خطاب الرئيس : هل من جديد

 

 

 

كما في كل مرة، يلقي الرئيس الفلسطيني خطابه الأاممي بما يرتقي الى الخطاب الشعبي الحماسي، ويجعل الانسان الفلسطيني المتحمس للخطابة والانعاش الوطني يفكر ان الرجل يعاني ويجلس على كرسي الرئاسة غصبا عنه.

وككل مرة طبعا تخف الحماسة لخطاب الرئيس السنوي هذا ، لأنه لم يعد به ما يمكن ان يفاجئنا ولا يوجد به اي جديد ، ويعيد رصد التاريخ الذي مللنا من سماعه ويلقي ما هو اشبه بالمحاضرة المعدة مسبقا لجمهور المستمعين امامه ليذكرهم بتاريخ فلسطين واحتلالها ويشدد على تمسكه بأن الاحتلال بدأ ب ٦٧.

وللحق ال ٦٧ بدى بعيدا وكثيرا في احتلاله اذا ما نظرنا الى حالنا اليوم . فقريبا سنطالب بما لنا على حسب ما اودت به علينا اوسلو علنيا . وكان اعتراف الرئيس بأن القدس محتلة كالانجاز في ظل ما نعيشه من تهويد واسرلة وسحب حتى لأرجلنا عن تراب هذه المدينة .

ولم يأت الرئيس بجديد بطبيعة الحال ، فالحال يتكلم عن نفسه ، ولكني تساءلت بينما سمعت بعض الكلمات في تأكيده على ان الكيان الذي يحكمه يشكل سلطة بلا سلطة . وعندما بعث بتحية الى شعبه من على ذلك المنبر ولم استطع الا ان اشعر بالحنين الى ايام التغريبة الاولى للفلسطينيين عندما كانت الوفود العائدة من اوسلو لا تزال تخاطبنا من على المنابر الدولية المختلفة.

وتساؤل اتى بتساؤل طبعا ، لماذا لا يكرس الرئيس خطابا كهذا كل شهر ؟ لو كنت مكانه ادير سلطة لا سلطة ، لعملت على تقريب الشارع مني ، وكنت سألقي خطابا حماسيا بكائيا في المدن التي استطيع الذهاب اليها بعد التنسيق للمرور. من قبل الاجهزة الامنية المختلفة كل شهر . على ميادين المدن التعيسة المختلفة .

لماذا يحتاج الرئيس الى ان يخاطبنا بهذا الصدق فقط من خلال المنبر الاممي ؟ لماذا نفهم ما يريد قوله فقط من خلال المقابلات الاسرائيلية وربما بأحيان نادرة بالمحطات الاجنبية ؟

في كل مرة ، والمرات قليلة يتكلم فيها الرئيس الى الشعب تكون مقتضبة وكأن احدهم واقف على رأسه يحذره من مغبة الوقوع بالكلام.

ما قاله الرئيس بالامس في خطابه يصلح ان يلقيه في ميدان المنارة ، ولا اقول هذا استهزاء بل بجدية حقيقية. فهو اقرب الى ان يكون خطاب مبايعة . ولا اشك ان الجمهوز سيبايعه على الميادين بعد ما قاله، وبهذا يكون قد خرج من الدائرة المغلقة للخطاب الفتحاوي الخالص المعد لاجتماعات الثوري والمركزي.

فنحن نحتاج الى بعض الحقيقة المباشرة من خلال الرئيس. عندما نسمعه في هكذا منبر وهكذا خطاب، نتيقن انه لا يعيش بعالم منفصل عنا . ان الرجل يعاني كمعاناتنا . يشعر بالاحتلال ويتذمر منه ، ويبدو انه وصل الى هذا العمر الطاعن وتملؤه الحسرة وفقدان الامل بحل سعى اليه حقيقة . انه رجل يريد العيش بسلام مع الاخر الاسرائيلي ولم يترك له مجال. حتى مصادفات الكواكب والقمر وقف الى جانبه هذه المرة ليثبت للمستمعين ان ما بيننا وبين اليهود يتلاقى بسلم حتى في التقويم. فما الذي يريده العالم اكثر من تلاقي بداية السنة الهجرية بالعبرية هذا العام ؟

في خطابات الرئيس الاممية السابقة كان الاعلام الفلسطيني يعدنا مسبقا الى مفاجأة وقنبلة سيفجرها الرئيس . كان العالم ينتظر ما سيفجره من حل ممكن لاوسلو او السلطة ويرمي المسؤولية اخيرا على اسرائيل والعالم . وفي كل مرة كان الرئيس يترك الحماس فقط في نفوس متابعيه. وهذه المرة لم يترك الرئيس محاولاته باستخدام المفاجآت التي لم يعد احد يريد سماعها لانها ليست مفاجئة ولانه ليس جديا بتهديداته ، وان كان جديا فمن يقف وراء بقاء الحال على ما هو عليه اليوم لم يعد متمثلا بالرئيس ولكن بمنظومة محيطة تختلط بالاعمال والمصالح لا تريد لهذه السلطة بلا سلطة ان تنتهي الا من تشبيكاتهم ومصالحهم . فلقد تحولنا الى رعاع يقودهم اصحاب المصالح المعدودة وزمرة من المنتفعين ، ونحن لا نشكل اكثر من وقود ممكن لنار تدفيء جيوبهم التي تتفجر من الامتلاء من حياتنا.

فهذه المرة مرر الرئيس تهديده بعبارة ” اما الاستقلال واما المطالبة بفلسطين التاريخية” ،موجها كلامه للتأثير على نتانياهو الذي يرفض حل دولتين على اوسلو .

وانتهى الرئيس بتوجيه تحية لنا نحن الشعب ، وشعرت بالغبطة عندما ذكر القدس ، وقلت في نفسي : ” لا زلت موجودة كفلسطينية في ذهن الرئيس”. وجه لنا نحن المدافعين عن الاقصى على حد تعبيره تحية الابطال وكأنه اكد على دور فقده مع الزمن يحاول تثبيتنا عليه . وكأن امله بنا نحن اولئك الذين لم يبق لنا ما نفعله الا محاولة البقاء على ما يمكن البقاء عليه . واستغربت تشديده على تخصيص التحية لنا جميعا، الضفة كذلك وغزة. …. ولكنه اسقط سهوا ربما ، اولئك الذين ضمتهم اليها اسرائيل قصرا وعنوة في احتلال عايشه هو وكان ضحيته كالملايين المشتتة حول العالم نتيجة ما صار اسرائيل . نسي اولئك الذين يشكلون ثلث من يسمون انفسهم فلسطينيون رغم انف الاحتلال داخل ما اصبح دولته وصرنا مجرد عابرون اذا ما سمح لنا فيها.

ومع هذا لا زلت اتساءل ، ان كان الرئيس يصدق فعلا ما قاله ، ما الذي يجعله متمسكا بسلطة بلا سلطة؟

اترك رد