أيام شارع نابلس وأبناء الوطن الاصيلين
للسنة الثانية على التوالي , يقوم مجموعة من الناشطين المقدسيين على اطلاق فعاليات شارع نابلس بالقدس.
بدأت الفعاليات انطلاقا من فكرة الحاجة الى تنشيط حركة السياحة في مدينة القدس , في وقت يستمر عزل المدينة عن أبنائها بين حواجز وجدار فصل وسحب هويت ممنهج. وعزل محكم عن كافة المدن الفلسطينية لتبدو كمدينة الاشباح مقارنة بشقها الغربي. بدأ العمل على الفكرة لخلق حالة من السياحة الداخلية باطلاق فعاليات شعبية مختلفة على شكل بازار لعدة أيام تستقطب فيه المدينة أبنائها وتدعوهم للمشاركة بمنتجاتهم وفعالياتهم.
هذا العام انطلقت “أيام شارع نابلس” باحتفائية شعر أبناء المدينة وسكانها بأنهم جزء من عمل يخصهم ,يدر المنفعة لمن يبحث عن ترويد لمنتج وطني , وفرصة للترويج عن المنتجات والابتكارات الشخصية المختلفة . واستقبل الزائرون الفعاليات بحماس بين أطفال ونساء وشباب.
تخلل الأيام المرافقة للمهرجان الشعبي المقام على امتداد شارع نابلس عروض فنية ومعارض وندوات شارك فيها الكثير من الفنانين .
في مشهد بدا وكأنه انعكاس حقيقي للقدس , بات خفيا في ظل سوء أحوال الوطن الفلسطيني والعربي على حد سواء. غلب فيه التطرف والانقسام بين كافة الاطياف من أحزاب وديانات . أحيت الفنانة سناء موسى صاحبة الصوت الملائكي الدافيء حفلا غنائيا في باحات كنيسة الدومينيكان في وسط شارع نابلس. تدفق أبناء المدينة من كافة الاتجاهات صوب الصوت الجميل والكنيسة المتواضعة في حنوها لاهل هذه المدينة بالمئات بين نساْ وأطفال ورجال بتناغم مليْ بالحنين الى مكان يعيشه الجميع على انه وطن يصبون اليه بحميمية وشجون.
ذلك المشهد لنساء محجبات في مواجهة المذبح التذي يتصدره صور العذراء مريم وعيسى عليه السلام. جلب الى الاذهان ذلك الانسجام ما بين اهل هذه المدينة بلا تمييز ولا تطرف. وكأن المقدسيين في تلك الاثناء رموا وراءهم عبء الزمن المهيمن وتداركوا انفسهم ورجعوا الى طبيعتهم. طبيعتهم تلك التي تشكلت مع كينونة هذه المدينة الحاضنة بدفء لابنائها.
كان المشهد تلقائيا وبلا أي تكلف ولم تكن هناك أي محاولة للتأثير على احد , فالفعاليات مفتوحة للجميع بلا تحيز لعمر او جنس او دين.
قد يكون هذا المشهد عاديا في يوم اخر في سنوات بعيدة . فنحن أبناء القدس تربينا وترعرعنا على ان نعيش مسلمين ومسيحيين معا. فمدارسنا تجمعنا ,كما الحارات والشوارع والازقة . ولكن لا يمكن نرى من هذا المشهد ا لا مثالا حيا على حقيقة المعيشة في القدس بواقع لا يحاول المساس به منتفع ولا عنصري ولا طائفي.
وبين كل المشاهد في اختلافاتها وتميزها , سيدات يعرضن التطريز وعربة الكعك والوصفات الخاصة من اكلات وغيرها ومعروضات فنية وكتب , لا يمكن الا ان نتوقف عند الجنود الخفية التي تعمل على هذا المهرجان على قدم وساق. بلا محاولة للتباهي او المنفعة الذاتية او كسب رصيد لمعركة انتخابية او إضافة علامات لحزب او فصيل . اشخاص يعملون بإخلاص من اجل هذه المدينة في وقت يمتص ترابها المرتزقة ويحاصرها ويغلغل اوصالها الاحتلال .
في هكذا مهرجانات شعبية لا يمكننا الا ان نتوقف احتراما لأولئك الذين لا يبغون منفعة شخصية ولا مصلحة تعلو مصلحة المدينة وأهلها . يتم الاعداد والتحضير والبدْ والانتهاء من هكذا حدث لا يخفى كم العمل الحفيف وراءه وبالكاد نعرف من كان وراءه . لان بالقدس لا يزال فرسان حقيقيون كرسوا نفسهم بالخفاء والعلن لمصلحة هذه المدينة ومحاولة المحافظة على قدسيتها . تلك القدس التي يرفض ابناءها الحقيقيون ان يبيعوا ويشتروا بها . لا يزاودون على انتمائهم وحبهم وولائهم…فقط يقدمون لمدينتهم ما يحبون به الخير لها.
في وقت نرى المزاودين من كل طيف وحزب . بين سياسيون وسلطوييون ومنتفعون متسلقون يهتفون بشعارات تنادي الى القدس وتنحب القدس وتستجدي وتطلب العطايا من اجل القدس . مؤتمرات وفعاليات ثقافية وغيرها يروج لها تحت اسم القدس ولا يراد الا لاصحابها الانتفاع .
يا ليت أصحاب المؤتمرات والمهرجانات وأصحاب “الدكاكين” الثقافية في هذا الوطن يتعلموا من “رائد سعادة” , ابن القدس النبيل . الملتزم الخلوق. الجندي المجهول في فعاليات الوطن الحقيقية .
هذا الانسان ومن يقف معه وخلفه هم السفراء الحقيقيون لفلسطين على ارضها وخارجها.