جاء رمضان وبدد الإهتمام بالأمور المهمة. الإنشغال ما بين الطعام والمسلسلات. الطوش اليومية بسبب غضب صائم او غير صائم.
اختفى الاحتلال عن المشهد ، الا من فضه للمنازعات اليومية بالقدس بين الفلسطينيين. ويقنص براحته على الحدود الفاصلة عن غزة ونعد الشهداء ونفرزهم لمصلحة هذا الفصيل أو ذاك.
كل شيء مهم تجمد الا النزاع والاقتتال ، بين الفصائل من جهة ، وبين فئات الشعب المقتتلة من أجل قطايف أو مصف للسيارة او عدم غض البصر عن مفطرات الصيام ولمز واساءة لفظية للإناث.
ولكن …
ما يحدث أكبر ولا يوجد من نلوم في ما يحدث غيرنا . فبن سلمان حتى اختفى من المشهد، وترامب أرجأ إعلان صفقته لما بعد رمضان ، ونحن منشغلون بما سنأكل وما سنشاهد وأين سنسهر.
وأقصى ما نراه من بعض المسؤولين ،بينما ينتظرون خبر انتهاء عمر الرئيس اذا ما توعكت صحته أكثر ، ببعض التنديد والاستياء . فالدول بدأت تهرول بنقل سفاراتهم الى القدس ، واسرائيل شرعت بالاعلان عن بناء توسيعي بالمستوطنات لمئات او الاف الوحدات السكنية في أنحاء الضفة الغربية .
تم موت أسير بشبهات مؤكدة بتعريضه للتنكيل والضرب ولا من حتى وقفة أحتجاجية ومطالبة حقيقية بتحقيق.
وبمناسبة التحقيق، نعم تحركت الدبلوماسية الفلسطينية نحو محكمة الجنايات لتقديم ملف الاستيطان ، وكأن اسرائيل ردت بتمرير قرار انشاء المزيد من الوحدات الاستيطانية لترد على الخطوة الفلسطينية التي استغرقت عقدين.
مر افتتاح السفارة بالقدس ولم ترق السلطة الى استدعاء ممثل او قنصل او سفير . لم تفكر اصلا بتوقيف مشاريع هذه الدول او التهديد بوقف التعاون.
أهم ما يحصل في لساحة الفلسطينية هو مرض الرئيس ومحاولة الوصول الى خليفة قادم ضمن المنتظرين الكثر لفرصة الرئاسة الابدية القادمة. حتى اننا صرنا نسمع بالتوريث!!!
ولكن كل ما يجري بالضفة من مأساوية في كفة ، وما يجري بغزة من استنزاف انساني في كفة أخرى.
لا أفهم كيف استطعنا ووبراعة عجيبة تحويل مسيرة العودة الى هذا. كيف صارت الضحايا ارقاما توزع على الفصائل ؟ كيف تحولت بطولات الناس المسكينة المتعطشة للقمة او حرية لمزادات يتصارع عليها الفصائل المتحاربة؟
كيف حولت حماس المسيرات لاستحقاق تجني منه منافع أعلى سقوفها فتح معابر؟
ما جرى بجنازة الامس مؤسف ومحزن ومخزي ومؤلم . أن نصل إلى مرحلة يرفض فيها امام الجامع بإقامة صلاة الجنازة لأن الشهيد ينتمي لفصيل مناهض ، فبكل أسى اقول ، لا يوجد ما هو حضيض اقعر من هذا.
ولا اعرف لماذا لا استطيع فصل وجودنا برمضان عما حدث ويحدث . ان كانت هذه اخلاق الصائم في أهم الشهور واقدسها لدى المسلمين. ان كان هذا هو الشهر الذي توصد به الشياطين ، فمن اولئك الذين يتصرفون بشيطنة أشد في هذا الشهر الفضيل؟ أين ذهبت الانسانية وكيف تغيب بأبسط ما يذكرنا دائما بأن هذه الحياة فانية ؟ كيف وصلنا الى مكان حتى الميت لا نرحمه ولا نقدم له واجبه الآخير…. وأى ميت؟ شهيد!
في ظل الانحدار الحاصل ، لا يمكن أن يبقى اولي السلطة من كافة الاطراف في هذا الاستنفاذ والاستهلاك للانسان الفلسطيني. لم يبق الا هذا الانسان بعدما ضاعت الارض وفقدنا العرض. ولقد حولتم الإنسان الى رقم محتمل لجني المزيد من الاستحقاقات لجيوبكم على حساب ما كان وطنا وما كان مواطنا .
كفى !