منذ ايام ويوسف الذي صورته الكاميرات يترنح في الشارع بمدينة رام الله حتى سقط لافظا انفاسه الاخيرة ، في مشهد مؤسف ، محزن ،مبكي شاغلا للرأي العام الفلسطيني .
تحول يوسف “السكير” الى يوسف “الصديق” بعد مماته .
لم اسمع كغيري عن يوسف من قبل . واعترف بأنه لم يكن ليهمني لو قابلته على قرعات الشوارع في ليل رام الله .وكنت سأهرب منه لو رأيته اتيا نحوي مترنحا صباح مماته .
استغرب الانسانية المتملقة في ردود افعال المجتمع الذي كان يرى هذا الرجل كل يوم ولم يعن له شيئا .
اقرأ واسمع ما يقال عنه ، وكأني اسمع قصصا عن يوسف الصديق. يوسف الذي تم استغلاله واعطاءه حبة تريب ( مخدر لمن لا يفهم مثلي بالمخدرات بعد) ، واخذته الحبة تلك الى تريب (رحلة) بلا عودة. وهناك من يقول انه كان شابا يافعا حتى تلك الحبة ، التي تم اعطاءه اياها من اجل موضوع ميراث ، وان يوسف كان طالب ماجستير ناجح او في طريقه الى الماجستير… وهناك من يقول ان يوسف تشرد منذ صغره وكان ضحية والدين مطلقين .
وخرجت فعلا تقارير عن يوسف ، واصبح يوسف ضحية مجتمع يلقي بأبنائه الى حواف الطرقات ويترك شابا كان من الممكن ان يكون علما من اعلام فلسطين لو تم الاهتمام به . وهناك تقصير من الحكومة ومن الشؤون الاجتماعية وكل من صادف يوسف ولم يساعده…..
اثارني فضولي الى يوسف مؤقتا ….
في البداية ظننت الحديث عن شاب ابن ثماني عشرة سنة ساءت به الظروف الى المخدرات . وصرت للصراحة احيك قصصا من خيالي عن يوسف الضحية . مشهد موته كان مشهدا قاسيا. مشهد الموت هو مشهد قاسي. مشهد يجرد الانسانية من نفسها . ضعف مطلق . ساعة او لحظة غفلة كما يسمونها .
الا انني لا افهم لم كل هذا الغضب المجتمعي على يوسف وقصته .
يوسف رحمه الله -، كان ضحية المخدرات . لا يوجد الكثير ليقال هنا . لا يوجد الكثير للتحليل . لا يوجد ما تفعله الدولة في انحراف اصاب المجتمع بفئة شبابه ، يرى من التريب نزهة .
في هذا الغضب الجامح والذي يلقي فيه المواطن جماح غضبه على مؤسسات الدولة والمجتمع نفسه . ما الذي كان على المجتمع وعلى الدولة عمله؟
مع الاسف الشديد ، يتم التداول بقصة يوسف وكأن الحديث يدور عن طفل مشرد. او مراهق مسكين . يوسف في حالتنا هذه كان ضحية نفسه . فهو كان على مشارف الاربعين . هناك مكان ما بلا شك لالقاء اللوم على المؤسسات والمجتمع . ولكن الدرس الذي علينا ان نتمعن به في موضوع يوسف ، هو المخدرات . وبغض النظر عن دور الدولة ومؤسساته سواء كان بغياب او تقصير او محاولات ردع وتحصين . هناك مسؤولية تبدأ بالبيت اولا والمدارس ثانيا ، تنتهي عند بلوغ الابناء جيل الثماني عشر ويذهبوا لاستقلالية حياتهم بجامعة او عمل . وما يجري من قصص نسمعها عن انتشار المخدرات بين طلاب المدارس والجامعات مرعب . ليس من الغريب ابدا ان نرى حالة كحالة يوسف.
ساءت ظروفه السيئة ان تفقده المخدرات عقله وغياب او لربما يأس من قبل اهله لحاله . وكم منا كأهل يوسف ؟
كم منا في هذا المجتمع يرى بعينه ويشهد انحراف ابنائه او اقاربه او اصدقائه الى المخدرات لا يستطيع عمل شيء . ينظر ويلوم ويؤنب وفي اغلب الاحيان يشتكي ربما امره الى الله .
المخدرات تلك الافة الاجتماعية التي يبلى بها شبابنا طواعية في اغلب الاحيان ، منتصرين اليها ، مقتنعين ان المخدرات تحت سيطرتهم . ان سهرات المجون التي تختلط فيها المشروبات الروحية والكحولية والحبوب المخدرة والمخدرات بأنواعها جزءا من التطور الطبيعي للمجتمع المنفتح .
الدرس الذي علينا تعلمه من موت يوسف ….. هو ان المخدرات تقتل .
يوسف قتله الادمان .
ولم يكن المجتمع ليستطيع ان يقدم له الكثير … او لربما اي شيء ….
الادمان افة ….قاتلة…. لربما كم حظ يوسف ان عائلته كانت مفككة او لم يكن متزوجا او منجبا . من حظ يوسف انه كان معدما …. الادمان كذلك يعدم الجيب كما يعدم العقول من محتواها .
ان دق يوسف بموته نقاس خطر …..
فهو الينا كلنا ، الاهل ، الاقارب، الاصدقاء الغافلين عن ابنائنا واحبائنا ….ظانين ان الكل تحت السيطرة وفي الخفاء مستور…..
ان كان يوسف قد دق ناقوس خطر … فهو الى كل اولئك الشباب الغارقين في ملذات اللهو بالمخدرات موقنين بأنهم مسيطرون ….
يوسف…… عندما بدأ التعاطي … سواء كان ضحية حبة اطلقت عقله في تريب ابدي او باختياره فيما بعد …كان بلا شك يظن انه يلهو .. انه مسيطر ….
يوسف لم يرمه اخوته في البئر ولم تشأ الظروف ان تلتقطه المارة فيصبح مع الزمن يوسف الصديق…
يوسف قتله الادمان .
المخدرات تقتل .