تخطى إلى المحتوى

قراءة وتحليل ل”في ظلال الرجال” :نمر قدومي

https://www.facebook.com/qadumi.nimer.1/posts/654956204686133
رواية ” في ظلال الرجال ” ..
وعذاب إمرأة مُطَلَّقة !!!
قراءة وتحليل؛
نقاط التصادم في حياتنا هي كثيرة، وأكثرها عندما يكون الجسد والفكر في حركة، وأقلها عندما تسكن الروح في إنفراد وعُزلة. منّا مَن يختار هدوءًا مملًا دون ثرثرة، وآخرين تهوى أنفسهم حُب الصّخب والمجادلة، ويعلو ضجيج صراخ البشريّة مع تقدّم الأزمنة. إنَّ تضارب وتناقض الأفكار هو أساس العراك والبحث عن الحقيقة في خِضَمِّ عقول موبوءة، تثير غبارًا مسمومًا يسحقون به الأبرياء من العامة. الكاتبة والباحثة المقدسيّة “نادية حرحش” أعلنت التمرّد والحرب على فئة الرجال من الكائنات الحية، وإختارت لعملها الأدبيّ عنوانًا نابعًا من معاناتها الأبدية مع المجتمعات الذكورية، فكانت “في ظلال الرجال” رواية صادرة عن دار إبن رشد في القاهرة للعام ٢٠١٦ والتي تقع في ١٦٥ صفحة من الحجم المتوسط. إنها رواية عميقة الأهداف والفكرة دون أي حواجز أمام الصراحة والجرأة. العنوان هو عتبة النَّص، لكن عند الكاتبة كان إنتقامًا بلا أدنى رحمة، وتشريح للمجتمعات الحضاريّة من آفاتها المتخلفة والفاسدة.
الرواية لم تكتمل عناصرها الأساسية والضرورية، فآثرتُ أن تُصَنَّف تحت مسميّات اليوميات أو السيرة، وقد غَلَب المونولوج، أي الحديث مع الذات، في جميع صفحاتها؛ لا أسماء تُذكر ولا شخصيات تُحاور ولا قفلات أو حبكات روائيّة. إلاّ أنَّ الشّوق كان يعلو قلوبنا لسماع حكاية إمرأة مُطلَّقة إستوحش عليها زوجها ونكّل بها !! إحتارت بين نار صالية تعيشها في كنف عذاب بيتها، وأخرى حارقة تقضيها منبوذة تنهش جسدها حيوانات الغابة ؟؟ بدأت رحلة الهروب تلو الهروب لتجد نفسها غارقة في ظلمات الطرقات، وتعيش تلك الغربة الفظيعة. كلمات الكاتبة “نادية” كانت قوية ومؤثرة وعميقة المعاني، فيها من المحسّنات البديعية والمجازات اللغوية ما أضفى على لغتها جمالًا ورونقًا، يشدُّ عاطفة القارئ ويجذبه نحو حياة مليئة بالأحداث الدراميّة والكوابيس الليلية وكذلك هلوسات لا إراديّة!! لا تكاد أديبتنا تُخفي شيئاً من صراحتها القاتلة، إلاّ أنها قد أخفقت في تدارك المشاكل الحياتية والخروج منها بأقل الخسائر؛ ودخل معها أطفالها في دائرة العُنف النفسي والتشظّي بين الأب والأم وقساوة دولاب الحياة.
تأثّرت كاتبتنا جدًا ببعض الكتّاب على إختلاف أجناسهم وميولهم، وهذا ما ظهر جليّاً وواضحًا في سطور الكتاب؛ نجدها تتحدث عميقًا في فلسفة الحياة وعلم النفس، وكذلك في علم الإجتماع ناهيك عن مبادئ فقه الحُب والعلاقات الجنسيّة وحيثياتها. تطَرَّقتْ أيضًا إلى مسألة الدِّين وحِكمة السماء على الأرض لتتحدث عن الذّات الإلهيّة، وتضع علامات إستفهام كثيرة جدًا عن ماهيّة الكون والخَلق والعدالة والظُلم، كما أنها ذكرت الإيمان والتَّصوّف والخُلْوَة وقُدرات الله ومكره والحسنات والجنّة، وكأنَّ بينها وبين الدنيا مسألة كَرٍّ وفرٍّ. هذه الفوضى في الحواس إنفجرت بداخلها وانشطرت في أرجائها، ولم يعد بمقدورها بطلتنا السيطرة على كبح جماحها، وكأنَّ شيئاً ما بداخلها يدفعها إلى الصلاة لكنها لا تعرف وجهة القِبلة، أو كالتي تحفظ مبادئ قويمة لكن لا تستطيع تقييم أين هي منها ؟؟ قد تكون الكاتبة خرجت عن النَّص حين شبّهت الرجل في المجتمع الذكوريّ كالكلب الذي لا يلبث إكتشاف ذنبه حتى تراه يهاجمه في محاولة الحصول عليه وإمساكه، ويبقى يدور حول نفسه في دوائر مغلقة لا متناهية حتى يلقي به التعب مغشيّا ليستيقظ من جديد ويُعيد الكَرَّة. وفي هذا إنتقاد لاذع لشهوة الرجال تجاه الأنثى دون الإعتراف بأنَّ الطرف الآخر قد تكون أكثر نهمةً وشغفًا وحُبّا، وكأنَّ “فرويد” خرج لي من بين صفحات الكتاب ليصفعني معاتبا !!!
تعترف بطلة حكايتنا بعلاقة تربطها برجل بعد طلاقها، لكنه في الحقيقة من كوكب آخر، وليس من قوميتنا، مما يُثير زوبعة من التناقضات وزعزعة قرارات كانت قد إتخذتها بصرامة وشِدّة. تخلط الكاتبة بين حُب الأمومة وبين حُب الأنوثة وشهوة الرضاعة، لتحيي لنا عقدة “أوديبوس” التاريخيّة. إعترفت أيضًا بأنَّ هناك رجال طيبون في الحياة، لكنها أبَتْ إلاّ أن ترفض هذه الفكرة، لتقول بأنَّ مشاعر الإنسان تبقى متغيّرة، وأنَّ المجتمع الذكوري لن يلوم الزوج، وعلى الزوجة أن تسعى جاهدة لتضع لقبها بنفسها أمامه، فهي كل شيء في البيت. أما كلمة “أمَل” فقد إنتهى مفعولها وتاريخها، فبدلًا منها، هناك تطلّعات مستقبليّة مبنيّة على أسس من التفكير المنطقيّ، يتبعها ثقافة ثريّة مدعومة بالشرائع السماوية. في النهاية تقول الكاتبة: حياتنا سقفها ظل رجل، يبدأ بالأب وينتهي بالزوج، وتمرُّ من خلاله ظلال رجال .. أخ وعم وخال وإبن وحبيب وصديق وشيخ ومفتي ووالي … وإن غابوا جميعهم واخترق لهيب الشمس رؤوسنا، علينا التذكر أنّ الله مُذَكَّر .. سقفنا دائمًا مُذَكَّر.
نمر القدومي / القدس
٢٤ أيلول ٢٠١٦

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading