تخطى إلى المحتوى

فرحة العيد الكاذبة

مرة أخرى يأتي علينا عيد، والأحزان تحوم في أرجاء أجوائنا. الاحتلال لا يزال يخيم بسمائنا ، وفساد سلطتنا على الارض ينكث التراب ويحفر لنا قبورا شواهدها نفاقنا، وضحاياها كل اولئك الذين غفلنا عن المكافحة من أجل بقائهم.

يأتي العيد وامهات شهداء وذويهم يبكون بمرارة اكثر ابنائهم الذين صعدوا من أجل ان نبقى صامدين . أمهات وزوجات الأسرى ينتظرون فرجا لا يأتي .

والفساد يحيط حياتنا، فلا نلبث نأخذ نفسا من فساد وزاري، حتى نكتشف ان مطاعمنا ومقاهينا تطعمنا وتسقينا من مالنا ما فسد من الطعام وما انتهت صلاحيته وما تلوث.

في يوم عرفة يفجعنا شاب في ربيع عمره بالانتحار بغزة، لسبب يتزايد فيه ضحايا الانتحار في تلك البقعة المسلوبة من الحرية بالحياة الا من جعل الموت هو الحرية والخلاص.

تنعى اسرة ابنتها بعد ايام من الابتلاء والتضرع لشفاء بعد حادث سير اخر، يودي بحياة ابنائنا على طرقات يلبس بها سائق ارعن عباءة عزرائيل ويحصد حيوات البشر بلا هوادة.

وننظر حولنا ونهتف لنفير عرفة ولرجم الشيطان ولحصد الذبائح كل هذا في سبيل الله . اي اله هذا الذي نرجم الشيطان في واديه وننفر الى جبل لنتضرع اليه في حين ننظر بلا حياء الى صور من حصاد موت جديد لأيد القتل السعودية في اليمن.

كيف لا نستحي من الوقوف امام الله في عرفة وهي محكومة من قبل ايدي الظلم والظلام السعودية ؟

الفقر والجوع هو سمة العيش العربي والاسلامي ، وفي المقابل ، تسيل دماء الاضاحي في الشوارع في البلدان العربية ولا يسعك الا ان تفكر ، كيف يكون جياع في اوطان ذبائحها تغسل الشوارع كسيول الامطار ؟

انه الرياء والنفاق الذي يشكل ماهية الانسان العربي بعباءة دينة صارت رائحتها نتنة من نتانة النفوس.

ولكني ككل عيد اتابع التهنئات بالعيد، انظر حولي اسمع هدوء الاجواء التي يحملها دوما العيد عندما يهل علينا . احاول التفكير بايجابية ، بفرح ، اتمتم في نفسي بعض الدعاوي ، واتمنى ان يجلب العيد لنا هدوء وامن ونقاء .

ولكن …بينما ننشغل في تحضيراتنا ، والاولاد فرحون والنساء تستعد لتحضير وجبة الغداء بعد ذبح الاضاحي ، والرجال يتجولون من بيت الى بيت للمعايدة . على اولئك منا التي لم تشوه نفوسهم بعد بالرياء والنفاق التذكر ان هناك  بيوت لم يجلب لهم العيد الا الالم  ، وفيض دموع لم تنقطع على فراق حبيب، حبيب فارق الدنيا بلا عودة من اجل وطن نعيد انفسنا عليها الان .

فإن كان هناك عيد ، فعلينا ان نعيد اهالي الشهداء في دير ابو مشعل  والجلزون والقدس والخليل وبيت لحم . شهداء غيبهم الاحتلال عن ذويهم ، عن احبتهم، عن حياة كانوا اليوم سيكونوا جزء من العيد فيها .

العيد هذا العام هو دمعة لم تجف من عيون امهات باغتها الفراق . اباء وابناء واصدقاء واحبة يجلسون امام الاضرحة في فقدان لم يجف التراب عنه بعد.

لامهات اولئك الابناء ، لابائهم ، لاحبتهم يجب ان تكون وجهة العيد هذا العام وكل عام، لقرية ككوبر داهمها بطش الاحتلال الذي لا يكل .

العيد رغم الم الفراق في هذا العام هو عيد دير ابو مشعل وكوبر والجلزون، العيد لقرية ومخيم يبكي ابناءه ، ويحاصره الاحتلال عقابا لبطولة شباب بذلوا ريعان حياتهم من اجل ان نبقى نحن.

نحن اولئك الذين نسرق من الحياة لحظات لان نكون . فقلوبنا اليوم هناك في كوبر  ودير ابو مشعل ، ومع كل ام واب واخ وصديق فقد غالي في سبيل هذا الوطن.

باقات حب وسلوان يجب ان تقدم لكل ام وزوجة وابنة صابرة تنتظر فك الكرب عن ابن او زوج او والد اسير .

في حياتنا هذه المليئة بالظلم الذي نحياه مع كل نفس ، ونرى بام اعيننا كل من سبقنا بالاحتراق بنيران الالم والفقدان ، لا بد ان نتوقف امام انفسنا ونتعظ . وان كان هناك عرفان وتقدير يجب ان نقدمه ، او ان كان هناك ما تبقى من عيد ، فليكن لاولئك الصابرون على كرب وفقدان والم لا يلتئم.

لعل ارواح من فقدنا في هذا العيد ترتاح في سموات بين يدي رب عنده حق وعدل.
لأمهات الشهداء وذويهم في كل مكان التحية ومعايدة لا تعوض فقدان ولا تذلل مصاعب، ولكن لنقول نحن معكم ، في قلوبنا ووجداننا.
المجد والخلود لشهدائنا والعزة لذويهم واحبتهم.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading