تخطى إلى المحتوى

رمضان الخير…لا صوت يعلو فوق صوت التسوق…بالأسواق الاسرائيلية

رمضان الخير : لا صوت يعلو فوق صوت التسوق….بالأسواق الإسرائيلية

 

هناك مشهدان مهيبان يسيطران على المشهد الحالي، بين ما تناولته سابقا من انفلات أمني أو أخلاقي، لربما من الأجدى تسمية هذه الحالة بالانفلات الوطني. فلم يعد هناك معنى يوضح مفهوم الوطن، لا ذلك على الخارطة ولا ما يمكن أن يشكل الوطن بالوجدان. كيف وصلنا إلى هذا الحال من الإنفلات الإنساني بدواخلنا لا زلت أهذي بعدم الفهم . إلا أن الخلل الجمعي بات واضحا، مشكلا ،بمشهد واضح وصارخ حقيقتنا . مشهد على مشارف حاجز قلنديا الذي صرنا نطلق عليه والاحتلال معبرا . في ليلة رمضانية ختامية ، بينما لا يزال التدفق الى القدس تحت اسم الأقصى والمقدس هو العنوان ، يتجمع غفير الناس ممن يريدون العبور . ولأننا لا نزال تحت الاحتلال ، وفي صورة يعاد تكرارها يوميا ، لا يمكن التنبؤ أبدا لما يخبئه لنا الاحتلال ، تتفاقم الأمور وتبدأ مظاهرات . جزء من الحال الغريب ، قد يكون بدأه أحدهم، كان طفل أو مراهق أو غاضب أراد العبور ولم يستطع، فرمى حجرا أو أحرق إطار سيارة ، ضاربا بعرض الحائط والإنسانية أن الجموع المكتظة من المنتظرين الحانقين على الحاجز هم فلسطينيين. فتبدأ حالة هلع فيما بين الجموع أنفسهم وقوات الاحتلال ، الخاسر الدائم في هكذا مواجهة يكون نحن. ولم يكن غريبا ، أن يكون هناك ضحية ، سنسرع لنسميه شهيدا ، استنشق الغاز المسيل للدموع أو اختنق ربما من حالة الإكتظاظ . ولا ريب سنسميه شهيد الأقصى لأنه كان عازما الوصول اليها …. ربما …. ولربما أراد التبضع من المول الاسرائيلي للعيد.

المشهد المقابل في مول المالحة ، أو ماميلا ، سنسميه أحيانا مأمن الله لندعي احتفاظنا بالاسم وعروبته ، ألوف الألوف من الناس تكتظ هناك للتبضع. في نفس حجم المشهد المهيب ذاك على الحاجز الذي أسفر للتو عن مقتل رجل ربما فعلا أراد الذهاب إلى الاقصى ليصلي. لن أسميه شهيدا ، لأن الشهادة في هذا الوطن أصبحت سلعة يبيع ويشتري فيها المنتفعون منا بما تبقى من كيان كان يسمى وطنا.

كيف يستطيع الناس ، بجموعهم نفسها بأن يكونوا بالمكانين.

لا أتجنى ، ولن انفي صفة النحن من هذا الخطاب. لأن ما يجري يؤكد ان أنفصامنا أصبح مرضيا. وأكاد اجزم أن أولئك الآلاف المؤلفة في المولات الإسرائيلية هم أنفسهم من ينادون للمقاطعة ومن يصفقون للعمليات الفدائية، ومن يريدون الويل لإسرائيل ومن يصرخون من أجل الحرية. والاسرائيليون أنفسهم ليسوا في حال أحسن ، فهم أولئك أنفسهم الذين يصرخون عربي إرهابي في يوم عادي..إلا في أيام مباركة كهذه.. أيام تحل بركات الشهر الكريم وعطاياه على السوق الاسرائيلي من الفلسطيني الصائم . ينسى الإسرائيلي كل الكره والحقد ، ويأمن أمنا كاملا ، لم يعبأ الاسرائيلي في المول عن عملية يافا أو تل ابيب أو كريات أربع باليوم الفائت ، لم يعد الفلسطيني الإرهابي مرعب لوجوده مهددا له . يشتري ويبيع ويبتسم الجميع …

لم يعد هناك فرصة لتحليل ما يجري . فما يجري ليست حالة فردية أو استثنائية. نحن شعب لا يزال تحت احتلال ، منتفض، يودع شهيدا وأسيرا في كل يوم.

إلا أن ذاك التناقض الصارخ في المشهدين ، وفي نفس الوقت تناغمهما المتصق مريب . كيف يعبر الواحد منا من حاجز الذل في لحظات فعلا تم استشهاد أحدنا بها ويكمل طريقه بكل بساطة ليتبضع من المعتدي المحتل. لا يكاد يخلو أي حساب لفلسطيني على الفيسبوك من نداء للمقاطعة ومشاركات لحملاتها . وإن خلت المقاطعة من المستحيل خلو الصفحات الفلسطينية على مواقع التواصل المختلفة من النقمة والغضب والحقد على الاحتلال. كيف نكرههم الى هذا الحد ونذهب إليهم بأرجلنا لنروج بضائعهم وسوقهم في عيدنا ؟

كيف وصلنا إلى هذا المكان من انعدام الإحساس ؟ إلى هذا الإنقسام الفاصل في انفصامنا المرضي؟ إلى هذا الهوان في كل شيء إلا لحظات استهلاكية آنية لا فائدة منها إلا بعض متعة وتخيل لتوفير أو ربما سلع أفضل.

كما هو شأن تعدد الأمور الفردية التي تجعل من الأمور حالة عامة ، هكذا يبدو موضوع الإنصهار في الأنانية والوعي المحدود والإنسلاخ من هوية وطنية تتشوه تدريجيا . أكاد أسمع كل الشعارا ت الفارهة والتبريرات الدارجة ، “الكل بتبضع من عندهم ، أنا شو بدي هأثر؟” ما نراه اليوم هو كل فرد قال : ” انا شو ممكن هأثر.” النتيجة انه كل(صيغة مبالغة فقط وليس إطلاق التعميم ) الشعب الذي استطاع الوصول الى المولات الإسرائيلية اختار أن يتبضع من هناك. اختار ذلك متناسيا تماما كل الحقد القابع به تجاه كيان الإحتلال . ابتسم، وتبادل الكلمات والتحية ودفع الأموال ، وشعر بقربه من الإسرائيلي “ابن العم” لبعض الساعات ….ثم تجلى مع نفسه على أنغام ” أضرب اضرب تل ابيب” ربما.

هناك من شهدوا استشهاد أو مقتل رجل الأمس . هناك من تضامن في هذه الأيام مع عائلة محمد ابو خضير في ذكرى حرق ابنهم . هناك من ينادي من أجل المقاطعة بنفس اللحظة ويدعم البي دي اس. هناك من ذهب الى الااقصى للصلاة وعرج للأسواق الإسرائيلية ليفرح ابنائه او نفسه .

هناك حالة من التفرد الجمعي في انفصامنا خالي الأخلاق والنخوة ،في غياب حقيقي للوعي وحالة من تشويه الهوية الوطنية التي تكاد تكون انطمست ….

ولن يغير الله بقوم حتى يغيروا بأنفسهم…..

رمضان كريم

 

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading