رمضان ولحظات تفكر

رمضان ولحظات تفكر

يأتي رمضان في كل عام ليكون مرة أخرى شهرا يمنحنا الفرصة للتفكر وإعادة الحسابات . تربينا على مفاهيم ومعاني جميلة يحملها رمضان بين طياته, ترعى به التكافل الاجتماعي والاحساس بالاخر والصبر والتحمل والتفكر والعبادة.

كبرنا وضاقت هذه المفاهيم في تطبيقاتها , ولكننا لا نزال نستخدمها عند السؤال : لم نصوم ؟ كما هو السؤال : لم نصلي ؟ وكما هو سؤال : لم نحن مسلمون ؟

والاجوبة لا تزال نفسها . نصوم لنشعر بالفقراء. نصلي لنتقرب من الله . ونحن مسلمون لأن الإسلام هو الدين الصواب.

والتفاصيل بالاجوبة كذلك كثيرة , ولكن عند الامعان بنا كمسلمين اليوم , نقف امام انهيارات تحملنا معها الى اسفل السافلين , لا بد ان نتوقف امام اسئلتنا واجوبتنا وما بينهما من طريقة حياة .

الإسلام لا العادات ولا الأعراف هو ما علينا اتباعه , وهنا تبدأ مشكلتنا كمسلمين اليوم. الإسلام دين تفكر وتدبر , ونحن لا نتفكر ولا نفكر . لا نتدبر ولا ندبر. نحن نكفر ونفجر ونسفه.

المعتقدات هي الدين الذي نمارسه ولا نريد التراجع عن ذلك . العرف في مفهومنا اشد واهم من أي حقيقة أخرى . العرف هو القيد الذي يحركنا ويحدد مسارنا.

في نفس الاسئلة الطفولية التي كنت اسمعها من ابنائي , ولا اعرف الإجابة عليها , لانني عندما كنت صغيرة وسألت معلمة الدين عن الصيام لم تعطني جوابا افهمه . اذا ما كنا نصوم من اجل الإحساس بالفقراء , فهل هذا يعني ان الصيام مفروض فقط على المقتدرين ؟ لماذا يصوم الفقير اذا ما كان الصيام فريضة للمقتدرين ليشعروا بالفقراء؟ واذا ما كانت الاية القرآنية تقول ” الصيام أيام معدودات ؟ فلماذا نصوم شهرا كاملا ؟ اذا ما كنا على حسب الاية نصوم كما صام الاقدمين , فكيف يكون الإسلام هو الدين الصحيح فقط؟

” يا أيها الذين امنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون . أياما معدودات فمن كان منكم مريضا او على سفر فعدة من أيام اخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وان تصوموا خير لكم ان كنتم تعلمون . شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا او على سفر فعدة من أيام اخريريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون.

كآيات أخرى عديدة في القرآن تحمل قواعد وتعليمات، تأتي هذه الاية لتقول لنا ما لا نفعله في الضرورة . وكمثيلاتها من تلك الايات يتم استخدامها كمرجع وكقاعدة شرعية . تستخدم اية او جزء منها ويصبح هو القاعدة ويتم استثناء واهمال المعنى الاصيل التكميلي.

لا زلت اعتقد وبصدق بالمقولة الشائعة : ” الله ما شافوه بالعقل عرفوه” . منذ وعينا على هذه الدنيا قيل لنا ان الله يعرف بالعقل , وبلحظة محاولتنا لاستخدام العقل يخرج علينا الجميع من كل الاتجاهات ليعقلوا هذا العقل ويصدوا معاقله ويقولوا : ان العلماء اجمعوا …القاعدة الشرعية …الفتوى الفلانية …… مع انه قيل لنا كذلك في تعاليم الصغر ان المسلم العاقل البالغ يستطيع ان يتدبر القرآن وبالتالي احكام القرآن , والا فلماذا كان هذا القرآن عربيا مبينا ؟ ولماذا كان للعالمين اذا ما كان تفسيره مقتصرا على اولي العلم منا فقط؟ وهنا لا يمكن ان أكون انا مثلا من اولي العلم لان القاعدة الشرعية لا تنطبق علي بمجرد النظر الى صورتي.

هل لي ان اسأل مثلا بدون ان يتم التسفيه في شأني. لماذا نصوم شهرا كاملا مع ان الاية تقول وبوضوح أياما معدودات , وتقتضي الاية بالسابقين منا ، أي اهل الديانات السابقة .

وهل لي ان اسأل لماذا نفرض الصيام هكذا على أبنائنا في أيام كهذا تشتد فيه الحرارة ويفتقد الجسم للسوائل ونعرض فيها الأطفال لمخاطر بينما الاية كذلك تشدد على المقدرة .

اذا ما تمعننا بالاية لرأينا الرحمة فيها . فالله يريد اليسر لعباده وليس العسر. فلماذ نهول الأمور على الأطفال والكبار ونرعبهم من الجحيم والنار والعقاب بينما لا توجد إشارة واحدة بها تهويل في الاية.

واذا كانت تتمة الاية تخبرنا انه من شهد منا الشهر فليصمه , فالمقصود هنا وهو جلي , ان من شهد دخول شهر رمضان فليصم تلك الأيام المعدودات .

وقد نتفق ان الاجماع كان على ان الشهر المقصود هو من رؤية الهلال الى دورانه الكامل وظهوره من جديد . اين الشعائر من مضمونها؟

قد تكون فرصة الشهر هذه للتفكر والتعبد ، ولكن اين هو التفكر والتعبد منا .

في رمضان يتزاحم العباد على المشتريات وكأن مجاعة تنتظرهم. تمتد الموائد بأصناف الاكل المختلفة وترمى الى النفايات ولا من مهتم ولا من مقتصد. يصاب البشر بالتخمة والبلادة ويتحول الليل الى نهار لمواكبة المسلسلات الرمضانية المتزاحمة والمتخمة والتي لا تمت للتفكر ولا المراجعة بصلة. اسقاطات فكرية وترهات ثقافية وازدواجية وانفصام .

وقد يقول قائل ، لم لا نترك امور الشرع والدين لاصحاب الاختصاص ، وقد يكون الكلام صوابا ، ولكن لا يمكن النظر الى ما يحصل حولنا بلا توقف وانتهاز فرصة المناسبة لنقف عندها . فما يجري حولنا من تفكك وانهيارات مرتبط بمسارنا الاعمى نحو ما قيل لنا انه هو الطريق الوحيد والاوحد. الصراط المستقيم الذي قرره لنا الفقهاء والائمة. وقد يكونوا في تصورهم على صواب ، كما يمكن لكلامي هذا ان يحتمل الصواب. وقد يكون على خطأ كما لكلامي هذا يمكن ان يحمل على الخطأ.

شهر رمضان هو شهر العبادة. هو الشهر الذي لا يفارق القرآن المسلمين الباحثين عن تواصل اقرب الى الله. هو الشهر الذي نرجع فيه الى الله . نرجع فيه الى القرآن. فاذا ما كان بالقرآن لا يحتمل ما نطبقه ، فكيف نستوعب التطبيق ونقدسه؟ سأسمع في المقابل اسكاتات تقول : هناك السنة . نعم هناك السنة ، ولكن السنة تأتي بعد غياب الفهم من القرآن . والقرآن هنا بليغ وصريح ، وفهم ما تريده الايات لا يحتمل الكثير من التحليل . لماذا اذن نختار ما هو ليس مطابقا لكلمات الله لنطبقه؟ لماذا نحتاج الى مفسر وفقيه ومشرع وعالم ليقول لنا ما قاله الله في كتابه المبين ؟

ما نراه من سفك لدماء تحت اسم الله والدين الاسلامي ، يأتي من هكذا انغلاق نحو العقل والالتزام المطلق بما يمليه الشعر على حسب ادراكهم. كل مآسينا تستخرج من كلام الفقهاء وتنسب الى الله والقرآن ، والقرآن منا براء.

لن نرقى بأنفسنا ، لطالما نرفض ان نواجه المعتقدات وننفضها ونناقشها ونسأل عنها ونحللها . لم نخلق لنكون اتباعا لفقيه ولا مشرع . خلقنا لنتبع كلمة الله ، وكلمة الله لنا كمسلمين واضحة في القرآن لمن اراد تدبره. واجبنا كبشر سوانا الله على الارض لنخلفه او نتفكر في عبادتنا لا ان نكون عبيد. لم نخلق لنمارس ديننا بعبودية ، ،لكن خلقنا لنكون عبادا صالحين. والصلاح هو في اصلاح امورنا ، ولا يمكن ان تصلح امورنا ونحن نمارس الدين كطقوس وعادات واعراف.

قد تكون هذه الاعراف جميلة ومهمة وتقوي ثقافتنا وانتماؤنا الى هوياتنا الحضارية والثقافية المختلفة ، ولكن الاخلاق في الدين هي التي علينا المحافظة عليها . فصيام عن طعام ، وبذخ في الافطار،ليس للعبادة بصلة. وضوء وصلاة بلا نظافة ليس هكذا نقف امام وجه الله . العصبية والمشاحنات والمخانقات لان فلان صائم ليست اخلاق الانسان الذي يصوم ليصبر. الصلاة بلا تأمل ، وقراءة القرآن والفقه بلا تأمل لا ينتج خلفاء لهذه الارض ولكن ينتج عبيدا .

لقد جئنا لهذه الارض لنكون عبادا لا عبيدا …..فلنتفكر.

اترك رد