الفكر العربي من اغتيال لتشويه

الفكر العربي من اغتيال لتشويه

 

قد يكون العنوان لهذا المقال مغرضا، لأنه وبعد تفكير قليل لا بد من السؤال ، هل هناك فكر عربي ليتم اغتياله ؟ قد نكون في وضع اقرب الى استبدال كلمة الفكر بالانسان العربي الذي اذا لم يتم اغتياله فلقد تم تشويهه.

ولا اعرف كم من الاجحاف يكمن في هكذا تعبير ، فهل اختفى المفكرون من العالم العربي؟ ربما نحتاج الى اعادة صياغة كلمة فكر لنتأكد من انه بالفعل لا يوجد من يمكن ان نطلق عليه مفكر اليوم في عالمنا العربي. يوجد متعلمون ومثقفون وكتاب وباحثون ومحللون وسياسيون ، ولكن المفكر هو ذلك الذي يجلب فكرا ما ، محدث، مجدد ، مغير . وهو ما لا يوجد في اي من يمكن ان نطلق عليه هذا اللقب في هذا الزمن العربي. شهدنا في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين حراكا فكريا قد يكون احد مشعليه عبد الرحمن الكواكبي وانطلق معه كوكبة من المفكرين العرب ، انتهت بالسبعينات والثمانينات من القرن الماضي عندما تمت تصفية كل من يمكن ان يشكل فكرا عربيا تباعا وفي كل المجالات ، الادبية والعلمية والفلسفية . ولربما التمس العذر لمن يحملون بذور الفكر في يومنا هذا من ادباء وعلماء وفلاسفة اختاروا ان يختبئوا وراء ابداعاتهم الذاتية خوفا من التصفية الجسدية . والامثلة على هذا كثيرة .

ولكن ان يتحول اليوم مثقفونا ومتعلمونا وعلماؤنا وفلاسفتنا الى زمر من المحللين المنتمين الى هذا الفريق المتشدد او ذاك فهذه افة اصابت شرايين هذه الامة بالصميم. التشدد والتعصب ليس بالدين . التعصب هو طريقة حياة . تربية نشب عليها ، نغذيها ونتربى عليها . وهذا حال كل بيت عربي ، تتفاوت فيه نسبة التظرف والتشدد من موضع الى اخر.

ما جرى من احداث دموية في مصر صبيحة الاعياد ، لا يختلف عن تفجيرات المساجد في العراق وسورية واليمن وغيرها ، لا يختلف عن قتل المصلين في الخليل منذ ٢٥ وعشرون سنة على يد صهيوني متطرف. والامثلة كثيرة اذا ما خرجنا كذلك من هذه المنطقة الى القارات الاخرى .

لا يختلف الدم المسال في مصر عن ذلك الذي نراه يوميا في سورية والعراق واليمن . لم يعد الموضوع موضوع كنيسة او جامع . وليس الموضوع موضوع ازهر او تطرف اسلامي . ما نعيش به هو تطرف قبلي كلنا شركاء به .

لا يختلف الازهر كمؤسسة تربوية عن المؤسسات التربوية الحكومية في كل البلاد العربية . فمناهجنا مليئة بالتطرف والتفرقة والانحياز الى طرف ما ضد طرف اخر. قبل ان نبدأ القراءة يتم تحفيظنا وحشو ادمغتنا بالانحياز الى طرف ما سواء كان دينا او عائلة او طائفة او حزب. منذ ان يبدأ وعينا بالتشكل ، نتغذى على هكذا ثقافة . نربي ابناءنا على ان الذكر غير الانثى ونفضله . نقرر لابناءنا مدارس تغذي نوعا من الطبقية والتفرقة والانحياز الى فكر ما سواء كانت دينية او علمانية او الحادية . نقرر من البداية اننا نريد ان نكون مع جهة لا جهة اخرى . نفرق ونحدد ونقرر انتماءات ابنائنا وبالنهاية نستغرب اننا ننتج اجيالا متطرفة اصبحت داعش احد فرقها .

من السهل ان نرمي اللوم على الاسلام xx، وعلى ابن تيمية وعلى البخاري ومسلم وغيرهم . ولكن ، من الذي شجع هذه الكتب ؟ كيف وصلت الى ابنائنا ؟ الم تكن هذه المدارس خيارات لنا ؟ والمدارس ليست الا نتاجا لرغباتنا كمجتمعات واحتياجات نقررها مسبقا . الخلل في مناهجنا في كل المداخل ، فلا اشك ان المدارس الدينية اكثر تطرفا وبلاء ، ولكن بكل الاحوال هناك منظومة متكاملة تدعم التطرف . هذه المنظومة تبدأ في بيوتنا .

تبدأ باللحظة التي نفرق فيها بين البنت والولد. باللحظة التي نحذر ابناءنا من ابناء الجيران الذين لا يصلون كما نصلي ، ونرتعب اذا ما جاء ابننا بسؤال فضولي . منظومتنا التربوية في بيوتنا عبارة عن لوائح لا منتهية من التحذيرات والتهديدات والترعيب . ومع الاسف وجدنا استخدام “آلله” كوسيلة رعب هي الافضل. فان عصينا الوالدين سيخسفنا الله ، وان تركنا الصلاة ستصلانا النار ، وان خرجنا بلا اذن وان قلنا لا او نعم او جادلنا او لا قدر الله اخطأنا فنحن دائما معرضون لعقاب من الله .

حتى وصلنا الى قتلنا الاخر تحت اسم الله ، وابتهاجنا لموت الاخر تحت اسم الله ، وحرق دور العبادات كنائس ام مساجد تبرر تحت اسم الله .

كلنا نعيش في طاعة ما لله…. نقتل ونسفك ونخرب وندمر ولقد فقدنا الرحمة والتقوى والتسامح والغفران ونصرخ مستجيرين بالله ان ينتقم منهم …. اولئك الذين لا ينتموا الى فريقنا مهما كانوا ، مهما اقتربوا ،فهم بعيدون لا يستحقون الحياة ما دواموا من الفريق الاخر.

تشوه الانسان فينا ….حينما استبدلنا الفكر بتعليم يمنحنا شهادات مدموغة بالتلقين والتبعية.

تشوه الانسان فينا عندما ساهمنا في قلب موازين مفاهيم الاخلاق والرحمة …فتفككنا وها نحن نتحلل بين ألسنة المحللين منا ، ولم يبق منا الا انسان عربي مليء بالتناقضات متشرذم ضائع فاقد لاي انتماء ….مشوه.

 

اترك رد