تخطى إلى المحتوى

“صنع في بوابة الاردن”

كتبت المقال ادناة في كانون الثاني من سنة ٢٠١٧.مر عنه بالفعل اكثر من ثلاث سنوات. فكرت حينها ان المقال سيكون كنزا للجهة الناشرة ، وكنت كذلك قد تعودت اللعب او التغاضي عما يمكن نشره او لا ، مداعبة- اثناء لعبي- التفكير بكيف تصاغ سياسات النشر في الاعلام العربي والفلسطيني. لاي دولة يتبع هذا الموقع الاعلامي ولاي جهاز مخابراتي وهكذا … استغربت حينها جدا ولكن كان ذلك مدخلا حقيقيا لفهم المحظورات بالنشر اكثر ، لنصل الى هذا اليوم الذي لم يعد هناك من السموح الا ما يتناسب مع مراكز القوة التي تدعم الاعلام ، سواء كانت امنية او مالية والاثنين واحد ويملكان نفس القوة امام ما هو محظور…

لسخرية القدر ربما ، انني اذا ما قررت نشر هذا المقال بنفس الجهة الاعلامية التي لم تنشره حينها سيتم نشره على الفور الآن ، وقد يكون سبقت صحافيا على الرغم من قدم ما بني على اساسه من مرجع حينها.

ربما اخطأ كنفاني في تساؤله عن رجال الشمس الذين لم يدقوا على الخزان… فلربما دقوا …. ودقوا كثيرا …. ولكن الخزان كان مخروماً… فلم يؤثر عليه اي دق.

اليوم يتم الكلام عن اتفاقية بوابة الاردن وكأنها قد خرجت للتو….يديعوت احرونوت العبرية كشفت اليوم عن استثمار الامارات في مشروع بوابة الاردن. ولكن الحق ان المشروع قائم منذ سنوات.

اليكم المقال …

هذا هو ختم الإنتاج الذي ستدخل فيه البضائع الإسرائيلية السوق العربي تم البدء الفعلي بتنفيذ مشروع منطقة التجارة الحرة بين إسرائيل والأردن على حسب تحقيق اجراه موقع اعلام إسرائيلي ونقلته وكالة معا الإخبارية

(Globes: Israel’s Business arena)

المنطقة ستستخدم 700 دونم من الأراضي الأردنية مقابل 245 دونم من الجانب الإسرائيلي والذي ستكون به الترتيبات اللوجستية.

وسيبدأ العمل في اذار القادم من خلال بناء جسر يبلغ طوله 352 متر في شمال غور الأردن فوق المنطقة الواقعة عند التقاء نهر الأردن ووادي شوباش (منطقة بيسان) .

هذا المشروع هو احد مخرجات اتفاقية السلام المبرمة بين إسرائيل والأردن سنة 1994 و التي انبثق منها اتفاق اخر سنة 1998 بين البلدين بإنشاء منطقة صناعية . ولقد تم المصادقة على المشروع لاكثر من مرة في السنوات السابقة، حتى تمت موافقة نهائية في كانون الثاني 2013 حيث وافقت عليه الحكومة. مشروع بوابة الأردن. من الملفت ان إسرائيل هي التي تتحمل تكاليف اعداد وتنفيذ المشروع الذي يصل الى اكثر من 50 مليون دولار وسيتم تشغيل أردنيين في هذا المشروع من البناء الى التشغيل ( 60 مليون شيقل من وزارة المواصلات . باجمالي 200 مليون شيقل تكلفة عامة) .

للمشروع بطبيعة الحال وجوه كثيرة، ولا يخفى على احد، ان اسرائيل لن تتحمل على عاتقها عبء نفقات مشروع من اجل السلام مع جيرانها . هناك مسألتين محوريتين في جدوى هذا المشروع بالنسبة لإسرائيل ، ناهيك عن المصالح والأمور الكثيرة الأخرى .

فالمشروع أولا سيقدم عمالة رخيصة لإسرائيل ولن يكون مستبعدا ان تتلاهث الاستثمارات الإسرائيلية في استخدام العمالة الأردنية الرخيصة جدا (فالحد الأدنى للأجور في الأردن يتراوح نحو 3 دنانير أي 16 شيقل في اليوم ، مما يجعل محصلة الـ 1000 شيقل للعامل شهريا بالنسبة للمشغل الإسرائيلي اقل من اللا شيء. ناهيك عن عدم رفع المشغل هنا الاستحقاقات وما يترتب عليه في الحد الأدنى من الأجور الإسرائيلية) .

المشروع بكل الحالات سيفتح المجال كما هو مجدول له ، لحوالي 10 الاف اردني للعمل في المرحلة الأولى ولـ 3 الاف إسرائيلي. وتفيد التقديرات ان هذا الرقم سيتضاعف لاحقا.

الفائدة المباشرة الثانية هو فتح السوق الإسرائيلي عبر هذه البوابة لكل الأماكن التي استعصت على إسرائيل سابقا تحت شعار ” صنع في بوابة الأردن”. هذا المشروع سيقدم لاسرائيل خدمة تجارية واقتصادية جليلة . بالإضافة الي الاعفاء الضريبي والجمارك وغيرها من تسهيلات ضرائب أراضي وتراخيص بناء. فان الموقع يشكل في اختياره موقعا استراتيجيا حيث انه يقع في وسط الطريق ما بين ميناء حيفا وعمان . مما يسهل معبرا اسهل الى أوروبا وامريكا بالنسبة للجانب الإسرائيلي ، وخليج العقبة والشرق الأدنى من الجانب الأردني. مربط الفرس كما يقولون يكمن بعبارة ” صنع في بوابة الأردن” . فستشكل هذه البوابة معبرا لكل امال التطبيع الاقتصادي التجاري الذي تقف “المقاطعة” دائما عائقا امام المستثمرين والتجار في السوق العربي على العموم. وما سيتم العمل عليه هنا هو انشاء مقاطعة للتطبيع العربي الإسرائيلي . او يكفي ان يكون تطبيع اردني اسرائيلي.

ما يبدو مثيرا في كل ما يجري ، هو تلك الهوة التي تستمر بالتفاقم فيما بين ما يحدث على الساحة العربية العامة وما يجري بين إسرائيل والحكومات العربية . في وقت تشهد الخلافات العربية العربية مشاهد دموية بالكاد يفكر الانسان العربي بنجاته ، وإسرائيل تتدخل بالخفاء والعلن في هذه الساحات ، كما يتجلى لنا اليوم في الموضوع السوري.

ومن ثم هناك الانشغال الفلسطيني الفلسطيني بين ازماته السياسية الداخلية وبين تسيير الاعمال وتوفير الخدمات الأساسية كما يحدث في غزة من تجاذبات سيادية بسبب موضوع الكهرباء. وفي وقت تعتبر عملية السلام الأساسية بين إسرائيل وفلسطين معطلة ومؤتمر باريس يشكل اخر المؤشرات على رمي إسرائيل للمجتمع الدولي ومؤتمراته بهذا الشأن بعرض الحائط فكرة السلام من أي مضمون خارج فكر اليمين الصهيوني المتطرف. ناهيك عن ما يجري بالأردن من أزمات مختلفة . تأخذ هكذا مشاريع واضحة وضوح الشمس في مآلها نحو تطبيع فاضح مع إسرائيل , تبدو فيه اسرائيل صاحبة اليد العليا ، ويتلهث من صار يرى في إسرائيل حليفا عاقلا ومفيدا لكي يجلس مع الإسرائيلي ويتذوق منتجاته ويتلهف لادخالها الى السوق العربي. كل ما يحدث اذا ما تمعننا في المشهد من بعيد يبدو وكأنه يهيئ الى حقبة تصبح فيها إسرائيل بحلمها الصهيوني الابدي بإسرائيل الكبرى…

1 أفكار بشأن ““صنع في بوابة الاردن””

  1. تنبيه Pingback: اتفاقيات التطبيع تطفو الى السطح طوعاً وكرهاً – نادية حرحش

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading