اين الوطن من حسابات المواطن ؟

 

 

دخلت في حديث بيزنطي قبل ايام مع اصدقاء لي فاعلين في حملة المقاطعة (البي دي اس) . بدأ الموضوع بالحديث عن المقاطعة بشكل عام ، ودخل الى حركة البي دي اس واجندتها .

للحقيقة ، انني لا اعرف كيف اكون رأيا عن البي دي اسي تحديدا ، ولم اعد اعرف كيف احدد موقفي تجاه المقاطعة . فمنذ اشهر ، ولقد عدت ادراجي الى الشراء مرة اخرى من الاسواق الاسرائيلية ولم يعد الموضوع يشغلني .فبعد مقاطعة حقيقية بكل ما استطعت به وعائلتي على مدار سنتين ، وصلت الى نتيجة مؤسفة ، بأن اضعف الايمان هذا لا يشكل الا سذاجة من قبلي واستغلال من قبل التجار، واستهزاء من قبل الاغلبية . وبكل الاحوال الموضوع ليس بهذه النتيجة ، ولكن الاهم هو مدى جدوى ما كنتاقوم به . وبكل الاحوال ، فك او حلحلة المقاطعة لا يعني السباحة الحرة في اسواق الاحتلال .

وقد استطيع ان اقول ان هناك جدوى لا يمكن المساومة فيها ، عند التفكير بهذا الموضوع ، وهو ذلك الشعور الحقيقي بقيمة انسانية اعلى ، عندما تجد نفسك في موضوع تتحدى فيه الواقع المرير ، وتكون تحديا بمجرد اصرارك على كسر هيمنة الاحتلال عليك.

ولكني كنت اضعف من المواظبة واستسلمت “جزئيا”.

وعودة الى البي دي اس، الذي تحرك في حين الحديث عنه المشاعر التي تؤرقني . لا اقلل من قيمة هذا الحراك بالطبع ، وعلى العكس اقدره واشجعه . ولكني وجدت نفسي امام تساؤل اساسي ، كان اشبه بذلك الذي وقف امامه عندما كنت اقاطع البضائع الاسرائيلية، او لاكون اقل قسوة على نفسي ، في محاولاتي الدائمة للمقاطعة. هذا السؤال بما نستطيع مقاطعته وما لا نستطيع ؟ ما هي البدائل وما هي جدوى استبدال بضاعة اسرائيلية بأخرى اوروبية علي سبيل المثال ، في حين تدخل هذه البضائع من خلال اسرائيل . فبالمحصلة تكون اسرائيل المستفيد الاول . او ما هي البضائع الذي يجب بالفعل مقاطعتها سواء اسرائيلية او غير اسرائيلية . بضاعة مستعمرات او بضاعة شركات تدعم جيش الاحتلال ؟

ثم اقف امام مقاطعة اخرى ترتبط بالاسرائيليين . فكيف اعرف ما هي العلاقة التي اسميها مقاطعة . كيف اقاطع الاسرائيليين ولي اصدقاء اسرائيليون ؟ طبيعة عملي وحياتي وتعليمي كان طبيعيا فيه وجود الاسرائيليين . او لربما ، كنت انا دائما في تلك المجالات . فكيف اتكلم عن مقاطعة اكاديمية ولقد تعلمت في جامعات اسرائيلية في مراحل مختلفة من حياتي ؟

وقد يكون هناك اسئلة بديهية اجيب فيها لنفسي ، اضمد فيها ما يؤرقني من شعور يخدش حيائي الداخلي.

وان كنت اعاني من هكذا تساؤلات ، لا استطيع نفي من خلالها كوني منفصمة . فأنا استطيع التخلي عن التبضع في اسرائيل لانني استطيع السفر في معظم الاحيان ، فلا احتاج للسلعة الاسرائيلية . وتبقى حاجتي للمواد التموينية التي تبدو بمعظمها مستحيلة بدون ان تكون اسرائيلية . وهناك اصدقائي الذين اشعر باهميتهم وقربهم لي ولا اريد التخلي عنهم ، لان ما يجمعنا في انسانيتنا يتغلب في معظم الاحيان على قوميتنا . وهناك من الاسرائيليين الذين تربطني معهم علاقات عمل لا يمكن ان اتغاضاها .

فكرت بموضوع البي دي اس، ووجدت نفسي اهاجم احد الاشخاص الفاعلين (المؤسسين ) للحركة ، فكيف لي ان اصدق انسانا يدعو الى المقاطعة وهو حامل للجنسية الاسرائيلية . طوعا لا ميلادا . اي انه بذل جهدا من اجل الحصول على الجنسية الاسرائيلية(عن طريق الزواج بمواطنة من فلسطينيي ال٤٨) ، وهو نفسه قد اختار ان يدرس بجامعة اسرائيلية . كان الرد المباشر علي عندما تساءلت ، كيف يطالب انسان بمقاطعة جامعة هو نفسه يدرس بها ؟ وكيف يطالب بقطع العلاقة مع دولة هو نفسه سعى للحصول على جنسيتها ؟ كان الجواب : هذا امر شخصي. فليس لنا ان نتدخل في حياته الخاصة .

هنا بدأ النقاش بوجهته البيزنطية . الا انني توقفت لاسأل نفسي . اين الوطن بالفعل من مصالح المواطن ؟

كيف يقوم الكثير منا ، بالبيع والشراء بهذا الوطن ، تحت مسميات كثيرة تعنون تحريره وازالة الاحتلال والحرية . وكلنا لا نرقى بهذا الوطن الى ما يخلخل ولو للحظة راحتنا .

 

منذ تحول الوطن الى دكاكين يتزاحم اصحابها على تسويق الشعارات التي تزيزد من مبيعاتهم ، انتهى الوطن وتشرذمت القضية حتى تلاشت ، لتصبح منتجا يستفيد منه احدنا على حساب الاخر ، او لمصلحته الشخصية المطلقة . مبدأ انا وبعدي الطوفان . نبيع الشعارات ونخون بعضنا ونزاود في الوطنية وقد خلت منا منذ تحول الوطن فينا الى مصلحة شخصية ، نخيط بها مبادؤنا حسب رغباتنا وحاجتنا .

One comment

اترك رد