تخطى إلى المحتوى

مسلسلات رمضان …واقع عربي استهلاكي

http://www.raialyoum.com/?p=459455

 

في كل رمضان استهلك رصيدي من مشاهدة التلفاز. آجدها فرصة للرجوع الى الذات العربية والتواصل . فعدم مشاهدة التلفاز لفترة طويلة يجعلنا نفقد الصلة بين الواقع الاجتماعي السياسي الثقافي ،والحقيقة المرجوة من الحياة.

وفي كل مرة ادخل فيما يشبه الهوس المرضي ، اكرس كل الساعات المتاحة في تضييعها على المشاهدة. تبهرني احيانا ، وتؤرقني احيانا اخرى ، وتجعلني اجلس موقنة بأن حالنا ميؤوس منه . لا افهم كيف كان العرب في عز ابدا . لا بد انها اشاعة او كذبة اخترعناها . فنحن شعوب تعيش على الاستهلاك ، لا يكاد يخرج منها شيئا مثمرا.

والمسلسلات لا تختلف عن واقعنا في مبالغتها وانفصامها . نفتش على مسلسل سوري ، غير استهلاكي من الناحية الثقافية كباب الحارة مثلا ، فلا بد ان باب الحارة استنفذ كل الحيل الاستهلاكية المجتمعية في فصله الثامن ، فأبو عصام اصبح نسويا ، وتم استبدال معتز بممثل يبدو انه عارض ازياء . واذا ما كانت الدراما السورية مستاءة بتجسيد الصورة النمطية لباب الحارة من ذكورية وحياة حواري ، فتحويلها لما يبدو استعراضا نخبويا للغنى الفاحش في ظل ما يحصل من سوريا من امور يبدو مفزعا . فالسوري الغني هرب الى لبنان ليكون فاحش الثراء او السوري الباقي لص فاحش الثراء كذلك . والسوري الباقي لاجيء معدم. وطبعا بين العدم والثراء ترى لويس فيتون وشانيل وابف سان لورانت متصدرون للمشاهد . اكاد اجزم ان المسلسلات ساحات للدعاية للماركات العالمية تلك. الا انني على قناعة بأن نجومنا مستهلكون كصناع الدراما . ما يجري لا يكاد يكون اكثر من عرض بالتنافس في شوق الماركات العالمية المكتشفة من قبل الشعوب العربية بمتوسطها الاجتماعي وفنانيها . يذكرني السباق على عرض الشنط والاحزمة والاحذية بذلك الذي نراه في اللقاءات المجتمعية للاغنياء الجدد في مجتمعاتنا . في عرض للماركة يتقدم على الشخص نفسه ، وطبعا مع حقن للوجه وشفط للوسط اكاد اجزم ايضا بان النساء لم تعد تنظر في صورها القديمة ولا في المرآة بعد مسح الماكياج عن وجوهها .

والحال في المسلسل السوري واللبناني لا يختلف عن ذلك في المسلسل المصري . تمشي في شوارع القاهرة وترى شعبا بسيطا متزاحما على اللقمة والعيش البسيط ، وتتابع المسلسلات وتشاهد ثراءا لا يوصف في بيوت اسطورية ومساحات شاسعة ، وغنى يصل حد الفحش ، وتفكر ، اذا ما كان في مصر ٩٠ مليون انسان ، هناك مليون منهم يستهلك ما يستهلكه ال ٨٩ مليون بساعات . ثم يخرجك المسلسل الى دعاية تستنفذ ما تبقى من الشعب في حملة مضحكة مبكية ، لامرأة تتبرع بحلقها الذهبي للرئيس !! هو نفسه الرئيس الذي طلب من الشعب ان يصبح على مصر يوميا بجنيه . افكر بالمصريين واتساءل ما الذي يفكر فيه الانسان العادي الذي لا يتعدى دخله الشهري وجبة غداء لشخص غني في بلده ؟

طبعا ، من الصعب الخروج من تلك الحالة المسيطرة على المسلسلات ، فمن شكل غادة عبد الرازق وتحولها الى ابنة ١٨ سنة في شكلها وجسمها ، الى ذلك البذخ المفرط في تقمص ماجد المصري لدوره وزوجته التي بلا شك تكاد تكون في نفس عمر ابنه (التي هي والدته ) في المسلسل . اقحام علينا في طريقة حياة بفرط بذخها وسوئها الا انها ترسل رسائل مفزعة لواقع لا بد انه موجود. ثم يرمينا تيم حسن بشباك غناه هذا العام ايضا ووقوعه المحزن في فخ جمال ندين نجيم التي لا تزال تسيطر بجمالها على المشهد ( للحق لم اعد اطيق رؤيتها او سماعها بعد مداخلتها الحقيقية وطرح وجهة نظرها بالمرأة والرجل وتفضيلها المطلق والواثق بأن الرجل له القوامة) ، ولكن علي الا اشخصن الامر ، واكون بناءة في نقدي.المهم ، موضوع البذخ وكون تيم هو ما تتيم اليه كل امرأة ، ليس فقط استهلاكي ، الا انه يعكس ما نفتش عنه نحن معشر النساء في مجتمعاتنا . تمسح المرأة تماما ، ويكون كل ما هو ممكن ان تصبو له ذلك الدور ، في ان تصبح زوجة رجل كتيم . ليس صدفة ان نرى تيم في عدة وجوه ، فمن نص يوم ليا ريت لجريمة شغف للخانكة والميزان وقد تطول القائمة لما لا يسعه هوسي من مشاهدة ، هناك دور اساسي يكون به الرجل الغني هو صاحب الامر والخيار والكلمة العليا ، فيحق له ما لا يحق لغيره وتتلاهث نحوه النساء . وطبعا ، في المقابل هناك النساء المخادعات ، الحاقدات وفي الكثير من الاوقات الخائنات . لا اعرف كم هو مقصود كذلك ، دور المرأة اللبنانية المركزة بجمالها وتفاهتها وخداعها وخيانتها في الاغلب مقابل المصرية العفيفة التي طبعا لا تقل عنها منافسة بالجمال . يكاد التفريق ان يكون مخجلا . فترى زج اللبنانية اللعوب في المسلسلات المصرية كأنه وصفة تلفزيونية في اكثر المسلسلات . فمثلا “وعد” يفضلها “يوسف” على تلك اللبنانية في تايلند ويرميها الى الشارع ، مع ان وعد نفسها امرأة تحب الحياة التافهة وتشعر بالظلم والقهر بثبات حياتها مع زوجها الطبيب الغني .

يعني هناك شيء ما بالدراما الرمضانية متداخل مع ذلك بالدراما التركية. تقليد بالاشكال والبذخ والاماكن . وطبعا الدراما نفسها . فمسلسل ظافر عابدين ودرة لا ينقص منه الا ان يتكلموا بالتركية المدبلجة . الاختلاف الوحيد هو ضعف السيناريو والاخراج ما بين عمر التركي وعمر المصري في المسلسل . هناك بطلة كذلك لا استطيع عدم التفكير بها ، باستثناء الحلقة الاولى من مسلسل جريمة شغف ، يفتقد المسلسل الى كل انواع الشغف. هو هارب كل المسلسل ، وامل عرفة تستعرض لباسها الفاخر وحقيبتها الشانيل ، نادين الراسي تصيح انها مظلومة بعرض مسرحي مبتذل . كمية الفاونديشن على وجهها تبدو بالاطنان خصوصا ان هناك زميلة لها بنفس السجن لا يوجد شيء على وجهها . كأنهم يتعمدون تجميل الواحدة مقابل تبشيع الاخرى .

طبعا ، سأحتاج رمضانا كاملا اخر للحديث عن المسلسلات هذا العام ، في غياب تام هذا العام للمسلسلات الدينية ريما ، والتاريخية التي اصبحت عند وجودها كذلك تركية الطابع ، والسياسية طبعا مختفية تماما . فكيف يكون هناك سياسة في ظل هكذا وضع مأساوي . وكيف يكون هناك دين ، ونحن نعيش في زمن متاجرة الدين . وكيف يكون هناك مجتمع ونحن نعيش في زمن نحيا فيه على المظاهر ويزداد الاغنياء فحشا في غناهم ويزداد الفقراء بؤسا في فقرهم ، وبين البينين وضع حقيقي لحياة مأساوية . في سوريا التي تضيع من ارضها وناسها ، ترى دراما لا علاقة لها بالواقع . وفي مصر التي تكتسحها العشوائيات ، ويعيش معظم شعبها تحت خط الفقر نرى الثراء الفاحش والبيوت والقصور الفخمة. ولبنان تصر على ان بالنساء الجميلات فقط تسعد قلوب الرجال الاغنياء فقط.

وبين هذا كله ، تحاك الدراما على افكار ممسلسلات وافلام اجنبية وتركية . في كل شيء الا بالاسماء . وكأننا نشاهد اعمالا مدبلجة بوجوه مختلفة بعض الشيء.

المحصلة ، المزيد من الممثلين في اختفاء حقيقي للفنانين. ومن كان في السابق فنانا تحول الى تمثال شمعي محقون بالبوتوكس والفيلينغ مرتديا \مرتدية دور الازياء العالمية . اصبحت الممثلات كلهن كأحلام الاماراتية ، الفرق بأننا نرى بأحلام كابوس الحقيقة المفزع ،بين ما كانت عليه من مظهر وما جعلته اموالها ترتديه من قناع تلو القناع . اما الحقيقة الاخرى في الغني والبذخ المتصنع هذا ، انه يجر مجتمعات بأكملها نحو واقع لا يستطيع بالاغلب ان يتبعه او يداريه او يتقمص ايا من الحلي المتناثرة فيه . الا التشبث بحلم رجل كأحد هؤلاء يحقق فيه احلام كل تلك البنات المنتظرات حقيبة شانيل او فستان فيرزاتشي او حزام ايف سان لورانت.

 واقع مفصوم استهلاكي فارغ المحتوى…

2 فكرتين بشأن “مسلسلات رمضان …واقع عربي استهلاكي”

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading