Skip to content

اغتيال الحتر لا جديد في ظل التعصب الاعمى

 

لم أستغرب جريمة اغتيال الكاتب الاردني ناهض الحتر، ولم أغضب، ولم أشعر بالقهر ولا بالاستياء، بقدر ما شعرت بالغضب والقهر من جريمة حصلت باللد قبل يومين، عندما قتلت ام لاربعة اطفال امام ابنتها، نفس الجريمة، في مكان عام، في وضح النهار او على اضواء شوارع المساء، امام الملأ بدم بارد، الفرق بين الجريمتين، ان قاتل الحتر قبض عليه بعد لحظات او ساعات، وقاتل تلك المرأة (التي لم يجعل الاعلام اسمها الا خبرا عابرا) قيد الى المجهول.

جريمة الحتر الذي استفز فيها المشاعر الغيورة على الاسلام في حلته المتعصبة في ذاك المظهر، اولئك الذي يقف الخط الاحمر عندهم في رسم كاريكاتير وتحل بهذا دمه، نفس اولئك يشهدون الكبائر في حق الله تحديدا من جرائم يرتكبونها او يشهدونها ولا تشكل اي خط مهدد لغيرتهم، لا يختلفوا اولئك الذين ندعوهم مجرمين، متعصبين، رجعيين، عن المجتمع الكبير الذي ننتمي اليه جميعا، نفس المجتمع الذي يسمح في كل يوم بجريمة تذهب ضحيتها امرأة لمجرد انها ازعجت رجل كان ربما في يوم زوجها، او اخيها، او حبيبها، فبمجرد انها اعترضت على منظومة قوانينه التي يخط هو من خلالها الخطوط الحمراء فيحل قتلها.

الفرق في الجريمتين ان الحتر اصبح بطلا، وهو يستحق هذه البطولة، ولكن كانت بطولة مجدية في حياته، الا ان تلك المرأة التي لا زلت لا اعرف اسمها دفنت، وسيبقى موتها علامة استفهام مشككة فيها وفي اخلاقها، ومن ثم يبكى عليها بدموع التماسيح من قبل المتفرجين، وتبقى للابد حرقة ملتهبة في وجدان ابنائها، سيبقوا للابد ابناء القتيلة، لا الشهيدة، لا الضحية، لا البطلة.

وبين تنديد وشجب وصراخ وبكاء وسب على التعصب الاسلامي للمتشددين الذين نتنكر لهم في هذه الحالة، وبين ارتياح وتصفيق وتشفي وشماتة من قبل اولئك المؤازرين لنصرة الاسلام من الهجمة العلمانية الكافرة عليه ، ينصب كل فريق نفسه مناصرا لحق ما يؤمن به ايمانا اعمى، وكل يشهد على حقه باسم الله.

الحقيقة لا اختلاف بين الفريقين، لا اختلاف بين هذا القاتل الملتحي الذي قام بجريمته ضد رجل ظن انه حر، وبين كل المجتمع العربي بكافة اطيافه واعراقه، فنحن مجتمعات متعصبة الى درجة التخلف، هذا حالنا الاخير، وصلنا الى قعر الحال الانساني بأن اصبح التخلف هو صفتنا، فتعصبنا لم يعد حتي عرقيا ولا عصبيا ولكنه تعصبا متخلف يتفرغ منه اي مضمون لاي فكر به تعقل.

تهيبنا هذه الجرائم وتهز راحتنا ومأمننا؟ ولا تؤرقنا، ولا تحرك لنا جفن تلك الجرائم التي تمر من خلالنا باستمرار لكل تلك النساء اللاتي يزهقن من اجل تطرف رجل ما ؟

هؤلاء يرعبونا نحن غير المتطرفين دينيا لأن ما جرى للحتر يعيد للأذهان ما جرى لفرج فودة، ولكننا لم نتأثر ولم نعي ما جرى لنصر ابو زيد من تصفية نفسية صفته تدريجيا جسديا حتى مات في حسرته، وهؤلاء كانوا اصحاب فكر، والحتر بفكره الذي اخذ طابع السخرية في تلك اللحظة اقرب الينا نحن العوام الذين لم نعد نعيش الا على السخرية، وكأنهم يقولوا لنا ممنوع حتى التفكير بالابتسامة او الاستهزاء، نحن قبلنا بهذا الحكم، قبلنا ان نعيش وسط قبلية عصبية متطرفة، لأن التطرف جزء من هويتنا، جزء من نشأتنا، فكيف نتغير ؟

طالما ان انسانيتنا مجزوءة نحو فئة بعينها فلن تقوم لنا قائمة، الا القيامة التي يحددها المتطرفون، والمتطرفون ليسوا اولئك الملتحون، هؤلاء الاقل ضررا وخطرا، لأنهم معرفون وسيماهم واضحة، الخطر كامن بيننا وفينا، طالما لا زلنا نصفق او نشجب على حسب المزاج العام وعلى حسب ما يهدد محيط امننا الشخصي.

سكوتنا عن الجرائم المرتكبة بحق النساء في كل يوم (وهذه لن تكون مبالغة، فما لا نسمع عنه اكثر بكثير مما يصلنا) يعادل مشاركتنا بالجريمة التي ارتكبها بالامس ذلك المنتمي الى السلفية او الجهادية او الداعشية، لأننا نتغذى ونغذي ابناءنا جيل بعد الجيل على الفكر السلفي الجهادي الداعشي مباشرة وغير مباشرة.

ما دمنا نعيش ولا نكترث الا على ما يخصنا من مصائب، ما دام الاخر دائما منقوصا ومختلفا ومنتميا لعصبة اخرى لا تخصنا، فمصابه له سيستمر حالنا بالتدهور.

لا زلت مأخوذة بتعليق على الفيسبوك بالامس لرجل يتشفى ويتوعد من خلال جريمة قتل الحتر، بأن من لا يأبه للتهديد فهذا مصيره، رأي في تلك الجريمة انتقاما له ولمشاعره الخاصة بالتحرير الاسلامي القادم بالسيف والدم، وكأن من يقتل كافر، والكل الاخر كافر بالنسبة له بالفعل الا من كان من قبيلته وعصبته.

ثقافة العنف والقتل التي نربي عليها ابناءنا من خلال مناهج تعظم القتل على مدار التاريخ وتجعل من السفاح والثقفي ابطالا، تمجد القتل في سبيل حق وكأن الانسانية وجدت من اجل شق بها.

في مجتمعات لا تزال النساء تقتل بها ويعيش القاتل حرا بلا محاسبة او سؤال وادنى عقاب، سيستمر سفك الدم تحت مسميات مختلفة، فكلنا امام اخر ما كفرة مرتدون تقع علينا احكام الردة والزندقة والكفر.

Leave a Reply

Discover more from Nadia Harhash

Subscribe now to keep reading and get access to the full archive.

Continue reading