فتح ام فلسطين
ما يجري على الساحة الفلسطينية مؤسف . لا اعرف ان كانت هذه الافتتاحية ديباجة مملة ، الا أن هناك حالة حقيقية من الأسف تعدينا فيه مرحلة شعورنا بالاحباط من الحال الفلسطيني المختلف الابعاد. حالة التفكفك في النسيج الفلسطيني المتهالك مرعبة لدرجة الاسف. أصبحنا كمن يكتنزسجادة عجمية اصابها العت ولايزال يتباهى بعجمية السجادة التي لم يبق منها الا العت. انقسم ظهرنا كشعب يوم انقسامنا بين فتح وحماس. ولا زلت كحلم الوطن في مخيلتي ، لا أصدق أن هذا حصل فعلا. فنحن شعب تجمعنا تحت لواء الوطن منذ النكبة وكان جل امانينا في يوم نتحرر فيه من الاحتلال .
وكما انتهى حلم الوطن الى سلطة انتقالية تشبثت في جني وجود يخلو من وطن ، صرنا مقسمين بين غزة والضفة فيما بين فتح وحماس.
وان كان هذا هو الكابوس المفزع في اي حلم . فإن الاستيقاظ الى الواقع بات اسوأ من الكابوس …
ما جرى بالايام الاخيرة اثر مشاركة ابو مازن بجنازة بيريس من ردود افعال غاضبة ، هو الامر الوحيد الذي يمكن اعتباره طبيعيا فيما بيننا كشعب. فمهما اختلفنا لا يجب ان نختلف على عدونا . على مشاعرنا المشتركة من احزان ومآسي ومصائب شعب تشرد ويتم تطهيره عرقيا على مدار عشرات السنين . لا يهم يسارنا من يميننا . المطبع منا والمقاطع . مشاركة ابو مازن كانت خطأ فادحا لا يوجد ما يبرره .
قد يصح( واعترف باني اقول هذا على مضض) كذلك ان يؤيده او لا يعترض او يخاف او ما يمكن وصفه من ردود . ولكن المريب هو ما طفى مرة اخرى في مسألة الفصيل وانتماء الناس له . اقرأ ما يتم تداوله من حرب ضروس في الدفاع عن ابو مازن وعن شرعيته وهجوم وصل الى حد التهديد المرعب لمن يخالف موقفه واصاب بالذهول …. ولربما الخوف والاسى ايضا.
هذه هي الداعشية بالمناسبة…. الموضوع لا يرتبط بالاسلام وتعاليمه وقراءته من قبل المتطرفين او غيرهم..الداعشية هي بالتطرف بالتحيز الى فصيل يملي على المرء انتماءاته وولاءاته واتباعه بلا ادنى تفكير .
كلنا كشعب كنا فتح في يوم من الايام … اليوم فتح فصيل سلطوي متبجح يحتاج المنتسب اليه الى تعبئة نموذج عضوية . ليتشبت في منصب يرجى له ، لا وطن، كانت فتح تضم احلام شعبه .
هذا التعصب الاعمى لا يختلف في تزمته ما يتم اتهام حماس به . حماس خسرت شعبيتها عندما تبين للشعب ان هدفها هو “الجماعة” لا “الوطن” . عندما تصبح مصالح الفصيل اهم من مصالح الوطن فلقد انتهينا . ما يجري اليوم يجعلنا نعيش في حالة رعب متعددة الوجوه . رعبنا الدائم من الاحتلال. رعبنا من التطرف الداعشي الطابع المتفشي بين المتعصبين .ورعبنا من أسلمة الحكم على يد حماس اذا ما كسبت في انتخابات (مفترضة) ،ورعبنا من التطرف الفتحاوي الذي بدأ يأخذ شكل البلطجة . ان الحماس لابو مازن بهكذا امر ، وخروج الفصيل المنتمي اليه من فتح (لان فتح كذلك فصائل كثيرة) الى الشوارع في مظاهرات تأييد مخجل . تأييد من اجل ماذا ؟ لأنه شارك في جنازة احد حكماء صهيون ؟
في المقابل ، عدم خروج الناس الغاضبون المختبئون وراء شاشات المواقع الاجتماعية ليس بمؤشر افضل .
كان احد الاصدقاء قد كتب تعليقا تهكميا قبل يومين في تساؤل عن سبب عدم خروج الشارع الفلسطيني للتظاهر تعبيرا عن استيائه قائلا : لا تستغربي ان يخرج انصار ابو مازن غدا في مظاهرة تأييد له لمشاركته بالجنازة.
ضحكت وكلي يقين بأن هذا مستحيل ……
لا زلت لا افهم كيف وصل الشعب الى هذا المستوى من التهالك الذاتي . وكأننا فعلا ابتلينا فتآكلنا الى لا شيء .
لا استطيع ان افهم كيف تذوب فينا المفاهيم الاولية لمباديء عامة بما يصح ولا يصح .
لا أستطيع ان افهم كيف انعدمت الحكمة ويغيب الذكاء وترتحل عنا اية معالم للتفكير . أبسط ما كان يمكن لأبو مازن ان يفعله لدرء الخطأ الفادح الذي ارتكبه في حق الشهداء والامهات الثكلى واللاجئين والمشردين والشعب التائه في تيه تعدى تيه بني اسرائيل في تواجده بجنازة بيريس ، هو ان يخرج بتصريح لنقل بلا اعتذار (الحقيقة الاعتذار اقل ما يمكن فعله) ، ولكن بتوضيح رؤيته التي تغيب عنا . ليحاول تهدئتنا . لنقل ،ليضحك علينا . ولكن بدلا من هذا ، يطلق الفصيل المدافع عن مصالحه معه بأن يزمجر بالشوارع . هل هكذا تأتي الشرعية ؟ بأن تهدد الناس في ارزاقها وان تسجن وان تختبيء لكي لا تعاقب او تتعرض للاذى ؟
وهل علينا ان نصل الى مرحلة نخرج فيها الى الشوارع مطالبين فعلا باسقاطه ؟ وقد افهم نوعا ما سبب عدم فعل هذا الى هذه اللحظة . جزء منها ، هو وعي الشعب (آلذي لا يحمل الاعلام الفصائلية بالشوارع (بغض النظر عن اللون ) بأن مشكلة السلطة الاساسية هي الاحتلال ، فالانسان الواعي العادي يفكر انه بنهاية المطاف ليس باليد حيلة في ظل التزمت الاسرائيلي المتوالي والمتصاعد ، بغض النظر عن كل الفرص التي ضيعت من جانب السلطة في بناء كيان وطني بسيادة محدودة . فمهما لام ابو مازن ، فالمعضلة اكثر تعقيدا من ان يكون هو تحديدا المشكلة. ثم هناك التخوف الحقيقي من انعدام الامن بالمناطق الفلسطينية قد يؤدي الى ظهور تطرف داعشي الطابع . وهناك تخوف ممن سيأتي لو رحل ابو مازن . فالانسان العادي يرى بأبو مازن علي الرغم من عدم تلبيته لابسط مطامحنا كشعب ، يبقى بوجوده هذا افضل من اي واقع مفترض قادم…. وهذه هي الطامة الكبرى …ان هناك حالة من اليقين بأن من سيأتي بعد ابو مازن من المستحيل ان يكون افضل في ظل السيناريوهات المطروحة للاسماء المختلفة الممكنة.
وعليه فإن عزوف الشارع (لهذه اللحظة) عن الخروج الى الشارع مناديا بإسقاطه.
ما يجري يبرر كذلك عدم اكتراث ابو مازن او السلطة السيادية بالشعب في غليانه وبروده . فكما تكونوا يولى عليكم !!!!
ويبقى تذكير اخير لن استغرب ان نحتاج اليه قريبا …..
ليس كل ما يبدأ بحرف الفاء فلسطين….حتى ولو كان بفتح !