تخطى إلى المحتوى

فيروز …لمين

فيروز لمين

 

 

من الصعب الكتابة عندما يتعلق الامر بفيروز . فتاريخها يتم كتابته باستمرار ، وصوتها لا يزال يدلي بشهادته لذلك التاريخ العتيد .

فلا يهم ما يخرج من فاه الفيروز من كلمات ، ولو كانت بضعها، بسؤال لمين، الك او الي او مش لشي او لا اي شي . فالمهم ان فيروز هي التي تقول هذه الكلمات وبصوتها الفيروزي الذي لا يزال يغرد بنفس الانسياب وكأنه قطرات غيث لا تكف عن ري الارض العطشى لغيث يرويها لا يغرقها .

اذكر قبل ما يقارب على الثلاث عقود عندما عادت فيروز بعد غياب بكيفك انت ، والتي كانت كالثورة في عالم الطرب الذي لطالما سمعناه او تعودنا عليه من فيروز. وكأنها تركت درب موليها ومشت في درب ابنها واثقة انه المستقبل ، والمستقبل يحمل ما لم يعد هناك في زمن سابق والفن جزء منه. كانت اشبه بثورة فيروز نفسها على تاريخها .

وعلى الرغم من الانتقادات ، بقيت كيفك انت واستطاعت بلا عناء ان تؤكد ان التغيير ومواكبة العصر ليست مشروطة ولكن تبقى بخطى الواثق الاصيل .

بدون شك ، لقد اخذتنا الاغنية الجديدة على غفلة ، في وقت تتزاحم فيه الاحداث وتتفاقم وتتعقد . قد تكون هكذا اغنية ببساطة الكلمات وقلتها او ربما شحها ، اهم ما يمكن ان تقدمه لنا فيروز ، بهدير صوتها وسط وعر هذا الواقع الذي نعيشه .

هل هناك ما يقال اكثر ؟ وهل هناك داع لقصيدة جديدة ، فلقد قدمت لنا فيروز بصوتها من قصائد وموشحات واغاني على كل مستويات الطرب. فلماذا نعترض عندما تأتي الينا وبعد ثماني عقود من حياتها قدمت فيها على مدار اكثر من خمس او ست عقود للمستمع العربي والعالمي ما هو خالد . فمجرد غناءها ووقوفها وراء ميكروفون بداخل استوديو هو جزء من خلود شخص بحجم فيروز وصوتها الذي لا يزال يقدم للمعزوفة لحنا اخر وكأنه يخرج من اوتار القيثارة .

مشروع فيروز الذي بدأه الاخوين رحباني يكمله اليوم الابنين رحباني ليؤكدوا ان المشروع الفيروزي هو مشروع مستمر ، لا يرتبط الا بفيروز نفسها ، بصوتها الذي لا تتعبه السنين. لانها لم تعد مشروع احدهم بل هي بصوتها واستمرارها ظاهرة .

تأتينا فيروز لتضيف نغمة جديدة للموسيقى وللطرب في وقت اتعبنا الصراخ والنشاز …ستسهر النجمات لطالما فيروز تطلق بصوتها شهبا في السماء . فهي بهذه الاغنية توكد من جديد ان الانسان يكبر وليس بالضرورة ينتهي . فهو يستطيع العطاء لطالما لا تزال تخرج منه الانفاس. فمش لشي ولا اي شي …يكفي ان نسمع فيروز بصوتها الشجن الان .

فيروز تقدم لنا دليلا حيا ، ان الفن من الممكن ان يبقى ومن الممكن ان يستمر بالعطاء بنفس القدر . فالموضوع ليس موضوع كلمة ولا لحن . والموضوع ليس موضوع تمسك بارث قد يعفي عنه الزمن ، ولكنه موضوع استمرار بقدر اللحظة نفسها .

فنحن نشاهد في كل لحظة على الشاشات ما يثقب طبول الاذان ويعمي العيون من شبه المطربين والمطربات. الفن صار ملوثا .

فظهور فيروز بهذه الاغنية يقول لنا من جديد ، ان الزمن لا يولي صاحبه ، بل الانسان نفسه هو القادر على البقاء او الانتهاء بكل مرحلة .

ولكن في زمن انعدام الذوق من الطبيعي الا يتذوق المستمع صوتا اسمه فيروز …في زمن تعلو فيه الاصوات صارخة لا مطربة . غاضبة محتقنة لا هادئة اقرب الى الطبيعة التي نشتاق اليها في بساطتها .

بساطة الكلمة حتى ولو لم تحمل الكثير من المعاني . وبساطة اللحن ولو كان مجرد استحداث لكل ما سمعناه .

نحن بحاجة الى صوت اصيل لا يزال يطربنا ولربما يذكرنا انه لا زال هناك املا في بعضنا .

1 أفكار بشأن “فيروز …لمين”

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading