رولا امين
ليست المرة الاولى التي تخرج فيها صرخات استغاثة امرأة ، تلك الصرخة التي اطلقتها رولا امين من جديد من اجل الوقوف امام ظلم السلطة الذكورية المتمثلة في كل ما يتعلق بحياتنا ، تبدأ بالرجل الذكر وتنتهي الى النظام التي تتمثل من خلاله مرافق الحياة المختلفة ومنها المحاكم. وسواء انصفت المحكمة المرأة ام لم تنصفها ، فيستمر الرجل في ضرب قرارات المحاكم بعرض الحائط مستخفا بها مقتنعا ان الغلبة له في انلهاية.. فهو الاب…الرجل…الزوج….الذكر….كلمته هي دائما الكلمة العليا …
قد تكون هذه الصرخة من فيه امرأة تستطيع الصراخ . وما اشد بأس الظلم عندما يكون المرء بالاساس قويا . فصوتها وعالم الصحافة الذي تنتمي اليه لا يسعه ان يقدم اكثر من صدى صوت قد يصل وعلى الاغلب لا يصل لمنطقة ممكن التغيير من خلالها .
وبكل الاحوال لا استطيع الا التوقف عند فكرة كم التشابه ذلك الذي يجمع حكايا النساء . لظلم الواقع على المرأة في لحظة محاولتها للتحرر او فك قيد البغتان عنها ، او مجرد محاولتها الشكوى .
تستمر هذه القضايا بالتفاقم بلا حلول او رأفة من المجتمع او من النظام القائم في اي مكان . لا يمر الشهر الواحد بلا السماع عن جريمة بحق امرأة تذهب تحت عنوان جرائم الشرف . تنتهي بزوج مجنون او فاعل تم تقييده كمجهول وامرآة بمعظك الاحوال مشبوهة.
كم جريمة لا نسمع عنها وكم من جريمة ستحصل بينما صرخات الاستغاثة تطلق ولا نعير لها اهمية …
وكم من ام تقتل كل يوم في حرمانها من ابنائها ….
ليس بغريب ان تمسني صرخة رولا امين وتدوي في اذني ، فأنا مطلقة وحاربت لسنوات لتعطيني المحاكم “شهادة امومة”. ولقد دوت صرخاتي اروقة المحاكم ومحطات الشرطة والشوارع احيانا ولم يكن هناك مجيب ….
قد اكون قطعت شوطا في محاولتي للتحرر من قهر اوقتعه علي السنوات الكثيرة من الكفاح من اجل امومتي والحفاظ على ابنائي .. وقد يكون ما كتبت في”في ظلال الرجال” مساهمة اتجرأ في هذه اللحظة بإهدائها لرولا امين ولكل امرأة تفقد في كل يوم الامل من حياة بها حلم لحياة تعيش بها المرأة في مجتمع سوي يمنحها الحرية التي ولدت بها .
بينما احب ان يكون كتابي بين يدي العالم للقراءة والترويج له . اشعر بهذه اللحظات ان بهذا الكتاب ما يمكن ان يكون دواء للنساء مثل رولا . لتعرف انها ليست بهذا لوحدها ، وان هناك يوم سيأتي بلا شك . ستكون هي الفائزة فيه ، اذا لم تقرر الاستسلام وواصلت الصراخ…. ونجت بحياتها .
اتمنى ان تكون الفقرات التالية تكملة مناسبة لهذا الكلام …….
الأصل هو حماية المجتمع …. علي حفظ هذا وترديده .
تسألين أسئلة لا داعي لها يا عزيزتي….
يرمقني الاستاذ بنظرات ودية .. ويقول لي برأسه : ” إختصرينا وخلينا نكمل الدرس” . أسئلتي تثير الفتنة …
أختصر …. وأسكت …. وأغلق فمي وأقفل على رأسي …
فكم أتعبني هذا الرأس من التفكير .
القاعدة الشرعية على ما يبدو أسهل من حاجتي على التفحص فيها .. موضوعة من آجل إبقاء الرجل بالمرتبة الأعلى من التركيبة المجتمعية. مهما كان . القواعدة متراصصة من أجل مصلحته وإعلاء كلمته . وللمرأة حقوق مقابل واجباتها يمن الشرع بها لها.
فالرجل المشرع يعرف أكثر مني أن حملي قد يدوم سنوات . وانني قد أصبر على كل شيء إلا الإعالة. فالشرع أعطاني حقوقا بالنفقة لطالما كنت محتبسة وغير ناشز. فالمرأة تستطيع الصبر على كل شيء إلا الجوع . فالجوع قد يخرجها إلى السوء لا قدر الله . فلا نريدها زانية .. إلا إذا ما قرر لها الرجل ذلك. تستطيع أن تخبيء حملها لأربع سنوات وتبقى عفيفة. ولكنها لا تستطيع أن تصبر على الجوع ..فأعطاها الشرع حقا بالنفقة مشروط طبعا …
ترتيبات شرعية تؤكد على تبعيتها مهما حاولت . مهما استقرت . مهما كبرت . مهما فهمت. فهي مهما عملت “ناقصة العقل والدين”.
فتبقى رهينة لتشريعات مكدسة بكيانها على أنها كلمة الله . طاعة الله والخوف من العقاب والوعيد للعذاب … كله تحت أمر الرجل . برجل ندخل إلى الجنة وبرجل نحرق في حضيض جهنم. بحياتنا ومماتنا .
ونبقى نحن النساء نحيك روايات نكون فيها محركات لأدوار البطولة التي تركناها للرجل.
فهو يشرع لنا ، ويفكر عنا ، ويبدع بنا ، ويقول لنا ما يطيب لآذاننا وما يرق له وجداننا . نعرف نفسنا من خلاله وبه ومن أجله. نعيش حياتنا ووجودنا بتجاذب نحوه ونفور منه .
هو قدرنا …. بجنانه وجحيمه. ..
مقدر لنا وعلينا أن نحيا في ظلاله إن أردنا الحياة.
حياتنا سقفها ظل رجل كان يبدأ أبا وينتهي بزوج وتمر من خلاله ظلال رجال بأخ وعم وخال وابن وحبيب وصديق وشيخ ومفتي ومولى …. وإن غابوا جميعهم واخترق لهيب الشمس رؤوسنا علينا التذكر أن الله مذكر….سقفنا دائما ذًكر.
حتى عند اللجوء الى الاخر الاكثر ليبرالية وكثر عدلا بالقوانين المتعارف عليها الوضعية اليوم .القضاء الاسرائيلي . فان متهاة المرأة العربية هي نفسها . عند الذهاب الى المحاكم الشرعية ، فنحن نعرف ما نتوقعه . لا يعجبنا حال الاحوال الشخصية الشرعي المجحف بحق المرآة بنظرنا . الا اننا نعرف وندرك تماما اين نحن ، وما الذي ستؤول اليه الامور. في القضاء الاسرائيلي ، هناك فصل ليس مدون . وهناك عنصرية ليس من الضرورة مقصودة. ولكنها مبنية على تفكير دوني وغياب تام عن معرفة المجتمع الفلسطيني. المجتمع الفلسطيني بالنسبة لهم هو عبارة عن عائلة تقليدية تحتجب فيها المرأة لرجل متحكم يستطيع ان يجول ويدور وينهك فيها. المرأة الاسرائيلية بطبيعة الحال بنظر القضاء هي نتاج طبيعي للديمقراطية والدولة الحديثة. اما المرأة المسلمة ، فهي بأحسن احوالها محظوظة بأنها تستطيع اللجوء الى القضاء الاسرائيلي العادل.
كان القاضي في قضيتي امرأة . كانت وسطية المجلس والكلام . من الصعب رؤية ما يجول بداخل عيونها . كانت تسمعني وتفهم كلامي كامرأة ربما ، او كإنساة ، حتى ياتي المحامي الاسرائيلي ويؤكد لها بان ما يصدر مني من كلام وتصرفات وطريقة حياة هو غريب عن المجتمع الفلسطيني. فكيف لامرأة فلسطينية مسلمة ان ترسل ابناءها للسباحة والتنس وغيرها؟ كيف تقوم امرأة عربية بتربية قطة والحرص على العودة للبيت من اجل اطعامها ؟ العرب بالكاد يطعمون ابناءهم . بالكاد يذهبون الى المدارس فلما المدارس الاجنبية ؟ “كيف تقرآين شوبنهاور وتستطيعي تربية اولاد؟ صاح بوجهي في جلسة المحامي في احدى المرات . “القراءة تطلب وقتا ، كيف ممكن ان توازني بين وقت القراءة ووقت الاولاد؟ ” هذا الضرب من الكلام كان يؤثر على مسامع القاضية التي اتفقت على طرحه هو للمجتمع الفلسطيني. لابد انني كنت شاذة عن القاعدة. وهنا… فالتشريع الغالب للعام وليس للشاذ.
حتى دموع اطفالي لم تراهم. لم يؤثروا بها . فوجدتهم ريبما اطفال شاذون عن القاعدة وهذا خطر عليهم وعلى مجتمعهم.
يدعون علينا حرية لا يمنحوها لنا . كتلك الخاصة بالزواج والمساواة وغيرها . نعيش بذكورية داخل ذكورية . دائما بها امرأة تشد من قوة الرجل وتصر عليها.
وانا المرأة الام في هذه الحالة.. لست الا حاضنة . حضنت في رحمها طفل و ارضعته بضعة شهور او اعوام . سهرت عليه وربته . وفي النهاية ياخذه النظام والمجتمع والكون على ما يبدو الى ابيه . فيحمل اسم ابيه. ولا يستطيع ان يضع اسم امه الى جانب اسمه.