تخطى إلى المحتوى

هل يحق للفنان تطويع التطبيع على هواه؟

تتسع الهوة في اعتباراتنا الوطنية في كل يوم . ووصلنا بلا شك الى نقطة لم نعد نفصل فيها خطوطنا الحمراء ولم نعد نميز اي لون. أصابنا عمى ألوان لم نعد نفرق بين لون وآخر. باطلنا صار حق . والعملاء صاروا ابطال. والرذيلة صارت تزين اخلاقنا . والتطبيع صار شعار قوميتنا .

وبين كل معيار لا بد من تمييز لمن لم يصبه العمى بعد . ولكن ماذا نفعل في نفوس كتم الله على قلوبها، فعمت البصيرة ولم تعد الابصار تميز.

ويأتي الفن ليكون ذراع التطبيع الجديد . فهل نعزل الفن فعلا ونتركه طليق ابداعه ونحرره من السياسة ؟

نشهد ما يجري من تطويع سياسي للقضية الفلسطينية ، ولم يبق امامنا الا الافراد منا ، اولئك الذين لم تغتالهم رصاصات الاحتلال بعد ولم يتم زجهم في السجون ليدافعوا عما تبقى من قضية. آولئك منا بمواقعهم المختلفة ممن يدعون العلم والثقافة والابداع .

أفهم أولئك الذين لا يريدون تطويع القضية والسياسة بمآربهم . اولئك الذين تركوا السياسة والارض منذ زمن وذهبوا لشؤونهم الخاصة . ولكن لكل من يلوح بفلسطينيته وهذه القضية في المحافل المختلفة ويتم استقباله لا لابداعه ولكن من اجل قضيته ، فهذا مجبر على ان يحدد موقفه . فهذه القضية التي نبيع ونشتري فيها ونفصلها على مقاساتنا اعطتنا بقدر ما اخذت منا واكثر . فهناك فرص يأخذها الفلسطيني من اجل فلسطينيته وليس من اجل موهبته ، وفي مجال الابداع الفني فالمواضيع هذه كثيرة. فكانت القضية الفلسطينية كما الفلسطيني رمزية ولا تزال في عيون الكثيرين.

وسأتوقف عند موضوع الفن ، لأنه موضوع نتعاطى فيه نحن معشر العوام . الجمهور الدائم. هل يصبح الفنان وطنيا بمجرد مشاركته بعمل تحت اسم فلسطين؟ وهل يجب محاسبة الفنان الذي يدعي انه فلسطيني الهوية والقضية لمشاركته بأعمال تدعم الاحتلال؟ وهل يغفر للفنان تاريخه الحافل بالعار ان غير وجهته نحو الجمهور الفلسطيني فجأة ؟

وكما تتعدد الاسئلة والاجابات كذلك ، افهم تماما انه لا يمكن ايجاد معادلة واحدة محددة ، فالظروف مختلفة كما الحالات ، ولكن ماذا نفعل عندما تغيب الخطوط الحمراء لما هو حرام علينا كفلسطينيين .

هل الممثل الفلسطيني الذي يقوم بدور الفلسطيني الارهابي في هوليوود تشفع له نجوميته؟ هل يشفع للمثل الفلسطيني ان يقوم بدور مع منتج او مخرج او جهة يعي مسبقا انها تدعم الحراك الصهيوني مباشرة او بالخفاء ؟

متى يكون العمل الفني مجردا لفنيته فقط؟ ومتى يكون العمل انعكاسا لقضية المبدع ؟

في كل مرة يخرج الينا ممثل او فنان يستخدم فيها “فلسطينيته” للوصول الى شهرة اكثر ، تقع كل المحرمات . وتخرج الروائح النتنة لهكذا اعمال .

هناك اعمال تنجح وتنال حيزها ومكانها وقيمتها وترسل رسائل مهمة بغض النظر عن تموضوع صاحبها ، ولقد رأينا الكثير من الافلام والاعمال التي يحمل اصحابها رسالات تجعل الفلسطيني دائما امام قضيته كما تجعل العالم يقف خلفه بتقدير وتأمل . هاني ابو اسعد وافلامه ، مغني الراب تامر نقار وفيلمه ، سيد قشوع واعماله، وجوليانو وغيرهم . اولئك لم يحتاجوا لاستغلال القضية لنقل رسالة شعبهم ، ولم يحتاجوا للرقص على حبال مصالحهم. نالوا حصتهم من الانتقاد ودفع الثمن. اولئك لم يلعبوا لعبة الفلسطيني تارة والاسرائيلي تارة على هواهم . باختلافنا واتفاقنا معهم قدموا ما يخدم قضيتهم الوطنية كعرب فلسطينيين بالداخل الاسرائيلي المحتل .

وانهي بتوقفي امام حالتين يتم التصفيق لهما حاليا وحملهما على اكفة العلم الفلسطيني ، محمد بكري  الذي حفل تاريخه الفني بالكثير من الاساءات للشعب الفلسطيني على مرور السنوات ، ولا يجب ان يشفع له انطلاقه من المتشائل ووقوفه اليوم في قصر رام الله الثقافي . فمساهماته بكل من “آلجسد” مع انطونيو بانديراس و”الموت ولا العار” بدور الارهابي الفلسطيني ليست الا بعض النقاط السود في تاريخه الفني . لن ينظفها قيامه بسلسلة حلقات وثائقية عن التراث مع تلفزيون فلسطين. فلقد كانت مساهماته بالتلفزيون الاسرائيلي كمساهمات الابن البار . ان تحاربه اسرائيل اليوم اعلاميا لا يشكل رشق ذرات تراب امام الحقيقة.

كما دور كامل الباشا الذي حاز على جائزة احسن ممثل في دوره كفلسطيني نذل في حرب لبنان الاهلية ، الذي يأخذنا المخرج اللبناني زياد الدويري الذي قدم سابقا فيلما يخجل انسان يدعي انه عربي ان يقدمه للجمهور تحت اسم خدمة الفلسطينيين . ففيلم الصدمة يروج وبجدارة للاعلام الصهيوني الذي حول المقاومة الى ارهاب. وفي القضية ٢٣ جعل المشاهد يخرج مع الشعور بالذنب تجاه الكتائب والخائن بشير الجميل . وطبعا يوقع وزر الحرب الاهلية على الفلسطينيين .

ونحن في فلسطين نلوح ونصفق ونزغرد فرحا بالجائزة التي جاء بها الباشا لقيامه بدور الفلسطيني الذي قضى على وحدة لبنان وفجر حربها .

هل نتنكر للحقيقة ؟ هل تتحمل منظمة التحرير وزر اتهامها بالتخريب والارهاب كما اتقن ادواره في هذا المجال اولا البكري وثانيا الباشا ؟

لا تكمن المعضلة هنا ، ولكن بالمشاهد الذي اختار ان يذهب ويهلل لاولئك . لفيلم يمثل به البكري على الرغم من تاريخه المسيء للفلسطينيين . ولفيلم يخرجه لبناني يدعم الصهيونية ويشاركها اعمالها بفيلم مسيء لفلسطينيي المخيمات والمنظمة ببطولة فلسطينية ؟

هل علينا اعفاء البكري من تاريخه وشكره على حلته الجديدة بالزي الفلسطيني وعفى الله عما سبق ؟ هل نغفر لكامل الباشا عدم ادراكه لكا قدمه الدويري سابقا وللتشويه الذي اكد عليه بفيلمه الحالي بسبب الجائزة ؟

بعد ان تم عرض الفيلم ، عبر اكثر من مثقف حقيقي عن رأيه، فالياس خوري قال : ” خطأ زياد دويري في فيلمه السابق الصدمة، عبر اختيار رواية ياسميه خضرا والتصوير بتل ابيت، ليس قانونيا فقط بل هو ثقافي لا يمكن السماح بأن يتحول الى سابقة، وهذه مسؤولية ثقافية اولا ، ويجب مواجهته على المستوى الثقافي والفكري.” (القدس العربي). اما بيار ابي صعب فقال: ” البنية الدرامية للفيلم تجعل المتفرج يخرج مسكونا بصور مجزرة الدامور. لا رابط بين مرتكبيها ، وياسر الفلسطيني الاتي من الكويت الي مخيم مار الياس ،تلك هي الزعبرة ، والتلاعب السياسي لأبلسة القضية الفلسطينية.” ( الاخبار ) ، اما ليلى توما فكتبت : ” يريدنا ان نستنتج ان الذين يقتلون هم الاطفال ، وانهم يقتلون على يد الفلسطينيين.” (الاخبار) . اما نطوان شلحت فكتب : ” في الجانب الابعد مدى ، يتساوق هذا التقديم مع مشروع الصهيونية الرامي الى انتاج هذا الاسرائيلي باعتباره صاحب البلد -ـ فلسطين ـ في وعيه التام . وفي حالة الدويري تحديدا يأتي مخرج عربي لأداء مهمة أشد وادهى : انتاج اسرائيلي باعتباره صاحب البلد في وعي من بفي في وطنه ولم يطرد، او في وعي من افلح في العودة او خاول العودة من الفلسطينيين.” (العربي الجديد)
هل الاعتراض والوقوف عند هذا الموضوع يجعلنا ننادي للنكد ونكره الفرحة ونجلد الذات ؟

هل علينا التغاضي والتصفيق بحرارة لفيلم فلسطيني تم ترشيحه للاوسكار ؟ هل نحتاج التطبيع والممثلين الذين ركبوا موجة الوطن على مدار العقود لننتج فيلما جيدا ؟

جوابي سيبقى لا وباصرار .

هذا الوطن ليس للمزاودة ولا للركوب عليه.

الفنان الفلسطيني الحقيقي لا يحتاج لأن يفهم اين خطوطه الحمراء ، لأنها ظاهرة واضخة لا مجال لعدم رؤيتها . الا عندما يصيبه عمى الالوان . فالحق بين والباطل بين . وحالة تطويع التطبيع من خلال اولئك يجب الا يتم السكوت عنها ، حتى ولو تهرول كل الشعب للتصفيق امام عرض هكذا افلام وهكذا ممثلين.

1 أفكار بشأن “هل يحق للفنان تطويع التطبيع على هواه؟”

  1. تنبيه Pingback: “أميرة” ليست سندريلا… – نادية حرحش

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading