تخطى إلى المحتوى

العنف المتأصل في نفوسنا

http://www.wattan.tv/news/225791.html

كثيرا ما أفكر بردود أفعالنا المختلفة عن العالم الآخر غير العربي تحديدا. كيف نتحمل الضرب والذل والإهانة . هذا الجلد على التحمل . لا أعرف لما قادتني ذاكرتي إلى مشهد على جسر الملك حسين قبل عدة أعوام وسط أزمة خانقة في قاعة الإنتظار وأولئك الحراس العشرينيين الذين كانوا يتعاملون مع البشر “الفلسطيني” وكأنهم قطيع أغنام. ذلك المنظر يحمل بذاكرتي دائما عصا بيد أحد الحراس وكأنه يضرب الجماهير المنتظرة الرجوع ، مع أنه لم يكن يحمل أي عصا.

ما جرى في سيناء اليوم من قتل للمصلين، يؤكد ان الارهاب لا دين له. فقط يوقفنا امام انحيازاتنا لما تساويه الارواح التي يتم ازهاقها . فنتعاطف ونتشفى حسب انتماءاتنا.

القتل في اليمن، وسورية، والعراق، وافغانستان، واسطنبول… لا يختلف عن الجريمة التي هزتنا اليوم في سيناء . نفسهم المجرمون الذين زهقوا ارواحا بالكنائس ، ونفسهم الذين يقررون انهم ايادي الله لاظهار الحق على هذه الارض. بينما هم ليسوا اكثر من مرتزقة مأجورين يتلقون اوامرهم من امراء الحروب وعرابيهم في هذه المنطقة. امراء الحروب الذين يعتاشون على صناعة الاسلحة وتصديرها.

وعمليات القتل هذه بتكرارها وتفشيها، لا تؤكد الا على حقيقة واحدة ،و وهي حقيقة العنف متأصل في شتى تفاصيل حياتنا. بين مؤيد لقتل وبين متعاطف. بين متشفي وبين ساخط. ان التطرف هو سيد الموقف .التفنن في قتل النفس العربية للنفس العربية ….

نفس المشهد يتكرر كل يوم في أماكن مختلفة في ظروف مختلفه. يهيننا الجندي على كل حاجز وفي كل مواجهة على بوابة مكتب حكومي . نمشي متحسبين من كف قد يصفعنا بأي لحظة .

حياة وكأنها مبنية على علاقة سجين بسجان ، دائما يحيطها الخوف والترقب من ضربة أو صفعة قادمة .

أنظر إلى طلاب المدارس الذين ينتهزوا أي فرصة للتحرش بالكلاب في المنزل ، وينتهزوا آي فرصة لكي يبدأوا برمي كل ما طالته أيديهم لرجم كلبين في ساحة مغلقة . ينبحون (الاطفال) لاستفزاز الكلاب للنباح . وكأنهم متعطشون لعراك يريدون أن ينتهي ببطح احدهم للكلب المسكين . وكأنهم سينتصرون على انفسهم بهذها الهجوم الغير مبرر .
في مواجهاتي مع هؤلاء الاطفال (تتراوح اعمارهم بين ٨ الي ١٤ )  اشعر باليأس من الغد . فهؤلاء لن ينتهوا الا بسجن او على ارصفة شوارع الباعة المتجولون .

أنظر أمامي للمدرسه التي يخرجون منها ، وافكر ، اذا ما كان هذا نتاج يوم دراسي . ماذا كان سيكون حال هؤلاء الاطفال لو كان خروجهم من ورشة او مصنع او مسلخ ؟ اذا ما كانت هذه التصرفات هي نتاج ما يحصله هؤلاء الاطفال على مقاعد الدراسه .

لسنوات راقبت هؤلاء الأطفال وحزنت في كل مرة لما ينتظره المستقبل من جيل يفقد الأخلاق على مقاعد الدراسة . ولمت الإحتلال الذي يصدر هكذا أجهزة تعليمية . فالمدارس الحكومية الاسرائيلية هي التي تنتج هكذا أجيال . وكآن هذه المدارس موجوده لتصنيع جيل مؤهل تماما للانحراف.

ولكني بهذه اللحظات أتأمل المشهد بأبعاد أخرى ، كل ما يجري من عنف . عنف ضدنا نستقبله ونتعايش معه ونحضنه حتى وعنف نصدره نحن . عندما نشاهد الضرب والسحل والإهانة التي يتعرض لها شبابنا وأولادنا وقدرتهم على التحمل والتعايش معها ، فالمواجهات مع قوات الاحتلال التي اصبحت يومية ، يخرج الشاب من بيته متعمدا او غير متعمد ليجد نفسه في مواجهات لا بد يأخذ نصيبه منها ويعود الى بيته ليقص مشهد ضرب تعرض له او بطولة رشق حجر او ما شابه .

ولا أعرف لماذا ، مع كل تباعد ما، احاول تجميعه وبكل صدق يسقط من ذاكرتي عنوة وبلا اختيار مني . فمشهد الجسر ومشهد الاطفال وكلابي ومشهد المواجهات مع جنود الاحتلال ، كلها غير مرتبطه ولكني رأيتها تسقط امامي لتخبرني شيىء ما اخر.

انها تربيتنا ، التربيه التي ننشأ كلنا عليها ، بطريقة ممنهجه منذ ان نأخذ نفسنا الاول بهذه الحياه وكأن هناك اتفاق بين كل ما هو متحكم بما سيجري بحياتنا عندما نكبر . اتفاق غير معلن مترابط بين البيت والمدرسه والمجتمع على تأهيلنا بما نصبو وننتهي اليه .

نتربى على تربية عنوانها مهما حاولنا التملص منه او التنكر له او انكاره “الضرب” و”العنف” . نكبر ونتفاخر بأننا أقوياء العود، واصبحنا رجالا وجدعانا ونساءآ صالحات بسبب ضرب اهلنا لنا . ونربي اولادنا على نفس النهج بلا وعي اولا ، وبوعي كامل بمرحله متقدمه .

فنحن نمارس العنف في تربيه اولادنا قبل ان نرسلهم الى المدارس ، سواء تلك التي اتهم الاحتلال بمنهجيتها او الاخرى الخاصه . الفرق بين الحالتين بان المدارس الحكوميه تكمل دور العنف في المدرسه ، والخاصه لا نسمح لهم بتعنيف اولادنا لاننا فقط من يعنفهم. المحصله اننا ننشيء جيل معنف لا بد ان ينتهي به المطاف ليكون فقط عنيف.
وهذا المزيج بين عاطفتنا “المتوسطية” وبين عنفنا ” القبلي العربي” هو ما يزيد من حالة ضياعنا ويعقد من حالنا . فنحن نحب اولادنا بشده ، نعيش من اجلهم ، نضحي ، نجوع ليحيو . مصطلح كالتضحية نشآنا به وكأنه خبز يومنا . فالأم لا تكون اما صالحه الا اذا ضحت ، ،الاب لا يصلح الا اذا جاع من اجل تامين قوت ابنائه . نتحرق لنعطي ابناءنا ما لم نحصل عليه ، لنؤمن مستقبلهم ، لنراهم احسن منا . الا اننا نؤمنهم ونطعمهم وننشئهم قصرا بالعصا تحت عنوان كبير اسمه “مصلحتهم” و”هكذا تربينا” . فتجد الام تلقن ابنها الدرس بالعصا وشد الشعر والصفعات المتلاحقه من اجل علامه يجب ان تكون الاعلى ليتفوق ، وقد يشوب شعورها بعض عذاب الضمير حتى ترى حصاد عنفها في العلامه المرجوه فتقتنع ان اسلوبها كان ناجحا.

نتناسى ان ما نقوم به كل يوم من صراخ وضرب وفرض سلطاتنا قصرا هو عنف نمارسه ضد ابنائنا ونصدره لمستقبلهم

ليقفوا امام الجندي بمواجهه قد تتحداهم فيواجهوها بعنف ، او الى حاجز سلطوي يمر من خلاله بالعصا فقط.

فلا نتفاجأ من التصفيق للعنف واللطم عند القتل .

هناك خلل ما نصدره بتريتنا منذ زمن بعيد ولا نحاول تغييره ونستمر بالتذمر منه .

لذا نقف الان في مكان ما نفتقد فيه الى كل ادوات التفكر والتعقل والتدبر . فتختلط مشاعرنا بين هتاف وعويل وندب وشجب . صراخنا يصم اذاننا فرحا وغضبا . لا نستطيع مواجهه العنف الموجه ضدنا لاننا معنفون مع نشأتنا ، ولا نستطيع شجب العنف ضد غيرنا لأننا معنفون اصلا والعنف جزء من دوران كينونتنا . فمن الطبيعي ان اضرب ابني لاقومه ، فمن الطبيعي ان يضرب ابني زميله او يتم الاعتداء عليه من قبل زميل . طبيعي ان يستقوي مجموعه على من هو اضعف او محاوله تعذيب كلب ، فكله عنف تربى ويتربى فينا وننكره .

فالاهل ينكرون ضربهم وتعنيفهم لابنائهم والابناء بدورهم ينكرون تعرضهم للعنف .. كل هذا يتراكم بداخلنا ، يكبر ويكبر حجمه فينا ويتفجر على اشكال مختلفه اخرها ذلك الداعش فينا .

ليس بغريب انتشار داعش ليصبح وطنا جديد. فالغرب باجهزة مخابراته لم يحتج الا ان يزرع بذرة داعش لتنتشر تلقائيا لتطالنا في كل مكان ، لاننا وبكل بساطة منتجون مصنعون لداعش واخوانها منذ وجدنا …

1 أفكار بشأن “العنف المتأصل في نفوسنا”

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading