تخطى إلى المحتوى

اسرائيل تذرف دموع الانسانية على السوريين

اسرائيل تذرف دموع الانسانية على السوريين

 

في مقدمة سارتر لكتاب فرانز فانون “معذبو الارض” قال : ان المستعمر ليس شبيه الانسان. وعهد الى قواتنا (اي القوى الاستعمارية الاوروبية) بمهمة تحويل هذا اليقين المجرد الى واقع. صدر الامر بخفض سكان البلاد الملحقة الى مستوى القرود الراقية من احل تسويغ ان يعاملهم المستوطن معاملته للدواب. ان العنف الاستعماري لا يريد المحافظة على اخضاع هؤلاء البشر المستعبدين ، وانما يحاول ان يجردهم من انسانيتهم.”

والاسترسال بقراءة “معذبو الارض” يشرح لنا باستفاضة عن حقيقة الاستعمار والمستعمر. واذا ما كان هناك توصيف لشكل هذا المستعمر في يومنا هذا ، فاسرائيل هي الوجه الامثل لتحقيق نبوءات او فلسفات فانون في كتابه هذا.

فمهما حاولت اسرائيل الصهيونية من مسح جرائمها المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني منذ توغل الكيان الصهيوني في اراضيه ، والادعاء بانسانيتها فلن تنجح. ولن يعطيها الهوان العربي ولا الجرائم المرتكبة في بلاد العرب من العرب ضد العرب شكلا ابهى . فالعرب بهمجيتهم وقبليتهم وعرقيتهم وانحدارهم لا يزالوا ينتمون الى سلالة البشر. يقتلون ويخربون ويهتكون ولكن بوعي تام ان الاخ يقتل اخيه ، والصاحب صاحبه ، والجار جاره الى اخره . ومهما بدا هذا المشهد قاسيا ، وهو كذلك ، يبقى حسبة بين البشر. الا ان اسرائيل بكيانها لا تنحدر وصفات البشر حتى ولو تصرفت بهمجية لتؤكد انها ليست انسانية او تصرفت بانسانية محاولة لانسنة وجودها .

قد اكون متزمتة في نظرتي ومتحيزة في الشأن السوري ، خصوصا في كل مرة ارى اسرائيل فيها تتجمل بوجه انساني متعاطف متباكي ومتأثر . وبكل الاحوال ان ما يجري بسورية والعراق واليمن من سفك لدماء ابرياء وكل هذا القتل بهذه الوحشية مؤلم ، محزن وفاطر للقلوب. ولا يوجد من هو على حق ومن هو على باطل . فكل قاتل لانسان باطل. الحقيقة الوحيدة التي يجب ان يقف الحق الى جانبها هو الضحية من المواطنين العزل الابرياء بكل مكان.

ولا اعرف كيف يمكن لاي عاقل الا يتساءل لم تتعاطف اسرائيل في بعض المواقف مع الشعب السوري ؟ منذ متى يعنيها الانسان السوري ودمه؟ فسورية تحترق منذ ست سنوات واسرائيل تساهم في هذه الحرب بالسر والعلن . فكيف يقبل اي انسان عربي ان يكون على الجانب الاسرائيلي في اي حال ؟

ولكن بكل الاحوال ، الموقف الاسرائيلي اقرب الى الفجاجة والوقاحة . وحقيقة لا افهم كيف يتجرأ شخص كنتانياهو يده ملطخة بدماء الفلسطينيين ان يتكلم عن الانسانية وعن الالم امام الجرائم والمجازر المرتكبة في سورية (طبعا تلك التي يرتكبها النظام لسوري) ؟

وان كنت اعي ان نتانياهو فعلا لا يتصف بالانسانية وهو مستعمر من الطراز الاول وتتغلغل في اوصاله الصهيونية في ابشع صورها ان كان للصهيونية صورا اقل بشاعة، حقيقة لا افهم كيف يتجرأ الاسرائيليون على البكاء على سورية وتشبيه ما يجري بالمذابح النازية ورواندا ، كيف خرجت هذه الانسانية فجأة بينما ترتكب المذابح بحق الفلسطينيين وراء الجدار العنصري العازل الفاصل وامامه. اين كانوا عندما دمرت غزة عن بكرة ابيها وتشتت مئات الالاف وقتل الالاف ولا يزال عشرات الالاف يعانون من اصابات جعلتهم بلا اطراف وبامراض لا يعلم بها الا الله . اين هو هذا الشعب الانساني امام مشاهد المجازر الفعلية التي كانت على بعد عشرات الكيلومترات من المدن الاسرائيلية ؟ كيف كانت تلك الانسانية مجمدة عندما كان يجلس الاسرائيليون على مقاعد خارجية يحتفلون وينتطرون الصواريخ التي كانت تخلخل ارجاء مليوني انسان محاصر من جميع الاتجاهات في اغلبه ومعظمه اعزل؟

اين الاسرائيلي الانسان الذي يطوق لرؤية الدم الفلسطيني ويشمت في مصائبه ويسرق اراضيه تباعا وينكل في ابنائه ويرعبهم ويدب الذعر في نفوسهم ولا يكل عن ذلهم ولا التنكيل بهم .

اين الاسرائيلي من مشاهد التنكيل بالاطفال الفلسطينيين ، وقتل الامهات بدم بارد والاغتيالات الغوغائية كالعصابات ؟

من اين خرجت هذه الانسانية فجأة ؟

هل المشهد السوري بدمويته افظع فعلا مما جرى بغزة ؟ القنابل والمدفعيات والدمار الذي حل باحياء كاملة بغزة تم قياسه بقنابل هيروشيما ونيازاكي بعدة مرات اكثر . مشاهد العدوان والمجازر في غزة حول المدينة وكأنها تعرضت لزلزال بقوة عشر درجات .

واليوم ، يخرج نتانياهو ويبكي ابناء سورية التي تساهم طائراته الحربية بالعدوان على اراضيها ؟ وتكتب الصحافة بحرقة ان الوضع بسورية يذكرهم بجرائم النازية ؟ ويكرس التلفزيون بمحطاته المختلفة برامج بكاء ونحيب على سورية ؟

وامر ما في هذا استخدام مذيعة عربية ، في ايام الحرب على غزة كانت تنعت المقاوم الفلسطيني بالمخرب ، لتندد اليوم وتدعو العرب وحكامهم من منبر القناة العبرية ان يخجلوا على انفسهم وينقذوا سورية.

اخشى ما اخشاه ان يخرج بيان اسرائيلي عربي مشترك لشجب جرائم النظام في سورية عن قريب….

فنحن في هذا الزمن ….

زمن لا يستح فيه احد …

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading