تخطى إلى المحتوى

رحلة تجديد وثيقة سفر ( اللاسيباسيه) في الداخلية الإسرائيلية… رحلة في الجحيم 

رحلة تجديد وثيقة سفر ( اللاسيباسيه) في الداخلية الإسرائيلية… رحلة في الجحيم
لا يخفى على احد، عناء كل إنسان فلسطيني يحتاج الى معاملة رسمية في وزارة الداخلية الإسرائيلية في القدس. قد تكون رحلة الذل مكتوبة على كل من يعبر الحاجز يوميا، عبر بوابات الكترونية ضيقة وأزمات انسانية  ومرورية خانقة, ومجند حاقد. ولا أعرف إن كان يمكن وصف هذه التجربة لمن يمر بها يوميا بالتعود. فهل يمكن التعود على الذل والإهانة والتحقير ؟
يبدو انه يمكن، والا كيف نستمر في العيش والعبور ؟
رحلة الذهاب الى الداخلية تختلف في مكونات إذلالها. فهي عبارة عن سلسلة من الوجبات التحقيرية، الاذلالية، المهينة في جرعات متتالية على مدار يومك. فلا يمكن أن تكون هذه الزيارة لمدة ساعة او ساعات محددة ، بل يجب التأكد ان يومك سيكون بدوام كامل هناك ، وان كنت محظوظا ، تتم معاملتك. طبعا اذا كانت هذه المعاملة بسيطة كتجديد وثيقة سفر.
تبدأ رحلة العذاب من ساعات الصباح الباكر، وأقصد بالباكر,السابعة صباحا . في الصيف تبدأ ساعات الانتظار من الفجر بلا مبالغة. المهم , وبما اننا في الشتاء, والنَّاس في المدارس,إن الانتظار يبدأ قبل الساعة السابعة ( بدون مبالغة) .
لا يمكن الاعتماد على الحظ . فَلَو كان هناك حظ لما كنا في هذا البلد أصلا . لا تعرف كيف تصبح جزءا من طابور متراكم لا يتحرك . او يهيأ لك بانه لا يتحرك عندما تلتفت الى الوراء, وتجد نفسك في وسط زحام شديد . ومع زيادة الاعداد تبدأ الاحتقانات . تلك تريد المرور لان المحامي بانتظارها ، وتلك زوجها يصرخ في اول طابور الرجال مطالبا النسوة بتمريرها ، واُخرى تأتي بكرت غوار،لا ينفع ولا يقدم امام النظام الصارم الذي تقف النسوة فيه كالجدار العازل لكل من تسول لها نفسها العبور ، وجموع الجنود الواقفة على بعد أمتار تتفقد حراكك تتأكد من انك كما هو مكتوب على اللافتة ‘ يجت الانصياع للاوامر’ . ولا تعرف ما هي الأوامر ، يتكلم الجنود او رجال الامن بالعبرية . لا يهمهم ان كنت تفهم او لا . لا يأبهون اصلا بان تفهم ، هم هناك من اجل التأكد انك لا تفهم . فقط عليك الانصياع لامر ذلك المجند ، وقد يحالفك الحظ , ولا يمنعك من الدخول .
قبل ما يقرب السنة ، تم تفعيل العمل بالأدوار المسبقة. وطبعا, ان خدمة الهاتف لا تعمل، وعلى الجميع ان يدبر أمره في الوصول الى الموقع الالكتروني . في المحصلة ، عليك ان تعرف العبرية وتتقن التعامل مع التكنولوجيا لتفهم وضعيتك.
من شدة الاحتقان تنسى بالفعل لم دخلت. تساورني نفسي في ظل انهيار السلطة واستهتارها احيانا, بفكرة التقدم لجنسية إسرائيلية . وكما في كل مرة، احتاج لهذه الرحلة لأتيقن ان فعل الاحتلال سيبقى بغيضا حتى ولو انصعنا للقبول بجنسيته .
هناك عملية تحقير ممنهجة . تجعلك تشعر وكأنك تريد خلع نفسك من جسدك وترمي بها وبذلك الجسد في أقرب حفرة وتختفي .
تحقير ، ذُل ،إذعان …. اكثر ، هناك عملية ممنهجة في نزع إنسانيتك . تصبح شيئا ما بين الانسان والحيوان . وكاننا مخلوقات ما بين الانسانية والحيونة . يعاملوا الحيوانات برفق اكثر من ذلك الذي تاخذه من معاملتهم لك بحيوانية.
اتساءل عن هؤلاء العاملين هناك من مجندين وموظفين. اليهود منهم بستحقرونك بلباسهم فتتوقع منهم الذل . أولئك هناك مع فرضية قتلك,اذا ما تصرفت بلا انصياع . لا يتكلم ذاك المجند معك . يعطيك إشارات للمرور والوقوف فقط . انت غير مرئي. وعندما يراك تصبح شيئا عليه احتقارك ، وكأنك مرض معدي يحتاج ان يتخلص منه بأسرع وقت .
العرب العاملون هناك هم المأساة الأكبر . لا تعرف كيف تتعامل مع هذا الكائن أمامك . يتفننون في إذلالك . صياح واستهتار واستحقار . تتوقعه من الاسرائيلي المحتل ، ولكنها تبدو كالصفعة من ابن جلدتك المتحدث بلسانك .
قصص مضحكة مبكية ، تسمعها ، تسترق الانتباه إليها ، مآسي انسانية على الأغلب … امرأة يريد الموظف تسجيلها كمتزوجة ، تصرخ في وجهه اخيرا : “مش متزوجة !” “ولكنك تلبسني الخاتم.” يرد عليها بإصرار.” يا عمي مش متزوجة . قرأنا فاتحة ما في كتب كتاب.” ترد عليه بإصرار. فجأة تتداخل العادات والأعراف ويصبح الجهل بالنهاية, سيد الموقف . هو غبي؟ أم هي كاذبة تتستر على زواجها !!!!؟
يجلس ذلك الموظف الاخر ويقرر رمي غضبه على موظف النظافة . صياح اخر بين ابيض واسود . ابيض مغربي الاصل على الارجح وإثيوبي يبدو أقوى من كل الحضور مجتمعين .
قصص … ملل… يوم طويل لا ينتهي, حتى مع الغروب … تعب يمتزج بروائح العرق والأجساد المنهكة بلا حراك على مدار الساعات .
رحلة كالجحيم … او بالأحرى رحلة في طبقة من جحيم الحياة في ‘كنف’ الاحتلال.

اترك رد

اكتشاف المزيد من نادية حرحش

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading