تخطى إلى المحتوى

تعدد الزوجات ومسلسلات رمضان : هل هي قضية ام ازمة ام شرع الله ؟

تعدد الزوجات ومسلسلات رمضان : هل هي قضية ام ازمة ام شرع الله ؟

 

انتهى رمضان بمسلسلاته الكثيرة والرسائل المختلفة التي تركت لنا كمشاهدين في سوق الاستهلاك المتكامل . وبطبيعة الحال لا يمكن اللحاق بالمعظم ولكن عند غربلة ما تم غربلته من المناسب مع الاقرب للذوق الخاص ، اردت التوقف عند ظاهرة ترددت بالمسلسلات التي يمكن وصفها بالجيدة .

بالعادة تتسم المسلسلات بوضع المرأة بصورة محددة نحو شيطنتها المطلقة او تبعيتها العمياء . ومن اجل الحق هذا العام ليس الشر مطلقا بالنساء ولا المسكنة والطاعة العمياء . ولكن… هناك مركزية تزداد بدور الرجل حتى ولو كنا امام مسلسل تقوم امرأة ببطولته المطلقة.

موضوع العلاقات الانسانية وتركيبتها بلا شك موضوع من الطبيعي التطرق اليه كما هو . التغيرات التي تطرأ على المجتمع في علاقاتنا نتيجة السوشيل ميديا. الحب الطيار وازمات المشاعر وسهولة العلاقات ببدئها ونهاياتها ، كذلك الكذب في عصر الشبكة العنكبوتية اصبحت حباله قصيرة جدا .

ولكن يبقى الموضوع الاهم والمتكرر ، ولا يبدو ان اللباس الغربي وادخال المصطلحات الاجنبية والتعري وانفتاح العلاقات وتعدديتها وظهور المرأة بأدوار اكثر قيادية منها تلك التابعة فيها ، لم يغير من مبدئية ان الكل يجري وراء الرجل . بغض النظر عن دوره الخير او الشرير . هناك رجل وامرأة تريد الفوز به ، وفي معظم الحالات تتعدد تلك النساء . فيكون سباق اكثر من امرأة على رجل واحد.

والرجل طبعا ، لا يوجد ما يؤرقه او يؤثر على ضميره ، فهو دائما عندما تتزاحم عليه النساء فحقه الشرعي بالتعدد يصبح امرا عاديا جدا.

يعني نرى رجل سعيد في حياته الزوجية ، وامرأته كانت شديدة التدين لدرجة انها تنقبت (احمد فهمي و نيللي كريم ) او رجل زوجته شديدة الطبقية والانفتاح وزوجها يشتاق الى البلدي ( اياد نصار وحنان مطاوع (البلدي)) و (٣٠ يوم) وغيرها . المهم عندما تدخل المرأة الثانية ترى الرجل لا يتردد في التعدد، وهو يقوم بوظيفته الشرعية . وهي تزاحم الاخرى باخذ مكانها او مشاركتها بلا ادنى تردد. فلا يوجد اي ازمة اخلاقية تواجهه عندما يأتي القرار الى الزواج . والمرأة الثانية لا يساورها اي ازمة ، فهو يقوم بحقه الشرعي.

باللحظة التي يوزع الرجل قلبه وحياته على اثنتين تنتهي كل المآزق الاخلاقية ، وترى المرأة المتأزمة من المبدأ تتعامل مع الموضوع كذلك على انه حق الرجل.

فكرة التعدد فكرة تدميرية للرجل ، وبالتالي للمجتمع الذي تنهار امامه المعايير الاخلاقية المبدئية امام كلمة “شرع” . فكرة ان الرجل في لحظة الخيانة لا يعبأ حتي بالتفكير كثيرا ولا يتأزم اخلاقيا ، فهو دائما يستطيع الزواج بتلك الاخرى .

وينطبق نفس المبدأ على ما يسمى بالعلاقات غير الشرعية ، فنرى الرجل يعيش مع امرأة بلا زواج ، وبلحظة تركه ، لانه يتأزم اخلاقيا عندما تطلب منه تلك الزواج ، نرى بالمقابل ان اخته او امرأة اخرى تدعمه وتحضره لعلاقة شرعية ما .

هذه الازمة بعدم التأزم الاخلاقي بالعلاقات الانسانية توطد مرة اخرى ازماتنا الحياتية التي نختبيء بالدين من خلالها . وهنا نتكلم عن مجتمع يتم تصويره على انه غير متدين بالعموم او على الاقل بأحد اطرافه .

شرع غريب يترك الرجل يتحكم بشريعة الخلق ، يطبق القوانين على حسب احتياجاته ، ويكون الدين والاخلاق ما ينطبق على المرأة وهو الامر الناهي في هذه الوضعية الاجتماعية الاخلاقية.

غياب الاخلاق من الرجل وضعي ومؤقت ، اما المرأة فغلطتها انحطاط وخطيئة . والحساب يجري على المرأة في اي خطيئة والرجل يستمر بحياته بلا ادنى محاسبة . ولا اريد الخوض في الدين هنا ، ولكن ، لا بد من التوقف امام المنظومة التي تهيئ كل شيء للرجل ، وتخضع وتذلل له كل شيء واي شيء . وهنا نحن لا نتكلم في اقل من امور مبدئية . امور مشاعر الانسان التي تشكل كيانه . فالموضوع لا يرتبط بالرجل نفسه ، بل بتلك المنظومة التي تذلل له كل شيء حتى الخديعة في مشاعره تحت مسميات “شرعية” . باسم الشرع والحق الالهي يسمح الرجل لنفسه ان يقسم مشاعره ويحتال على نفسه وعلى قلبه . والمجتمع امامه يبرر ويسهل له هذا الانفصام ويباركه .

فكيف نتوقع من الرجال الاخلاص ونحن نؤهلهم منذ ان يبدأوا بالشعور بأنهم يستطيعوا تجاوز مشاعرهم والتلاعب بها . فبالنهاية لهم الحق في المثنى والثلاث والرباع وما ملكت ايمانهم ان ارادوا .

والمرأة بدورها جزء لا يتجزأ بهذا الانفصام ، فالاخرى هي دائما امرأة ، والقابلة لهذا الوضع هي كذلك امرأة .

تبقى المأساة بهذا الزمن الذي ترى هكذا “عادة شرعية” فيها مطبقة بمجتمع او من قبل رجال ونساء يدعون الانفتاح وليسوا بالضرورة متدينون. الا ان الدين بهذه الحالة يغلب ويجعل المجتمع بأكمله مذللا لهذه الواقعة. “شرع الله ” .

وتبقى الطامة الكبرى مرة اخرى بالازمة الداخلية التي يقف امامها الرجل بهذه الحالة . عندما يقرر ان يقيم علاقة بأخرى ، فلا تساوره اي من مشاعر تعذيب الضمير او التساؤل باخلاقية عمله . وعندما يشك هذا الرجل بزوجته ان كانت هي اخرى على علاقة . تنهار امامه كل المنظومات ويساوره الشك القاتل وتخضع رجولته لامتحان وجودي . “كيف تتجرأ على خيانتي ؟ ” ولا يفكر للحظة ان ما قام به كان خديعة تفوق الخيانة . لان الزوجة عليها ان تفهم تلقائيا ان “خيانته” بزوجة اخرى كان شرع الله . حتى ولو تعرف على الاخرى ببار وكانت تلك الاخرى نتيجة اغواء او سكرة، او انها كانت علاقة ممتدة من الخيانة قرر تتويجها بزواج شرعي .

واختم للتأكيد ، ان الموضوع ليس موضوع دين او شرع . ليس موضوع فهم صحيح او خاطيء للدين. ولكن الموضوع موضوع ازمة اخلاقية مجتمعية ، قد يكون الرجل هو المظلوم الاكبر فيها ، على الرغم من كونه صاحب القرار بالفعل . الا ان المشكلة هي بالمجتمع نفسه الذي يجزئ اخلاقياته ويفصلها ويختار ما يريد منها على حسب هواه . وعليه يبقى موضوع التعدد ناقوسا يدق دائما خطورة انهزام هذا المجتمع الذي يواري خطاياه بالزواج . الزواج نفسه الذي خلقه المجتمع لصلاحه . هو نفسه يتم استخدامه لخرابه .

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading