تخطى إلى المحتوى

انتخابات (بلدية) ولكن

لا تزال الانتخابات تقدم في إعلان امكانية حدوثها دسما للرأي العام الفلسطيني على الرغم من يقين الشعب بعدم اقترابها الفعلي وجدواها ان شاء لها القدر ان تحدث.
وإذا ما حدثت ، فنحن طبعا نتكلم عن انتخابات مجالس بلدية ولا نتكلم عن انتخابات عامة. فالانتخابات العامة اصبحت كالدولة الفلسطينية، حلم تفتت وتناثرت اجزاؤه .
المؤرق في حديث الانتخابات البلدية الحالي ، هو التوجس من قبول حماس المشاركة. وفي كل الاحوال ، واستباقا لاي موقف حمساوي ، سارع رئيس الوزراء بالاعلان عن ان الانتخابات ستجري حتى ولو رفضت حماس.
لا اعرف كيف اصف رفض الكلام في رأسي عن الخروج. وكأني في صدمة أخرستني. كيف نعيش في تدهور ممنهج كشعب. كانت قضيتنا الاولى قضية تحرر ارض تحت احتلال، ثم اصبحت قضيتنا قضية سلطة اهم انجازاتها اعلان دولة بلا حدود ابعد من حدود شارع وحارة لمعلنيها. ثم صارت قضيتنا فصيلين متناحرين، جل ما يريده الفصيل هو القضاءعلى الفصيل الاخر.
ثم انتهت قضيتنا في رفع اعلام التحرير في مسابقة غناء على شاشات سعودية.
انتهى الوطن فينا الى رموز سلطوية، يبدأ الوطن وينتهي بها، من مناصب ومؤسسات ومراكز وتسهيلات بعينها يتم تقييم ما هو الوطن على اساسها.
لا زلت اعيش ذلك الشعور بالحسرة الحقيقية الذي تحول الآن الى خجل في كل مرة اسمع فيها بكلمة انتخابات. فالانتخابات هي الشغل الشاغل للعالم الطبيعي وغير الطبيعي. الحر وغير الحر. الاستبدادي والديمقراطي. الا في حالتنا، فإنجازنا الاكبر في انتخابات جامعية يتدهور وضعها في كل عام نحو هاوية لا استغرب ان تم ضحدها قريبا. وكأن عملية الإلهاء هذه مجدية. فترى المجتمع بجله يترقب وينتظر. وهذا ما يحصل الآن، فلقد تم رفع مستوى الانتخابات للهو المجتمع من جامعية لبلدية. طبعا انتخابات النقابات تم احتواؤها ولا يعلم خفاياها الا السلطان. والسلطان هنا قد يكون كل من هو في علية القوم القابض على سلطة ما. لا يهم….
وفي شطري الوطن المنقسم لم يعد موضوع الفصيل الخصم يشكل اي اشكالية او حتى نقاش. الا في حالة الجامعات. فكل فصيل متربع على مقاطعته السلطوية وحسم الامر لنفسه.
انتخابات البلديات طبعا من شأنه ان يكون فوق مستوى الفصيلين، وعليه يخضع لشروط الانتخابات العامة في شرط موافقة الجميع عليه (غزة – الضفة). وعليه ، رأينا حجيج رئيس لجنة الانتخابات لغزة من اجل قراءة الوضع في غزة. نفس الآلية المعهودة وفق النظام العام للانتخابات (وانا لا أتهكم هنا). كما حدث قبل عدة سنوات في انتخابات البلديات السابق التي رفضت حماس الدخول فيه، وكانت النتيجة كلها بمجالس فتحاوية في الضفة، في ظل انشقاق وخلاف فتحاوي واسع بالطبع. احيانا افكر ان الخلاف والانقسام جزءاً من تركيبتنا الجينية. فإذا لم نجد خصما نختلف معه نصنع من انفسنا الخصام.
مفاجأة هذه المرة لم تكن بموافقة حماس على انتخابات البلديات، كما في المرة السابقة التي لم تصل فيها الانتخابات البلدية الى مكان، الا انها تنصرف اليوم الى القرار المسبق بعدم وجود حماس بالانتخابات. وبكل الحالات يجب ان نذكر انفسنا ان الانجاز العظيم هو انتخابات بلديات وليس انتخابات تشريعية وعامة. ولن ابدأ من جديد بالندب على اننا لم نعد نحلم بانتخابات عامة.
وكأن المطلوب انتخابات بلدية تكمل مسرحية انتخابات المؤتمر السابع لفتح. انتهينا من قسمة البيت الفتحاوي الى الموالين المباشرين للرئيس ابو مازن، فهكذا ستكون القوائم الفتحاوية نظيفة من الاعداء الفتحاويين السابقين (حزب دحلان). وهكذا يوزع الوطن لمن لم ينل حصة في كعكة فتح المركزية والثورية.
ما نعيشه من تدهور في شأننا الداخلي فاق حتى توقعاتنا نحن الذين لا نزال نأمل بيوم قد نصحى فيه على حال افضل. حال يكون فيه الوطن جامع لنا بجغرافيته وكيانه.

الموضوع خرج من فكرة فصيلين متحاربين، بل أصبح متمحور بفكر مجتمع اعتاد على الانفصال هذا، سواء كان التوجس من انتصار حماس اذا ما دخلت الانتخابات او لربما خاف المستاءون من فكرة تجمع اشتات المواطن الفلسطيني من جديد.
بكل الاحوال، ان خوف فتح تحديدا من موافقة حماس على خوض انتخابات البلدية مبرر. كما هو استباق فتح للاعلان بان الانتخابات ستجري حتى بدون موافقة حماس.
فحماس بكتلتها الاسلامية بالجامعات الفلسطينية بالضفة تكاد تتربع على مشهد الانتخابات. وما حدث في المرة السابقة من انقسام فتحاوي يؤكد مرة تلو الأخرى ان البيت الفتحاوي لا يحتاج الى ترتيب بيته الداخلي فقط، ولكن يبدو ان الخراب دك فيه لدرجة أنه لن يصلح الا هدم هذا البيت واعادة البناء فيه من جديد. وهذا لا يبدو حتى بأي افق بالصفوف الفتحاوية المختلفة. فهناك انعدام للرؤيا الوطنية التي اصبحت بها فتح هي الوطن. وسنرى في هذه المحاولة للانتخابات البلدية ما رأيناه في الانتخابات السابقة. ان مشكلة فتح ليست بوجود عناصر غير موالية فيها للرئيس (دحلان وشركاه) ، ولكن مشكلة فتح اكبر.
لا آحتاج ان اكون فتحاوية العضوية لأتكلم عن فتح في هذا الصدد، فكنت ولا زلت اعتقد، ان الشعب الفلسطيني بتاريخه فتحاوي الطابع. الا ان الانحدار في فتح الذي لا يتوقف عن التهاوي يستمر في حصر فتح في هوة لا يبدو الخروج منها محتملا.
في كل مرة اكتب فيها او احاول الكتابة فيها عن الانتخابات وحاجتنا اليها ، كنت اشعر ان بداخلي ما يستصرخ بصوت اغاثة. كانت الانتخابات هي الامل الضئيل المتبقي ليحصل تغيير ما في ترتيبات البيت الفلسطيني الداخلي. الا ان ما نشهده هو حالة من الاستعار التي تصيب الفصيلين. كل يريد الاستحواذ على السلطة التي لم يعد بها اي سلطة الا سلطة اولئك على زمرة منا.
لم تعد القضية الوطنية الا بشعارات يستمر اولوا السلطة في ترديدها.
وعليه … قد تكون مسرحية الانتخابات البلدية اضافة للهو المجتمع الفارغ من مضامين المقدرة على تغيير اي شيء سوى الحديث واللغو والتذمر والرياء. سيبقى موضوع الانتخابات العامة، الفرصة الاخيرة لبقاء هذه السلطة “الوطنية” …. اذا ما تبقى لها بقاء…

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading