تخطى إلى المحتوى

اذا الشعب يوما اراد الحياة…الشعب التركي

إذا الشعب يوما أراد الحياة….الشعب التركي

 

إن كان هناك درسا للداني والقاصي في أحداث تركيا بمحاولة الإنقلاب العسكري ، فهو قيمة الشعوب الحقيقية. معنى ان يتم بناء الحرية في أوصال الشعوب ليكونوا هم جبهة الإنقاذ الوحيدة لوطنهم.

لا أعرف إن كانت تهاليل الفيسبوك من تشجيع وندب . أو مباركة للإنقلاب أو تتويج آخر لاردوجان هي نتيجة للإحباط العربي العام الذي لا يمكن وصفه الا بالمتخبط والجاهل .

ما حدث بتركيا هو درس في قوة الشعوب . قوة تختلف عن تلك التي شاهدناها في ربيع بلادنا العربي الذي سرعان ما تحول الى شتاء وحل . هناك قواعد في بناء الحريات والحكم الديمقراطي لا يمكن استبدالها او التنازل عنها . مهما اتفقنا او اختلفنا مع الحكومة التركية برئاسة اردوغان ، فإن محاولة الانقلاب العسكري يجب الا يتم القبول بها . مهما كان الوضع الداخلي في تركيا مزريا..وهو على غير هذا. سواء كان الانقلاب مدروسا من حفنة من المنقلبين الواهمين الذين قاموا بما قاموا به اعتمادا على كره الشعب لاردوغان وعليه سيتم استقبالهم بالورود كما حدث في مصر قبل سنتين. ام انهم اعتمدوا على خطة خارجية يطبق فيها الطوق على تركيا لتمرير كل ما يراد تمريره بالمنطقة (ولم يتفاجأ احد بالطبع من اليد الامريكية بالموضوع). بالحالتين كان الرهان الذي لم يراهن عليه احد هو الشعب التركي بأجمعه مؤيدا او معارضا لاردوغان . ما علا بتركيا في تلك الساعات كان العلم التركي ، لا صورة اردوغان ولا لواء تحرر ما . الشعوب الحرة لا تقبل بالحكم العسكري . ما جرى من حراك شعبي مثير ومؤثر في ساعات كان اقوى من كل القوى التي امتد بها اردوغان او خصومه. الشعب التركي اثبت للعالم ان الحرية لايمكن تقويضها ، ولن تجلبها دبابة واحكام عرفية .

قد يعتقد اردوغان ومؤيديه ان نداءه للشعب بالنزول كان السبب ، وقد يكون . ولكن نزول الشعب كان نتيجة وعي بمعنى العملية الديمقراطية وبناء بلا شك حثيث على الانسان التركي الحر. من جهة قد تكون هذه احدى اهم مزايا حكم اردوغان ، فلقد اثبت ان ما حدث بتركيا من تحول لم يكن فقط في صحوة اقتصادية وانجازات في البنى التحتية للدولة ، بل كان بلا شك مساهم كذلك في بناء الانسان التركي الحر الذي رأيناه بالأمس.

عندما تابعت المجريات بالامس ، خطر لي فكرة امتحان العملية الديمقراطية ، قلت في نفسي، لو كان اردوغان معتمدا في حملات الانتخابات على الشريحة المهمشة في الارياف ، سيكون وضعه صعب ، وستكون هذه فرصة لمعارضيه في السنوات الماضية. ولم يكن يبدو بأنه في أحسن أحواله ، لأنه بدا وكأنه صار يتفنن في صناعة الأعداء من كل اتجاه. ولم تكن هذه صدفة ، فلربما تعدد الخطوات الخاطئة في بناء التحالفات لم يكن موفقا ولم تكن رهاناته كاسبة. الا انه وبلا شك الآن كان رهانه على الشعب التركي وثقته بالفوز بالانتخابات كانت أكبر بأبعادها لربما من توقعاته هو.

لا يمكن تمرير الأمر بدون الحديث عن فوز كبير ومحقق لاردوجان في هذه الجولة ، أريد الإطاحة به وإسقاطه سقوط مدوي انقلب الى تحليقه أعلى . قد يفهم الآن أكثر إسراعه الغريب والمفاجيء في التصالح مع روسيا وبناء تحالف قوي مع إسرائيل . عداوات اردوغان الداخلية والخارجية قد يتفق المعظم في قراءتها انها بسبب غروره واستبداده . هناك شق في الرجل يريد البقاء للأبد ، وهذا درس على اردوغان نفسه ان يستوعبه ، ان البقاء لله فقط. بغض النظر عن انه انتصر الا ان المكان الذي كان به كسر الكثير من هيبته ان لم يكسرها كلها . بلحظة تحول الرجل السلطان الى مجرد رجل يخاطب شعبه بين كفي مذيعة تلفزيونية . كانت النهاية وشيكة .فهل يتعلم اردوغان الدرس . وهل يقدر ان بناء شعب حر علماني كشعبه أهم وافضل من أسلمة الدولة وحلم الخلافة ؟ إن كان هناك إسلام حق ، كذلك الإسلام الذي تربينا على تكرار تعاليمه السمحة العادلة ، فإن ما رأيناه تجربة إسلامية خالصة . الا ان الاسلام الذي يتم الترويج له مختلف . فالاسلام كما رأيناه وكما نراه بالدولة المسلمة ينتهي بأعلام الله اكبر وصور الرئيس. لم نر صورة واحدة لاردوغان الا على صفحات العرب . غزة حولتها حماس الى احتفاليات انتصار تحمل صور اردوغان وكأن تحرير فلسطين وقع .

في النهاية ، اردوغان رئيس له ما له وعليه الكثير بعد محاولة الانقلاب هذه. وفي كل الأحوال صعوده وانتهائه امر تركي خالص . ولقد رأينا ، أنه لم يتردد في التصالح مع إسرائيل ، ولم تأخذه المصالحة مع روسيا لحظات لانهاء الازمة الخانقة التي رأيناها قبل أشهر قليلة وكأن حرب ضروس على الابواب. تدخله في سوريا سواء كان حقا او باطلا ( والكل في شأن سوريا حق شامل او باطل مخزي على حسب المكان الذي ينظر اليه كل واحد ) ليس شأنا سوريا ولا اسلاميا ولا فلسطينيا ولا قوميا عربيا . تدخله في حقه او بطلانه كان من اجل مصالح تركيا أولا واخرا .

في نهاية هذا المشهد هناك درس واحد على الشعوب الاخرى التعلم منه ، أن الحرية لا تمنح ، بل تنتزع وتكتسب وتصير هدف الحياة . والشعب التركي علمنا درسا في فحوى الحرية الحقة. درس يشبه مشاهد مرت من تاريخنا العربي القريب في تجربة الربيع العربي التي بنيت على انهيار شخص واعتلاء اخر ، في كل المرات يصبح هو العنوان الاول والاخير لوجود الشعوب. لم يقبل الشعب التركي الذي تعلم من مرارة الحكم العسكري السابق أن تعاد الكرة ،على الرغم من عدم ارتياحه وغضبه ورفضه ربما في الكثير منه لاردوغان . الا ان تركيا هي التي كسبت بالنهاية ، لم يفكر التركي باردوغان ، بل فكر في الوطن الذي من خلاله تنبض الحرية او تنتهي .

لقد علمنا الاتراك اليوم ان الشعب هو الذي يقرر مصيره ، ومصير رئيسه وليس العكس.  

1 أفكار بشأن “اذا الشعب يوما اراد الحياة…الشعب التركي”

اترك رداً على nedhamsonإلغاء الرد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading