العروبة بين افول ثورات وفلول شعوب

العروبة ….بين أفول ثورات وفلول شعوب
عندما تفجرت قبل سنوات ليست ببعيدة الثورات في شوارع البلدان العربية المختلفة من تونس مرورا بمصر لتخلق واقعا جديدا في احقية الشعوب في الحرية والعدالة وممارسة الديمقراطية التي سمعت عنها الشعوب ولم تمارسها.
وكعادة المتعطش للماء بعد ظمأ ، كانت هذه الثورات بتدفق ينابيعها التي سرعان ما تفجرت منها شلالات انعشت القلوب والعيون. رمينا انفسنا بداخلها كشعوب كمن يرمي نفسه في الحوض المقدس طلبا للطهارة الابدية. لم نكترث لبرد ولا لصقيع . لم نكترث لحجارة او صخور او اسماك او حتى تماسيح.
رمينا انفسنا نحو حرية مرتجاة . نحو حلم ربيع عربي.
ولا نزال .
كان من المستحيل ادراك ما يحدث . تعطشنا الظاميئ لم يسمح لنا بتمييز عكر المياه وعدم صفوها. لم نميز حتى ملوحتها او عذوبتها . لم نميز مدى برودتها او ملاءمتها . كل ما سيطر على وعينا هو ذلك العطش للحرية التي لا نعرف عنها الا استدراكها .
نحن شعوب لا نعرف معنى هذه الكلمة . فحالنا قريب للحال العام من العالم ، اقرب لذلك المقموع المظلوم منه طبعا . ولكننا كغيرنا ننشأ على مفاهيم كهذه تستهوينا ، نسعى اليها ولا ندركها.
ادراكنا لطعم الحرية اخيرا ، خلق الحالة التي نعيش بها اليوم. نكاد لا نعرف او نفهم اي شيء. حالة الرعب من مآل الامور يفزعنا ويزيد من توترنا . لم نعد نعي من هو الصديق ومن هو العدو. اختلطت الاوراق وتضاربت المصالح ونزل من كان يعتلي عروش السماء وارتقى من كان في اسافل الارض. من كان النخبة صار منبوذا . ومن كان منبوذا صار مترئسا للساحة.
هل استعجلت الشعوب الحرية . ام الحرية استدركت الشعوب فخرجت عليها؟
مما لا شك فيه ،اننا نستطيع اليوم وبعد عدة سنوات تشخيص بعض الاشكاليات التي تسببت بوضعنا الحالي غير الفاهم لما يجري ، واكثر ، لا يعرف ان كان ما جرى ثورات ام مؤامرات .
كحال العالم من حولنا… كحال الكون والبيئة ،،تداخلت الفصول ولم نعد نعرف شتاءا كما تعودناه ولا صيفا الفناه…
مشكلتنا الاساسية تكمن في استعجالنا كشعوب عربية بتحصيل النتائج . لا نعرف الوسطية في امر . لا نعرف الا ان نكون في شق احد قطبين متناقضين متشاحنين . اما مع او ضد .اما جيد او سيئ. اما حر او عبد. لا نعرف توسط لنا في شأن من شؤون الحياة. نسرف في حبنا ونسرف في كرهنا . نسرف في ولائنا وفي جحودنا . وليس هذا من صنيع الصدفة ولا مجرد وليد للثقافة العربية المتوارثة. الموضوع مرتبط بنهج حياة مبنية عى النقيض. ترويج لافكار لا نؤمن بها . والتسليم بما لا نريد والتربية على مبادىئ نتبعها ولا نؤمن بها. حياتنا مبنية على تكرارات واعادات لما كان من موروث نتخيله بطريقة رومنسية فقدناه مع مرور الزمن وافقدنا ما يمكن ان نكون. فنحن ترعرعنا على الولاء للحاكم مع يقيننا بظلمه . نعلم مباديء بالحرية والاخلاق لا نستطيع تطبيقها على انفسنا.
وبعد عقود من الخنوع والقهر والظلم من الحكومات المتراكمة . كانت الثورات فرصة تاريخية للشعوب المقموعة المتعطشة للكرامة ان تخرج عن صمتها .
تفجر الشعوب اشبه بتفجر انابيب الصرف الصحي المتحشرة. من المستحيل ان تقوم بما هي عليه من جديد في تنظيم الصرف الصحي الا بعد ان تخرج كل النفايات والسموم العالقة فيها تماما. والعملية مقيتة ومزعجة وكريهة. نحن نعيش في هذا الوضع في واقع ما بدأ من ثورات . بسبب القمع الدائم ظننا ان الثورات تحصد نتائجها بشهر او بسنة. الثورات تأخذ عقودا وقرونا احيانا . في حالنا لن تؤتي بثمارها قريبا لاننا نفتقر كشعوب الى الفكر الذي يبنى عليه التنوير والتغيير الذي تأتي به الثورات .
ما يجري طبيعي جدا بالرغم من الالام والمصائب التي تحوم حول عالمنا العربي كاملا.
الثورة ليست تاريخا ، بيوم وساعة وحدث. الثورة عملية مستمرة نحو التغيير المراد يتزاحم فيها كل صاحب مصلحة او غاية .

One comment

اترك رد