تخطى إلى المحتوى

حلب …وجع النكبة الدامي

كم من المفارقات تجمعنا بهذا الوطن المشتت . كم من الإنسجام يختلط في أوصالنا المنقسمة . كم من الدماء التي لا تكف الأرض عن التعطش للارتواء بها تحتاج زيتون البلاد البقاء لشفائنا بزيتها لأجيال قادمة .

عشنا كفلسطينيين النكبة التي بدأت سنة ١٩٤٧ مع وجع لا ينتهي من مآسي بدأت بالتشريد والتهجير ولا تنتهي الا بالموت. ومنذ بدء المأساة السورية وكأن النكبة تعيد تجسيد نفسها بالذاكرة الفلسطينية بمشاهد لا تكف عن التوقف . ذاك التشريد الذي أدى لتهجير نصف سكان فلسطين . تلك المشاهد المتقطعة بالذاكرة الفلسطينية لأناس يرمون بأنفسهم على القوارب في قلب غيابات البحر من شواطيء يافا وحيفا هروبا إلى لا معلوم ازلي.

مذابح يومية . قتل وعربدة . سلب ونهب. تشريد وتجويع .

بين ذاكرة تلك المآسي وكأن الشريط الكارثي يمر من بلدة الشيخ الى دير ياسين الى الطنطورة. من قبية الى قلقيلية الى كفر قاسم حتى خان يونس. من الاقصى للابراهيمي . من مخيم جنين لقانا .من جباليا للشجاعية لدوما.

وكأن المسلسل لم ينته بخروجه للمخيمات الفلسطينية من صبرا وشاتيلا واليرموك ونهر البارد…الى حلب …

لم تشبع تربة أرض كنعان من دماء فلسطين وكأنها لا تروى إلا بدماء أصل حضارتها سوريا.كم هي قاسية هذه الأرض على أهلها.

ما يجري بسوريا يوقظ بداخلي الألم المقموع في عمق الجرح الفلسطيني.

منذ بداية المأساة السورية وأنا ألتف حول الشعب .بداية كانت فكرة الثورة التي آلت إلى ما آلت إليه من كوارث دامية ، إلا أن الموضوع سرعان ما خرج عن الشعب . وأصبح الشعب السوري في عداد الأرقام وسط النزاعات الطاحنة بين كل الجبهات المتناحرة.

لن أنسى تلك اللحظة قبل سنوات قليلة ابان فترة العدوان على غزة ، ترامى امام عيني اطفال سوريين على مداخل الاستقلال باسطنبول . اقتحمتني فتاة ابنة العشر سنوات ربما، طالبة مني أن اشتري لها لعبة. ثم توسلت بأن اشتري لها لعبة لآخيها الرضيع وتوالت التوسلات. نظرت إليها ولم استطع إلا أن أرى ابنتي . وكأن شريط ذاكرة قد يكون وهميا وقد يكون من عمق المأساة التي عشتها بتاريخي كفلسطينية سواء عاصرت اللجوء والتشريد ام تتابعت سنواته بين ارجائي . رأيت بتلك اللحظة كيف تتحول الحياة العادية بلحظة الى هكذا حياة . رأيت تلك الطفلة بيوم سابق وامها واهلها واقرانها يعيشون كما تعيش ابنتي ،باستقرار لم يكن موهوما. رأيتها تلعب ، وتذهب الى مدرسة . رأيت امها توبخها ،تطبخ لها ولاخوتها . وبتلك اللحظة رأيت ابنتي بها . رأيت وجع غزة الذي كان لا يزال يكسر الفضاء في صوت المه العالي. بلحظة تتحول بها الحياة الى دمار شامل . بلحظة ينتهي كل شيء ويصبح الانسان مشردا …هكذا بلا انذار او تنبيه .

كنت افكر ان هذه المآسي حكرا على الفلسطينيين. ولم اتخيل يوم كان من الممكن ان تصل مآسي الانسانية الى هكذا وضع مأساوي. وضع تنهار به الانسانية نفسها …

كنت أعتقد جازمة ان حروق الاحتلال هي الاسوأ . ان قهره واستعباده وذله هو الابشع . الا ان ما يجري بسوريا اليوم فاق بشاعة الاحتلال في بشاعته . وتعدى استبداد الحكومات و كل ما خرج عنها من فصائل وكتائب وعصابات .

لم تعد قضيتنا المأساوية تحمل عنوان استبداد جانب ادعى الدين او العلمانية. لبس عباءة الاصولية او البعثية. قد يكون هذا العنوان الدارج بين الاقطاب لالهائنا . ولكن المشكلة الحقيقية تكمن فينا . فينا نحن الشعوب المتفرجة ،التي لا تعبأ بالارواح هذه التي تقتل سدى وظلما . لا تعبأ للتشريد ولا التهجير . لا تعبأ للظلم ولا للبطش ولا القهر . تعبأ فقط لفكرها المتحجر الصديء النتن. نعم هذا هو ما يقبع بقلوب الانسان العربي اليوم . ولن اقول عقول. لأن العقول قد تعقل. ما يجري هو تحجر للقلوب. كيف استطيع ان انتصر لدم مسفوك من عربي ضد عربي. كيف نستطيع ان نميز دماءنا ونفرز ما نريد منها وما لا نريد.

كيف يمكن لي ان افرح بانتصار لا يتوجه الا خراب شامل وتشريد لا ينتهي ؟ كيف يحتفل الناس منا ، نحن المتفرجون بانتصار الجيوش على بعضها بينما يستمر التشرد والقتل .

اليوم بينما اتابع انتصارات حلب التي لم افهم من انتصر فيها على من شعرت بالغضب العارم علينا نحن الذين نقف كالمهرجين نصفق لجهة ضد الاخرى . وكأن من يقتلون عدم.

المشكلة ليست بداعش ولا بالنظام السوري. المشكلة ليست بالجيش السوري ولا بالجيش الحر . المشكلة بنا نحن الذين نوقد هذه النيران من الكره والحقد ضد بعضنا .

فلا أسى علينا ….بنكبة بدآت تحت نيران احتلال خارجي غاشم وتستمر بالاشتعال بوقود من دم الشعوب انفسها …أوصلت عدونا إلى علو كبير .يتربع متفرجا على انهياراتنا وسوءتنا المخجلة … وأوصلتنا إلى عار لا يكفيه أن تتدثر به حضيض الارض.

عار علينا ما يجري بسوريا …..

2 فكرتين بشأن “حلب …وجع النكبة الدامي”

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading