيف سنأمل ان تكون صالحة وقد بدأت حياتها العملية بالواسطة والمحسوبية ؟ نتفوق في حالنا على خيال منتجي المسلسلات الرمضانية المجتاحة لقاعات جلوسنا . نهرب من خلالها من واقعنا ،لنرى المسلسلات جزءا متيسرا من حقيقيتنا.. بقباحتها وفسادها وبؤسها .

لا اعرف اين نحن كبشر من كل هذا . سواءا شعبا ام حكومة.

الفساد المتفشي فينا لن ينتهي الا بحالتين ، انهيار السلطة الفعلي واعادة الاحتلال . او انتخابات حقيقية .

وفي الحالتين لا اعول على شيء . فالحالتين مر.

لأن الله لن يغير ما بأمرنا لطالم لم نغير ما بأنفسنا

رمضان كريم

One comment

اترك رد